التصويت العربي في انتخابات الكنيست الـ25: تحليل للتوجهات ونظرة إلى المستقبل
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • اعتُبرت الانتخابات للكنيست الـ25، عن حق، إحدى أهم المعارك الانتخابية في تاريخ إسرائيل. فقد أدت هذه الانتخابات إلى الحسم الذي أنهى أزمة سياسية تعانيها إسرائيل منذ 3 أعوام ونصف العام، وسوف تسمح ببلورة حكومة ذات هوية وخطوط أساسية وأهداف سياسية واضحة.
  • لقد كان لانتخابات 2022 أهمية خاصة بالنسبة إلى الجمهور العربي في إسرائيل. وينطوي الحدث على تناقُض عميق بالنسبة إلى المواطنين العرب: من جهة، الصوت العربي أثّر بصورة غير مسبوقة في نتائج الانتخابات، وفي شكل السلطة المقبلة، ومن جهة أُخرى، فإن نظام الانتخابات وحجم الاقتراع أدّيا إلى صعود كتلة سياسية تُعتبر عدوة في نظر أغلبية الجمهور العربي وخسارتهم التأثير غير المسبوق الذي نشأ في السنة الأخيرة.
  • هدف هذه الوثيقة عرض نتائج اقتراع المواطنين العرب في الانتخابات الأخيرة، ومن خلالها تصوير التوجهات السياسية والاجتماعية التي انطوت عليها. وبالاستناد إلى هذه الأرقام، سنحلل التأثير المحتمل للواقع السياسي الناشىء في الجمهور العربي، وفي علاقته بمؤسسات الدولة والجمهور اليهودي، وسنقدم توصيات إلى الحكومة بشأن السياسة الواجب اتباعها إزاء المجتمع العربي.

خلاصات مركزية

  • نسبة الاقتراع: بلغت 53% وتُعتبر متوسطة، مقارنةً بالانتخابات الأربع التي جرت منذ بداية 2019، وهي في الوسط، بين النقطة الأدنى في العام الماضي (44.6%) وبين الذروة في انتخابات 2020، حين استطاعت القائمة المشتركة الحصول على 15 مقعداً. وسُجّلت نِسب التصويت العالية في معاقل حزب راعام، القائمة العربية الموحدة (وخصوصاً في البلدات البدوية وفي الجنوب)، وأيضاً في بعض المراكز في الشمال (في سخنين وكفر مندا ودير الأسد).
  • تشرذُم الاقتراع: 84% من المواطنين العرب صوتوا لأحزاب عربية. وهذا استمرار لتوجُّه برز منذ تقلُّص الاقتراع العربي للأحزاب الصهيونية منذ أعوام. وينبع هذا الأمر، من بين أمور أُخرى، من ازدياد خيبة الأمل وسط الجمهور العربي إزاء عدم استعداد الأحزاب الصهيونية لفتح أبوابها أمام المواطنين العرب وترشيحهم في أماكن حقيقية على قوائمها. 32% من المواطنين العرب صوتوا مع راعام، و29% مع حداش - تعل، و22.5% مع بلد.
  • راعام: يبدو عموماً أن الحزب ازداد قوة، مقارنةً بالانتخابات الماضية (زيادة مقعد واحد)، ويعود هذا إلى شعور جزء من المواطنين العرب بأن الحزب نجح في إحداث تغييرات، بعد انضمامه غير المسبوق إلى الائتلاف، وأنه قادر على تقديم استراتيجيا بديلة سمحت له بالتأثير، والرد على مشكلات أساسية يواجهها المجتمع العربي. المعاقل الأساسية للحزب، كما في الماضي، هي البلدات البدوية في الجنوب (التي حصل راعام في جزء منها على 70% من الأصوات)، والبلدات البدوية في الشمال، والبلدات في الجنوب والمثلث، وعلى رأسها كفرقاسم، مهد الحركة الإسلامية، وجزء من البلدات المختلطة، وفي طليعتها عكا والرملة.

د- حداش - تعل: تبدو القائمة خاسرة بعد تفكُّك القائمة المشتركة التي شكلت حداش، بزعامة أيمن عودة، المحرك الأساسي لتشكيلها ونشاطها. تقلُّص القائمة يتلاءم مع حدود التأثير التقليدي التي يملكها حداش: منطقة الناصرة وحيفا، وكذلك وسط الجمهور المسيحي العربي. هذا بالإضافة إلى نجاحات محدودة في بعض بلدات النقب، وفي الوسط (المثلث) (وخصوصاً في الأماكن التي يوجد فيها مرشح محلي في مكان حقيقي في قائمة حداش - تعل).

ه- بلد: لم ينجح الحزب في تجاوُز نسبة الحسم، لكنه جذب نسبة تصويت تفوق 3 مقاعد، وساهم بذلك في حسم الانتخابات. ولقد حقق الحزب إنجازاً مهماً في عدد من البلدات، وتحول إلى قوة سياسية قائدة في المدن المختلطة المركزية، وخصوصاً في اللد ويافا اللتين تشهدان توتراً دائماً بين اليهود والعرب. وكذلك في الطيرة وباقة الغربية وكفر قانا وأبو غوش.

و- التصويت في المجتمع الدرزي والشركسي: كما في الماضي، أغلبية الأصوات في المجتمعيْن أعطيَت لأحزاب صهيونية، وعلى رأسها المعسكر الرسمي، وإسرائيل بيتنا، ويوجد مستقبل، والليكود، وميرتس. في المقابل، فإن نسبة التصويت للأحزاب العربية كانت أقل نسبياً، يشمل ذلك راعام الذي سعى لإيجاد موطئ قدم وسط الدروز (تراوح التأييد لمجمل الأحزاب العربية في أغلبية البلدات الدرزية بين 0.5 % و2%).

ز- التصويت للأحزاب الصهيونية: كما ذكرنا، استمر تقلُّص اتجاهات تأييد الجمهور العربي للأحزاب الصهيونية، وهذا الأمر واضح أيضاً وسط المجتمع الدرزي الذي تملك فيه هذه الأحزاب نفوذاً تقليدياً. على سبيل المثال، تراجع التأييد لليكود في جزء كبير من المدن مرتين أو ثلاث مرات على الأقل، وحصل المعسكر الرسمي وحزب العمل على عدد ضئيل من الأصوات في البلدات غير الدرزية؛ وحتى حزب ميرتس، الذي حظيَ في الماضي بتأييد واسع نسبياً في المجتمع العربي، حقق هذه المرة إنجازاً محدوداً (في كفرقاسم، وفي مسقط رأس الوزير عيساوي فريج حظيَ الحزب بـ 19.5% من الأصوات في الانتخابات السابقة، و5.4% في الانتخابات الحالية).

ح-    تأثير زعماء محليين: برز في العديد من المدن تأثير نشاط مرشح محلي في نمط الاقتراع. مثلاً في بيت جن، محل إقامة مرشح ميرتس علي صلالحة، حصل الحزب على 62% من الأصوات، وأحمد الطيبي على 63% من التأييد لحداش - تعل في الطيبة، وفي بلدة الحوارة في النقب صوّت 40% للقائمة نفسها (من دون راعام، كما في سائر البلدات البدوية في الجنوب)، وذلك بعد ترشيح ابن البلدة يوسف العطاونة في المكان الخامس؛ دعاء حوش طاطور، المرشحة رقم 3 على قائمة بلد، حصلت على 36% من أصوات المقترعين في مكان إقامتها رينا.

  • انطوت الانتخابات على تغيريْن دراماتيكييْن فيما يتعلق بالسياسة العربية في إسرائيل. التغيير الأول تحوُّل راعام إلى الحزب العربي الأكبر في الدولة، وذلك بعد شيطنته أعواماً طويلة من جانب التيار الشيوعي في قيادة حداش. والتغيير الثاني هو "الهزيمة المجيدة" التي مُنيَ بها بلد. التأييد الواسع للحزب يعبّر، إلى حد بعيد، عن الاحتجاج والتحدي، سواء ضد المنظومة الحاكمة، أو ضد البدائل التي تطرحها سائر الأحزاب العربية: التعاون العربي - اليهودي الذي في أساس تعاليم حداش، والاندماج في الحكم الذي دفع به قدماً حزب راعام. من المحتمل أن يكون الدعم الحزبي عكس أيضاً ردات فعل مضادة على ازدياد قوة اليمين وسط الجمهور اليهودي، أي "العودة" إلى تشديد حزب بلد على الموضوع الوطني الفلسطيني.
  • بالإضافة إلى ذلك، خلقت الانتخابات شرخاً عميقاً في السياسة العربية في إسرائيل. صحيح أن الأحزاب الكبيرة منخرطة في الساحة البرلمانية، لكن تأثيرها فيها محدود، يبرز هذا تحديداً مع منصور عباس الذي يعتمد وجوده السياسي على انضمامه إلى الائتلاف. في المقابل، من المتوقع أن ينشط حزب بلد خارج البرلمان، ويمكن أن تنضم إليه كيانات أُخرى في هذا المجال، وعلى رأسها لجنة المتابعة، كتحدٍّ للسياسة الرسمية، ومن المحتمل أن تجري محاولة لبلورة بديل منها.
  • من الناحية الاستراتيجية - علاقة الجمهور العربي بالدولة والجمهور اليهودي، والتي كانت متوترة، تواجه الآن وضعاً حساساً جداً. يعيش الجمهور العربي بعد الانتخابات حالة هي مزيج من الصدمة والإحباط والخوف. الأمل (المتواضع) بزيادة التأثير الذي نما في السنة الأخيرة ذهب دفعة واحدة، هناك يأس عميق من الزعامات السياسية العربية، بالإضافة إلى الخوف من شكل وخطوات الحكومة المستقبلية، بينما تغلي طوال الوقت مشكلات أساسية تزيد في التوتر العام وسط الجمهور العربي، وعلى رأسها الجريمة والعنف وضائقة جيل الشباب، والإحساس بالقمع والتمييز.
  • يتعين على الحكومة العتيدة فهم هذا الواقع المشحون، إذ تكفي شرارة واحدة كي تشعل نيراناً كبيرة. اضطرابات 2021 ذكّرت بالتوتر العميق بين اليهود والعرب، ونشوبها في نظر أغلبية العرب واليهود يعني أن هناك "قصة مفتوحة" يمكن أن تحدث مجدداً، وربما بقوة أكبر من الماضي.
  • من الناحية العملية، نوصي الحكومة العتيدة، على الرغم من الفجوة بين نظرتها وبين نظرة الأحزاب العربية، بإيضاح نيتها الاستمرار في المعالجة الواسعة لكل أزمات المجتمع العربي، وفي طليعتها الجريمة والعنف وأزمة السكن وتطوير الاقتصاد والبنى التحتية المدنية في البلدات العربية. بالإضافة إلى إجراء حوار واسع ومباشر مع الزعامات العربية، ومع الجمهور العربي، من أجل إيجاد حلّ للمشكلات وإشراك الزعامات والسكان في الوسائل التي يجب الدفع بها قدماً.
  • تجاهُل الواقع المشحون، أو إعلان النية، بالدفع قدماً بخطوات جديدة تقيّد الجمهور العربي، أو تقلل من دعم الدولة له، يمكن أن يعتبرها المواطنون العرب - وخصوصاً الشباب - كـ"إغلاق الباب" الحكومي والعام الذي فُتح لهم في السنة الأخيرة، وسيؤدي إلى انهيار حاد للتوقعات، يمكن أن ينعكس سلبياً على الواقع الداخلي في إسرائيل، وعلى حصانتها الوطنية.

 

 

المزيد ضمن العدد