"حزب الله حصل على الغاز": معركة الحزب حول حقل "كاريش"
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • المعركة المتكاملة – الدعائية والعسكرية والدبلوماسية، التي شنها حزب الله، بدءاً من حزيران/يونيو، بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، كانت موجهة إلى جمهورين أساسيين: الجمهور اللبناني والجمهور الإسرائيلي. فيما يتعلق بالجمهور اللبناني، جاءت حملة حزب الله على خلفية أزمة سياسية واقتصادية حادة وانتقادات شعبية متزايدة موجهة إلى الحزب، بصفته أحد المسؤولين عن هذه الأزمة. وبرزت أصوات وسط الجمهور اللبناني تقول إن حزب الله يفضّل المصلحة الإيرانية على المصلحة اللبنانية، وهو الذي يفرض، عملياً، سياسة لبنان في موضوعات أمنية وسياسية، كما ازدادت الانتقادات الموجهة إلى احتفاظه بقوته العسكرية. في مواجهة هذه الانتقادات، كان على حزب الله تبرير استمرار تمسُّكه بترسانة سلاحه وتوطيد نفوذه السياسي في مواجهة خصومه، وأن يثبت أنه "درع لبنان".
  • في مواجهة إسرائيل، أراد حزب الله تعزيز الردع من خلال إعلانه أنه لا يخاف من مواجهة معها، وأنه مستعد للقيام بعملية عسكرية ضدها. ضمن هذا الإطار، أدار الحزب المنظومة الدعائية التي يسيطر عليها من أجل أن يخلق شعوراً في إسرائيل بالإلحاح والتهديد الحاد، من خلال التشديد على قدرته على ضرب أهداف استراتيجية في أيّ مكان في إسرائيل، بما في ذلك حقل "كاريش" وما بعده.
  • خاض الحزب المعركة بالأساس من خلال خطابات ومقابلات نصر الله والمسؤولين الرفيعي المستوى في الحزب في وسائل الإعلام المؤيدة له في لبنان، ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي. في هذه التصريحات، جرى التشديد على البعد الاستراتيجي لمسائل الغاز وأهمية حل مشكلات لبنان الاقتصادية، وجرى تظهير فكرة أن الحزب وحده قادر على استعادة حقوق لبنان في البحر المتوسط. ومن بين أمور أُخرى، جرى بثّ فيديوهات ورسوم كاريكاتورية تدل على خوف إسرائيل من قدرة الحزب على مهاجمتها في أيّ مكان من أراضيها، بما في ذلك منصة "كاريش". كما نُظّمت جولات لكبار مسؤولي الحزب على طول الحدود مع إسرائيل.
  • في إطار هذه المعركة، أضاف الحزب أدوات عسكرية: ففي مناسبتين، أطلق مسيّرات غير محملة بالسلاح نحو منصة "كاريش" (في حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2022). والهدف من إطلاق هذه المسيّرات إظهار القدرة العسكرية لحزب الله، والتوضيح أن ترسانة السلاح الدقيق التي في حوزته قادرة على ضرب إسرائيل إذا استمرت هذه الأخيرة في تجاهُل مصالح لبنان في البحر، وعموماً. وإلى جانب التهديدات اللفظية، كان الهدف من المسيّرات التأكيد أن حزب الله مستعد للتصعيد. بالإضافة إلى ذلك، توجّه أسطول رمزي من شواطىء طرابلس نحو المياه الاقتصادية الإسرائيلية، كنوع من التحدي وسط البحر، بالإضافة إلى تكثيف انتشار قوات حزب الله على طول الحدود ووضع نقاط مراقبة إضافية، والقيام باستفزازات حيال الجنود الإسرائيليين بالقرب من السياج الحدودي، واحتجاج رمزي للسياسيين اللبنانيين الذين جالوا على طول السياج ورشقوا الحجارة على الأراضي الإسرائيلية. كما نقل حزب الله رسائل تهديدية عبر قنوات دبلوماسية.
  • هناك عدد من الشروط التي أثّرت في إدارة المفاوضات من جانب إسرائيل وحزب الله، وساهمت في الضغط الذي دفع إسرائيل ولبنان إلى التوصل إلى اتفاق، خدمةً لمصالحهما، ولتقليص خطر التدهور إلى مواجهة. لدى الطرفين، كان هناك ساعة سياسية تدق- في إسرائيل انتخابات الكنيست، وفي لبنان انتهاء عهد رئيس الجمهورية. علاوةً على ذلك، الموعد الذي حددته إسرائيل للبدء بالتنقيب في حقل "كاريش" شجع حزب الله على التهديد بأنه سيعرقل الخطة. بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي، كان هناك أهمية واضحة للضغط الذي مارسته الإدارة الأميركية للتوصل إلى اتفاق، وذلك على خلفية أزمة الطاقة العالمية والإدراك أن اتفاقاً كهذا، من شأنه أن يجعل لبنان شريكاً في استخراج الغاز، وسيمنح المنطقة استقراراً استراتيجياً، ويقدم إلى لبنان أفقاً اقتصادياً، وسيجعل من الصعب على حزب الله القيام بخطوات ضد استخراج الغاز الإسرائيلي، في ضوء الثمن الذي سيدفعه لبنان وحزب الله.
  • خاض حزب الله معركته من خلال السير حتى النهاية، لأن تقدير نصر الله كان أن إسرائيل ليست معنية بالتصعيد، بل بالتوصل إلى اتفاق، فأعلن أنه مستعد للمخاطرة بمواجهة عسكرية. وفعلاً، أطلق الحزب مسيّرات غير محملة بالذخيرة، وصعّد لهجته الخطابية والكلامية، ووجّه إنذاراً، وهدد بأنه سيصعّد نشاطه العسكري، على الرغم من امتناعه من تنفيذ تهديداته. إلى جانب التهديد، كرر نصر الله تشديده على تفضيل الحل، بواسطة المفاوضات، على الحرب، وأصرّ على الإشارة إلى أنه سيحترم أيّ اتفاق مستقبلي تقرره الحكومة اللبنانية، وبهذه الطريقة، احتاط من المخاطر، وضمِن أن يكون له الفضل إذا جرى التوصل إلى اتفاق.
  • من وجهة نظر حزب الله، ما جرى هو "انتصار بالتهديد بالحرب، وليس بخوض الحرب". لقد أدار استراتيجيته كحرب على الوعي مدعومة بتهديدات وبخطوات عسكرية، وتجلّت بصورة واضحة في خطابات نصر الله في 27 و29 تشرين الأول/أكتوبر. ووفقاً له، الانتصار الكبير هو" للدولة والشعب والمقاومة". والمعركة التي خاضها حزبه، الغرض منها الدفاع عن حقوق لبنان والتهديدات باستخدام السلاح والمقاومة لردع إسرائيل عن استخدام القوة ضد لبنان، انتهت باتفاق من دون أن يلتزم لبنان بالتطبيع مع إسرائيل.
  • النجاح الأساسي لحزب الله هو، تحديداً، حيال الرأي العام اللبناني، فقد عزّز الحزب وطنيته اللبنانية وبأنه درع لبنان، وأنه بواسطة قوته العسكرية يساعد في تحقيق المصالح اللبنانية، وأنه ينتهج نهجاً مسؤولاً. ولقاء ذلك شكره الرئيس اللبناني ميشال عون على مساهمته في إنجاح المفاوضات. في المقابل، نجح الحزب، ظاهرياً، في المحافظة على معادلة الردع إزاء إسرائيل - أيضاً في البحر - ووطّدها.
  • في مقابل ذلك، بالنسبة إلى إسرائيل، فقد جرت المحافظة على الردع المتبادل، وتهديدات حزب الله لم تتحقق، ولم تنشأ مواجهة عسكرية، ولم تحصل خسائر في الأرواح، أو أضرار في البنى التحتية. الأرباح الاقتصادية المستقبلية، وتراجُع خطر التصعيد وإمكانية نشوء بيئة أمنية هادئة حول استخراج الغاز، وزرع بذور التفاهمات السياسية والأمنية إزاء لبنان مستقبلاً، كل ذلك استقبله الجمهور الإسرائيلي بإيجابية.
  • مع ذلك، الخطوات الإسرائيلية العلنية على صعيد الوعي كانت قليلة، ولم تجرِ الاستفادة منها. مثلاً، إمكانية تشويه صورة حزب الله في لبنان وخارجه، من خلال التشديد على أنه الطرف الذي يدعو إلى الحرب، ويمكن أن يتسبب بحلول كارثة في لبنان، المنهار أصلاً. بالإضافة إلى ذلك، كان يمكن إظهار الدور السلبي لحزب الله الذي يمنع وصول مساعدة اقتصادية دولية إلى لبنان. اكتفت إسرائيل بتحذيرات وزير الدفاع بني غانتس وقائد المنطقة الشمالية المستقيل أمير برعام ضد حزب الله من مغبة التسبب بحرب، وبجولة مغطاة إعلامياً لرئيس الحكومة يائير لبيد فوق منصة "كاريش".
  • من المحتمل أن الرد الإسرائيلي، المحسوب اللهجة، على تهديدات حزب الله، كان جزءاً من استراتيجيا إعلامية مقصودة، هدفها تعزيز إمكانات التوصل إلى اتفاق، وإلى إنجاز اقتصادي - استراتيجي، في نظر إسرائيل - حتى لو كان الثمن تقديم حزب الله الاتفاق كإنجاز له. وفعلاً، فقد سمح هذا التوجه لحزب الله بإظهار نجاحه في المعركة على الوعي التي خلقت لدى أطراف كثيرة في لبنان، ومن مؤيدي "محور الممانعة" الإقليمي، وحتى في إسرائيل، شعوراً بأن الحزب خرج من الأزمة وكفّته راجحة.
  • وفعلاً، يوجد في إسرائيل سياسيون وغيرهم ممن يتبنون وجهة النظر هذه التي قدمها حزب الله، والتي تقول إن "فرض" الاتفاق على إسرائيل هو إنجاز للحزب. وبحسب المنتقدين، من المحتمل أن تكون إسرائيل حققت نقاطاً مهمة في المعركة الحالية في مواجهة حزب الله، وأيضاً على الصعيد الإقليمي الواسع، لكنها يمكن أن تدفع ثمناً في المدى البعيد، لأن الحزب قد يستنتج أن تهديداته هي التي دفعت إسرائيل إلى الاتفاق، وبناءً على ذلك، فإن التهديدات والضغوط يمكنها أن تؤثر في إسرائيل مستقبلاً. ووفقاً لهذه النظرة، فإن إسرائيل خاطرت، لأنه بعد شعور حزب الله بالانتصار، يمكن أن يطوّر شعوراً كاذباً بفائض من القوة حيال ما يفسره بأنه ضعف إسرائيلي، الأمر الذي سيشجعه على العودة إلى التصعيد واستفزاز إسرائيل، والانزلاق إلى منحدر زلق، نهايته مواجهة عنيفة.
  • مع نهاية الأزمة الحالية، التحدي الذي تواجهه إسرائيل هو كيف تمنع حزب الله من تفسير ما يعتبره ويقدمه نجاحاً للمعركة التي خاضها بأنه خضوع وضعف من جانب إسرائيل، وأنه فرض عليها سياسة مضبوطة ومحسوبة في مواجهة تهديداته. ومن أجل الوضوح الاستراتيجي، يتعين على إسرائيل جعل نصر الله يفهم أنها فضّلت نجاحاً سياسياً واقتصادياً على ردّ عسكري- حتى لو بثمن تكتيكي، منح حزب الله إنجازاً جزئياً على صعيد الوعي.
  • إلى جانب ذلك، فإن التحدي الذي ينتظر إسرائيل ربما في المستقبل القريب، هو التأكد من المحافظة على مكوّن الردع في مواجهة حزب الله، في ضوء الاستفزازات والاحتكاكات المتوقعة به بشأن القضايا الحدودية التي ما زالت موضع خلاف.

 

 

المزيد ضمن العدد