بالنسبة لإسرائيل، كُل نشاط فلسطيني هو "إرهاب"
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • من بين مجموعة المشكلات التي طبعت قرار المجلس الوزاري المصغر "لمعاقبة" الفلسطينيين بسبب نضالهم الدبلوماسي ضد الاحتلال، اتخذ قرار مستفز بصورة خاصة. فقد جاء في البند الخامس من البيان الختامي المتعلق بقرارات: "سيتم اتخاذ خطوات ضد مؤسسات في الضفة تدفع قدماً بنشاطات "إرهابية" أو كل نشاط عدواني آخر، ومن ضمنه النشاط السياسي- القضائي ضد إسرائيل بغطاء أعمال إنسانية".
  • يُعتبر هذا القرار إعلان حرب رسمية على كل مؤسسة مدنية فلسطينية تناضل ضد الاحتلال بالطرق السلمية. لا حاجة إلى فذلكة قانونية بهدف رصد دلائل تربط ما بين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية و"الإرهاب"، كما فعل بني غانتس مع مؤسسات حقوق الإنسان السبع التي وضعها خارجة عن القانون مؤخراً، بقرار أثار استغراب دول كثيرة. وبدلاً من اختراع علاقات كهذه، أعلنت حكومة إسرائيل أنها تعتبر كل نشاط سياسي وقضائي - أي مقاومة غير عنيفة هو عمل "عدائي" من أساسه، ويوضع بذات الخانة مع "نشاطات إرهابية".
  • هذا يعني، وبحسب دولة إسرائيل أن الدبلوماسية الفلسطينية هي "إرهاب سياسي"؛ الدعاوى الفلسطينية هي "إرهاب قضائي"؛ وحركة المقاطعة الداعمة للفلسطينيين هي "إرهاب اقتصادي"؛ تظاهرة فلسطينية هي "إرهاب" ضد النظام العام، والأناشيد الفلسطينية الاحتجاجية هي تحريض "إرهابي" موسيقي. أمّا فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية الديمقراطية، من خلال صناديق الاقتراع، فلا يمكن الحديث عنها بتاتاً. بالنسبة إلى إسرائيل هذا إرهاب ديموغرافي.
  • وكما في "تعليمات أمنية في المناطق المحتلة للكاتب المسرحي" لحانوخ لافين: كل إنسان يمر في الشارع وينظر بتوتّر شمالاً ويميناً وإلى الخلف - يُشتبه به بأنه "مخرّب" عربي؛ وكل إنسان يمر في الشارع وينظر براحة إلى الأمام - يشتبه به بأنه "مخرّب" عربي بدم بارد. بالنسبة إلى إسرائيل فإنه لا يوجد للشعب الفلسطيني أي سبيل شرعي أو قانوني لمقاومة الاحتلال وتحقيق طموحاته القومية. وهذا لأن إسرائيل لا تحارب فقط "الإرهاب" الفلسطيني، بل هي تحارب أيضاً النضال الفلسطيني الوطني بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه.
  • هذا القرار ليس منافياً فقط للمنطق لأنه يساوي قانونياً وقيمياً بين المقاومة "العنيفة" والمقاومة السلمية (كلاهما، بحسب إسرائيل، ممنوع بالقدر نفسه)، وإنما لأنه يفرغ التعريف الإسرائيلي للإرهاب من مضمونه. عندما يرى العالم أن إسرائيل تغلق مؤسسات حقوق إنسان فلسطينية بتهمة "نشاط سياسي عدائي" أو "نشاط قانوني عدائي"، أو أن تكون تهمة هذه المؤسسات الوحيدة هي "نشاطات إنسانية" قرّرت إسرائيل أنها غطاء لعداء عام - كيف سيتم التعامل مع ادّعاءات إسرائيل بشأن منظمات أُخرى عرّفتها على أنها "منظمات إرهابية" على مدار الأعوام؟ إسرائيل، بنفسها، تمحي الفروق بين هذه المنظمات. في حالة المؤسسات السبع التي تم إخراجها عن القانون، يمكن أن يكون هذا جيداً. فإسرائيل الآن تساعد الدول التي تتبرّع لهذه المؤسسات على الاستهزاء بتعريفها للـ"إرهاب" والاستمرار بتقديم الدعم.
  • وفي حال تم تطبيق قرار المجلس الوزاري المصغر بالتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية كـ"منظمات إرهابية" فعلياً (مع أنه من غير الواضح ما هي الخطوات التي ستتخذ ضدهم حتى الآن) فإن هذا سيكون امتحاناً لمؤسسات حقوق الإنسان على الطرف الآخر من الخط الأخضر. سيكون التضامن ضرورياً ليس لأنه الأمر الصحيح، بل لأن هذه القيم والممارسات والملاحقات لن تتوقف أبداً في الضفة، وغالباً تصل إلى "إسرائيل". إن مقارنة نشاط المجتمع المدني بـ"الإرهاب" والمساواة بينهما لن يتوقف عند الفلسطينيين، بل سيتغلغل إلى داخل "حدود إسرائيل"، في البداية من خلال التعامل مع مؤسسات فلسطينية داخل الدولة ومن بعدها مع منظمات يسارية يهودية.