"زيارة" بن غفير مرّت بهدوء حتى الآن؛ الامتحان الحقيقي سيكون في الربيع
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- "زيارة" أريئيل شارون إلى المسجد الأقصى في أيلول/سبتمبر 2000 انتهت بهدوء. الأوساط المقربة من شارون سخرت من قيادات "الشاباك" التي حذّرت من انفجار - تم التعامل مع هؤلاء على أنهم مترددون، وحتى جبناء. العنف اندلع فقط في اليوم التالي: عشرات الآلاف الذين وصلوا لأداء صلاة الجمعة اشتبكوا مع الشرطة، والأحداث امتدت بسرعة إلى الضفة الغربية. خلال أيام، تدحرجت إسرائيل إلى الانتفاضة الثانية، المواجهة الأكثر دموية بين إسرائيل والفلسطينيين، و"قُتل" خلالها الآلاف.
- كذلك الأمر خلال "زيارة" عضو الكنيست أوري أرئيل إلى الحرم القدسي عشية رأس السنة في سنة 2015، انتهت من دون أحداث استثنائية. لكن في الليلة نفسها، بدأت مواجهات في شرقي القدس، واندلعت "انتفاضة السكاكين" التي نفّذ خلالها الفلسطينيون عشرات عمليات الطعن والدهس في القدس والضفة.
- على الرغم مما هو شائع، فإن التاريخ لا يعيد نفسه. ولا يمكن في الوقت نفسه المقارنة ما بين الوضع في القدس الشرقية والضفة الغربية في سنتيْ 2000 و2015 وما هو عليه اليوم. لا يمكن المقارنة ما بين "زيارة" مع إعلام، كزيارة شارون الاستفزازية والجماعية، وبين عملية تمويه كالتي قام بها بن غفير. لكن الهدوء الذي صاحبَ الزيارة في الشارع الفلسطيني، لا يؤكد أي شيء بخصوص المستقبل.
- خلال المئة عام الماضية، أثبت الفلسطينيون، مرات لا تُعد ولا تُحصى، أن المسجد الأقصى خط أحمر وواضح. بحسب الرواية الفلسطينية، فإن "الحرم" برمته هو المسجد الأقصى، ولا مكان فيه لصلاة اليهود، لكنه أكثر من ذلك أيضاً - إنه رمز قومي وديني وسياسي من الدرجة الأولى، وكل تغيير فيه يُعد إهانة شخصية وقومية تستوجب الرد.
- يتم التعامل مع كل "زيارة" لمسؤولين إسرائيليين، فلسطينياً وعربياً، على أنها اقتحام واجتياح. تم تبنّي هذه المصطلحات في جميع بيانات الإدانة التي صدرت عن الحكومات العربية: الأردن والسعودية والإمارات ومصر. وحتى لو مرّت هذه "الزيارة" بسلام في الميدان، فإنها وبعد أسبوع فقط من تأليف الحكومة تبدو كأنها تسببت بضرر جدي في علاقة إسرائيل بالدول العربية، وسابقة مُقلقة لمستقبل الحكومة.
- في سنة 2015، وفي أعقاب "موجة العنف" التي اندلعت، أرغم رئيس الحكومة، حينها واليوم، بنيامين نتنياهو، على إصدار قرار وقف زيارة أعضاء الكنيست إلى الحرم. ومنذ ذلك، الوقت، عادت زيارات أعضاء الكنيست، لكن باستثناء أرئيل و"زيارة" واحدة قام بها وزير الأمن الداخلي السابق غلعاد إردان، حينها كان الحرم القدسي مغلقاً أمام المسلمين، لم يقُم أي وزير بـ"زيارة" إلى الحرم القدسي في الأعوام الأخيرة.
- حين كان نائباً، استغل بن غفير امتيازه من أجل الاستفزاز في القدس الشرقية. هذا ما حدث حين وصل إلى باب العامود برفقة مناصريه خلال رمضان، وهو أيضاً ما حدث حين أقام مرتين مكتباً برلمانياً في حيّ الشيخ جرّاح. وفي أكثر من مرة، كانت أفعاله هي الدافع الذي أدى إلى "العنف". كوزير للأمن الداخلي، لديه أدوات قوة أكبر بكثير.
- وعلى الرغم من هذا كله، فإن "زيارة" بن غفير يمكن أن تمرّ بسلام، وتبتلعها الأحداث والاستفزازات والتصريحات غير المسؤولة والغبية من جانب الوزراء الجدد. لكن ذلك يمكن أن يؤشر إلى بدء تغيير خطر في السياسات حيال الحرم - موعد حساس أول سيكون صلاة يوم الجمعة المقبل. هناك مشكلة أُخرى، تشير تجربة الماضي إلى أن الأحداث المغطاة إعلامياً بصورة كبيرة في المسجد الأقصى، يمكن أن تدفع "مخرّبين" فرديين إلى الخروج والعمل "لحماية المسجد".
- هذا بالإضافة إلى أن الحرم هو أحد مسببات التوتر في شرقي القدس. يبدو أن الحكومة الجديدة ستمنح جهات كثيرة أسباباً أُخرى - إخلاء منازل فلسطينيين لمصلحة المستوطنين في الشيخ جرّاح أو سلوان، تسريع خطط، كالقطار الهوائي أو الحفريات "الأثرية" في سلوان، تسريع هدم المنازل واستفزازات مختلفة من طرف الشرطة للمجتمع الفلسطيني. فكما حدث في رمضان 2021، أدى التقاء إخلاء المنازل في الشيخ جرّاح وقرار إغلاق باحات باب العامود أمام الزوار ومنع الجلوس على مدرجاته، إلى سلسلة من الأحداث "العنيفة" التي انتشرت في جميع المناطق. هكذا، مزيج من الأحداث يمكن أن يدفع القدس ومعها الضفة كلها إلى الفوضى.
- الامتحان الحقيقي سيكون في الربيع. لسوء حظنا، عيد الفصح، العيد الأهم بين الأعياد بالنسبة إلى "نشطاء" بناء الهيكل، سيتزامن مع الأسبوع الثاني في شهر رمضان. أول أمس، توجه رفائيل موريس، من النشطاء الأكثر تطرفاً وفعالية من أجل بناء الهيكل إلى بن غفير، بطلب السماح بتجديد تقديم القرابين في عيد الفصح هذا العام. ويطالب موريس بالمصادقة على الطلب "بأسرع وقت ممكن، لنستطيع ترتيب الأمور اللوجستية والتوراتية والبيروقراطية وغيرها... هناك فرصة لإعادة روح المكان."
- لا يوجد أي جديد في هذا التوجه، في كل عام يتم تقديم طلب كهذا ويُرفض- وفي كل عام يحاول موريس وأصدقاؤه الدخول إلى الحرم مع أضحية، ويتم إيقافهم على يد الشرطة قبل أن يقتربوا حتى. الفرق هذا العام أنه وللمرة الأولى، الوزير المسؤول عن الشرطة هو ذاته المحامي الذي مثل موريس بعد اعتقالات سابقة مع الأضاحي. "من غير المنطقي أن يتم اعتقال أناس، فقط لأنهم يطالبون بتطبيق التعاليم الدينية اليهودية"، هذا ما قاله المحامي بن غفير في الاستئناف على اعتقال موريس في سنة 2017. وليس مستبعداً أنه في هذا العام، سيُصدر بن غفير أوامره للشرطة بعدم الاعتقال، وحتى مساعدة مَن يريد تقديم الأضاحي في عيد الفصح. "خطوة ستسرّع الخلاص بشكل فوري، وتُكتب في التاريخ كبداية بناء الهيكل الثالث"، بحسب ما كتبه موريس.