افهموا؛ الأغلبية الإسرائيلية ضاقت ذرعاً بالديمقراطية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الآن، بدأت مرحلة الأعذار وتبادُل الاتهامات، وهي كثيرة. زعيمة حزب العمل ميراف ميخائيلي رفضت أن تتوحد مع حركة ميرتس. بني غانتس من "المعسكر الرسمي"، نظر إلى نفسه وفكر في أنه يستطيع أن يكون رئيساً للحكومة - بدلاً من أن يبتلع كبرياءه ويخفف من أنانيته ويعود إلى حزب "يوجد مستقبل".
- غادي أيزنكوت أخطاً عندما انضم إلى غانتس، بدلاً من يائير لبيد. لبيد شفط الأصوات من حزب العمل، ومن ميرتس. الحملات الانتخابية لأحزاب الوسط واليسار كانت رمادية، تفتقر إلى الحيوية أو الإبداع. العرب يئسوا من الديمقراطية الإسرائيلية ولم يتدفقوا إلى صناديق الاقتراع. ورفض رجال الأعمال العرب أن يتوحدوا في قائمة واحدة وفضّلوا الانفصال، وفي حداش وتعل وبلد لم يكونوا قادرين على التوصل إلى اتفاق لتبادل الفائض في الأصوات.
- نتنياهو عاد إلى استخدام عنصر التحريض والشرذمة والفصل بين اليهود والإسرائيليين كما كتب ألوف بن في "هآرتس" أمس. إيتمار بن غفير يرتدي زيّ دبّ لطيف. صحيفة "يديعوت أحرونوت" تجندت إلى جانب نتنياهو لإلغاء محاكمته وإنقاذ ناشرها أرنون موزيس. في الأيام الأخيرة، نشرت الصحيفة عدة عناوين من نوع "إسرائيل أوقفت هجماتها في سورية بسبب اتفاق الغاز مع لبنان"، وقبل يوم من الانتخابات، كان عنوانها الأول "ذروة في عدد الهجمات والقتلى منذ سنة 2015"، هذه العناوين أظهرت ضُعف لبيد وحكومته.
- كل هذا صحيح، لكنه مجرد ذرائع، أو لمزيد من الدقة، تفسيرات آنية. لكن الجداول لا تكذب.
- نتنياهو - بن غفير - سموتريتش والحزبان الحريديان سيحصلان في انتخابات الكنيست الـ25 على 52 % وحتى 53% من المقاعد. الأحزاب العربية على 8%، وكتلة التغيير على أقل من 40%.
- وإذا أخذنا في الاعتبار وجود تمثيل قوي - من خلال جدعون ساعر ومتان كهانا وأفيغدور ليبرمان – لليمين التقليدي البيغيني [نسبةً إلى زعيم الليكود السابق مناحيم بيغن]، يحترم القانون، لكنه أيضاً يمين اقتصادي يؤيد الخصخصة والاقتصاد الحر، فإن تمثيل اليسار والوسط التقليديَين يصبح أقل ولا يتعدى 30% من مجموع الناخبين والجمهور عموماً.
- باختصار، اليسار والوسط هما فئة تحتضر في المجتمع الإسرائيلي. وهذا ليس فقط مسألة أرقام ومقاعد في نتائج الانتخابات، بل المقصود شيء أعمق بكثير، بدأ من خلال مسار غيّر وجه المجتمع الإسرائيلي، وهو مستمر منذ أعوام. ومن أوجه هذا التغيير القومية المتطرفة، والعنصرية، وكراهية الآخر، والمسيانية، والحنين إلى زعيم متسلط ديني، استقوائي عسكري، مؤيد للاحتلال، يستخف بالقانون ويكره القيم الليبرالية الغربية.
- منذ سنة 1992، يخوض اليسار - الوسط وكلّ مَن يمثلهما حرباً شاملة. في سنة 1992 نجح رابين في قطع الطريق على تواصُل نجاحات اليمين، وبعده فعل ذلك إيهود باراك في سنة 1999، وقبل عام ونصف العام، يائير لبيد (بمساعدة نفتالي بينت). لكن حُكم هؤلاء الثلاثة، (مع بينت) الأربعة، كان فترة توقُّف قصيرة استمرت قرابة أقل من 5 أعوام، وهو ما يعني نحو 16% من الأعوام الثلاثين الأخيرة. هذه هي الحقيقة، ويجب علينا أن ننظر إليها كما هي، لأنها لن تتغير.
- الصحوة يمكن أن تحدث فقط إذا تأثر الشعب في إسرائيل بكارثة كبيرة خارجية، تؤدي إلى إصابته بعوارض قوية، مثل حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973]. وأنا لا أتمنى ذلك.
- على الرغم من الثقافة الماركسية التي تلقيتها في شبابي، ودراستي لتاريخ البلشفية ولينين، فإنني لست من أنصار وجهة النظر القائلة: كلما كان أسوأ، كلما كان أفضل. علاوةً على ذلك، سيناريو الكارثة ليس في صناديق الاقتراع.
- إسرائيل دولة قوية إلى حد أن لا إيران، ولا حزب الله، ولا "حماس"، ولا الثورة في الضفة الغربية، تقدر على إحلال مثل هذه الكارثة بإسرائيل. كلٌّ من هؤلاء مصدر إزعاج، لكنه لا يشكل تهديداً لوجود إسرائيل.
- أيضاً الاعتقاد، أو الأمل، بأن رئيس الولايات المتحدة، أو دول الاتحاد الأوروبي، سيضغطون على الحكومة الإسرائيلية لتغيير عاداتها، هو مجرد وهم.
- الآية التي تقول: " شعب يسكن وحده ولا يهتم بالأغراب" هي صحيحة الآن أكثر من أي وقت مضى. لكن ليس بمعنى أنه ليس هناك مفر سوى الاتكال على النفس، بل بمعنى أنه يوجد خيار وهو: ما يريده الشعب. الشعب يريد الانغلاق، وأن يدير ظهره للعالم الغربي والقيم الديمقراطية، ويريد قمع العرب أكثر فأكثر وضم المناطق.
- في تشرين الثاني/نوفمبر 1995، اغتال متطرف ديني يهودي قومي رئيس الحكومة يتسحاق رابين وعملية السلام. في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أغلبية الشعب ضاقت ذرعاً بالديمقراطية الإسرائيلية القائمة منذ 75 عاماً.