ماذا يعني مقتل فتاة فلسطينية في السادسة عشرة من عمرها برصاصة في الرأس؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- جنى زكارنة، ابنة الـ16 عاماً، قُتلت أول أمس برصاصة في الرأس. قصة بسيطة وغير مهمة. في البداية، تحدث الجيش الإسرائيلي عن "مزاعم عن مقتل فلسطينية". وفي بيان أكثر تفصيلاً، ذكر "أن المقاتلين أطلقوا النار على مسلحين. وظروف مقتل الفتاة في قيد الفحص."
- على الفور، بدأت السردية الدائمة للجيش الإسرائيلي: "في التحقيق الأولّي، ذكر المقاتلون أنهم لم يشاهدوا أية امرأة أو فتاة خلال تبادُل إطلاق النار. وأن الجيش يفحص ما إذا كانت الفتاة موجودة على سطح منخفض أكثر... ويذكر الجيش أيضاً أنه يجري في كل ليلة إطلاق نار على القوى الأمنية التي تعمل على اعتقال مطلوبين، وأن القوات تردّ بإطلاق النار بدقة على المسلحين فقط." نسخة طبق الأصل من نتائج التحقيق الذي قام به الجيش الإسرائيلي في قضية شيرين أبو عاقلة، باستثناء احتمال تعرُّضها لإطلاق نار من الجيش الإسرائيلي عن طريق الخطأ. لكن بعد دقائق، يصل توضيح "هناك احتمال كبير جداً" أن يكون أحد مقاتلي حرس الحدود قتل زكارنة عن طريق الخطأ.
- في البداية، لم يشاهد الجيش أية امرأة أو فتاة، وأن الوقت كان ليلاً. وكأن هذا لا يكفي، قالوا إنه من المحتمل أنها كانت على سطح منخفض، ولذلك لم يتمكنوا من رؤيتها. والخلاصة هي عندما يطلق الجنود النار في الليل، من المحتمل كثيراً أن يقتلوا مواطنين، وخصوصاً إذا كانوا لا يرونهم. لكن إذا كانوا لا يرونهم، فكيف يرون المسلحين، وكيف يتمكنون من إصابتهم بدقة؟ يجب على الجيش أن يعدّل قليلاً السيناريو.
- في أعقاب ذلك، ردّ أيضاً وزير الدفاع بني غانتس، وقال إنه يأسف لمقتل زكارنة "كما آسف لمقتل أيّ شخص لا علاقة له بالإرهاب، في حال كان هذا صحيحاً." هذا أسف مشروط، أسلوب جديد في نظرية العلاقات العامة للجيش الإسرائيلي. ربما هي قُتلت على يد فلسطينيين؟ وماذا كانت تفعل على السطح، بينما كانت آلاف الرصاصات تُطلق من كل اتجاه؟ الأولاد يجب أن يبقوا في المنزل عندما يطلقون النار.
- لكن التبدل المطلوب وصل فوراً. "ذكر الجيش أن هناك شكاً في أن الفتاة ساعدت المسلحين الذين أطلقوا النار على المقاتلين الذي جاؤوا إلى جنين لاعتقال مطلوبين. وكانت تراقب بالقرب من المسلحين من على سطح أحد المنازل في المدينة الفلسطينية - ولذلك، فقد اعتُبرت، عن طريق الخطأ، أحد المسلحين." هذا ما كتبته صحيفة "يديعوت أحرونوت". الآن اتضح كل شيء، زكارنة قُتلت بالخطأ، لكنها لم تكن بريئة. لا مجال فعلاً للأسف، ربما فقط للحزن.
- وماذا لو حدث هذا فعلاً؟ ففي النهاية، هذه الحادثة لها علاقة "بالشؤون الداخلية الإسرائيلية"، أو كما قال غانتس في أعقاب قرار الأف بي آي الأميركي، التحقيق في مقتل أبو عاقلة: "قرار وزارة العدل الأميركية التحقيق في مقتل أبو عاقلة المؤسف هو خطأ كبير... لقد أوضحت للمندوبين الأميركيين أننا ندعم جنود الجيش الإسرائيلي، ولن نتعاون مع أي تحقيق خارجي، ولن نسمح بالتدخل في شؤون إسرائيل الداخلية."
- هذه المرة، في إمكان غانتس وقائد المنطقة وقادة القوات أن يطمئنوا. الأف بي آي الذي قرر، بلؤم، أنه لن يكتفي بالفحص وبالتحقيق وبخلاصات الجيش الإسرائيلي، لن يوسع تحقيقه ليشمل حادثة زكارنة. فهي فلسطينية، وليست مواطنة أميركية. حادثة زكارنة سيحقق فيها المسؤولون عن الأخلاق المثالية للجيش الإسرائيلي، ويمكن الاعتماد عليهم بأنهم لن يسمحوا لفتاة فلسطينية في الـ16 من عمرها تشويه السمعة النقية من أية شائبة.
- لكن مقتل مواطنين أبرياء في أراضٍ محتلة ليس "شأناً إسرائيلياً داخلياً". الولايات المتحدة تريد إجابات، محكمة العدل الدولية تحقق في حوادث مشابهة، ومبعوثة الأمم المتحدة المسؤولة عن الأولاد في مناطق الحروب فيرجينا غامبا وصلت إلى إسرائيل، وهي تفحص إمكانية إدخال إسرائيل إلى القائمة السوداء للدول التي تؤذي الأولاد في زمن الحرب، بعد تحذيرها لإسرائيل سابقاً. تضم هذه القائمة عدداً كبيراً من الدول السيئة التي ادّعت أن ما يجري هو "شأن داخلي". وهي أيضاً عبّرت عن أسفها.