الاتفاق مع لبنان يحسّن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، لكنه يزيد شهية نصر الله
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • الاتفاق مع لبنان يثير نقاشاً إعلامياً واسع النطاق، يشكل جزءاً من الحملة الانتخابية لكل الأطراف، ويثير جدلاً عاماً وسط الرأي العام بين مؤيد ومعارض. وبعد أن تحول الموضوع إلى قضية سياسية، من المستحسن أن نحللها بطريقة موضوعية من خلال فحص ثلاثة أبعاد: الجانب الأمني المحدود، أي زاوية الدفاع عن حدود الدولة؛ ومن زاوية توازُن الردع في مواجهة حزب الله؛ ومن الناحية الجيو استراتيجية، في ضوء التغيرات العالمية الكبيرة في الساحة الدولية.
  • المياه الإقليمية: المقصود منطقة يبلغ عمقها 12 ميلاً بحرياً (قرابة 20 كلم)، ولا يوجد هنا خط حدود متفق عليه مع لبنان. بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في سنة 2000، اعتمد سلاح البحر في أمنه الجاري على خط الطفافات الذي حددته إسرائيل بصورة تعسفية. يبلغ عمق هذا الخط نحو 5 كلم، وهو مهم للدفاع عن رأس الناقورة والهضاب ضد تسلُّل "مخربين"/غواصين.
  • خلاصة وتقدير: يبدو أن إسرائيل لم تتنازل في هذا الجزء وكل الحاجات الأمنية لسلاح البحرية قد تحققت بالكامل. على الرغم من أن المقصود مسألة تكتيكية، وأن الرد على التهديد في سنة 2000 يختلف عن الرد على التهديد الحالي، من الجيد أنه لم يحدث تنازُل. هناك أهمية لوجود سفن سلاح البحر ومشاهدتها على خط الطفافات. وهذا مهم لشعور سكان الساحل في الشمال بالأمن، ومهم كردع في مواجهة حزب الله.
  • وماذا بشأن الـ 15 كلم غربي خط الطفافات؟ وفق الاتفاق، يبدو أن إسرائيل تنازلت وانسحبت إلى الخط 23 (الخط الذي قدمه لبنان).
  • تحليل تقدير: التهديدات لإسرائيل في عمق هذه المنطقة لا تعالَج من خلال الوجود المادي على خط الحدود، وفي عمق البحر يعتمد الدفاع على كشف التهديدات من على بُعد مسافة كبيرة من حدود إسرائيل. القدرات القتالية، سواء الإلكترونية منها، أو المغناطيسية، أو الحركية، ليست بحاجة إلى هذه المنطقة لأغراض دفاعية. ويمكن القول، بقدر كبير من الثقة، إن القدرة على الدفاع لم تتضرر بعد التنازل المذكور أعلاه.
  • المياه الاقتصادية - ليس هناك اتفاق على المياه الاقتصادية بين إسرائيل ولبنان. والاتفاق الأخير هو بالفعل اتفاق اقتصادي متبادل، مثل الاتفاق الذي وقّعته إسرائيل مع قبرص في الماضي. (أنا واثق من أن القارىء لا يتذكر متى وُقِّع، اتفاقات تجارية دولية توقَّع على الدوام، قلائل يعرفون مضمونها - فهذا يهم بالأساس أصحاب الشأن الاقتصادي. الإطار الأمني للاتفاق الأخير هو الذي خلق هذا الاهتمام الإعلامي). ووفقاً للاتفاق، يبدو أن إسرائيل تنازلت، وتبنّت الخط 23 اللبناني.
  • تحليل وتقدير: من ناحية الدفاع عن المياه الإقليمية، ليس لهذا التنازل أي أهمية. سلاح البحر سيدافع عن منصة كاريش بالمستوى عينه من النجاعة، سواء على الخط 23، أو على أي خط يقع شماله.
  • من المحتمل أن يبدو التنازل الإسرائيلي كخضوع في مواجهة تهديد نصر الله. معنى ذلك المزيد من التآكل في ميزان الردع في مواجهة حزب الله. ويمكن أن يؤدي هذا التآكل إلى تعزيز ثقة نصر الله بنفسه بصورة مبالغاً فيها وغير حقيقية. هذا الوضع هو أقل استقراراً، ويمكن أن يؤدي، مستقبلاً، إلى سوء إدارة للمخاطر من جانب نصر الله بصورة تزعزع الأمن على الحدود الشمالية.
  • يقدم نصر الله الاتفاق إلى اللبنانيين كإنجاز تحقق بفضل "سلاح المقاومة". وهذا هو رده على منتقديه الذين شككوا في الحاجة إلى الاستمرار في الاحتفاظ بسلاحه، واعترضوا على أن يكون تنظيم شيعي مسلح هو القوة المسيطرة على لبنان المحطم.
  • يجب ألا نستنتج من ذلك أن هذا التآكل في الردع سيشجع نصر الله على الهجوم. هو يدرك التفوق المطلق للجيش الإسرائيلي، ومن المحتمل أنه لا يزال يتذكر المكون غير المتوقع لرد الجيش الإسرائيلي كما تجلى في حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، التغير المركزي الذي طرأ منذ ذلك الحين هو حديث إسرائيل عن أيام قتال. هذه النظرة قد تشجع نصر الله على التقدير أن ليس كل مواجهة مع إسرائيل معناها حرب لبنان ثالثة. بناءً على ذلك، فإن التقدير السائد هو أن نشوب حرب واسعة النطاق تتسبب بكارثة على لبنان هو أمر ضد المصلحة اللبنانية والإيرانية في الوقت الحالي، لكن نصر الله قد يتجرأ على المجازفة بمواجهة محدودة مع إسرائيل. مواجهة قد تتصاعد وتتحول إلى حرب شاملة بسبب دينامية التصعيد.
  • هناك موضوع آخر له أهمية استراتيجية هو العلاقة السياسية مع لبنان. الاتفاق هو فعلياً اعتراف من لبنان بدولة إسرائيل. صحيح أن المقصود ليس تطبيعاً، لكنه من دون شك خطوة في الاتجاه الصحيح.
  • بحسب الاتفاق، لبنان وإسرائيل رابحان، لأنهما سيقدران على استخراج الغاز من مياههما الاقتصادية. لبنان بحاجة إلى الغاز أكثر من إسرائيل، وربما هذا هو المكون الوحيد الذي يمكنه أن يخفف قليلاً من الوضع الاقتصادي الخطِر.
  • حالياً، للغاز أهمية جيو استراتيجية. الدليل على ذلك حصلنا عليه من روسيا التي أوقفت تصدير الغاز إلى أوروبا. هذه الاضطرابات العالمية تؤدي إلى زعزعة الأمن العالمي. دول عديدة تعود إلى السيطرة على حدودها في مواجهة موجات الهجرة. هذه الدول عادت إلى الاستثمار في الإنتاج المحلي لموارد حيوية بالنسبة إلى اقتصادها الوطني. ونحن ننتقل إلى اقتصاد عالمي لا مركزي، وبالتالي، فإن تحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي يأتي على حساب النجاعة الاقتصادية للعولمة. في ضوء هذا كله، أن يكون للبنان قدرة مستقلة على إنتاج الغاز، من شأنه أن يزيد في قوته. وبالأساس تمنع إيران من فرض رعايتها على سوق الطاقة في لبنان واستكمال سيطرتها العملية على هذا البلد.
  • بصورة عامة، المقصود اتفاق جيد ومهم. وهو يحسّن وضع إسرائيل الاقتصادي، ولا يضر بالدفاع عن الحدود الشمالية. من ناحية استراتيجية واسعة، أهمية الاتفاق تظهر على خلفية الواقع العالمي والصراع على نظام عالمي جديد. صحيح أن إسرائيل تنازلت، لكنها فعلت ذلك إزاء الولايات المتحدة. حالياً، هذه تنازلات، لكنها حل لأزمة الطاقة في لبنان وتشكل ضرورة سياسية لا بد منها، في ظل السياق العالمي المضطرب.
  • في الختام، ملاحظة تحذيرية: الاتفاق يعزز مكانة حزب الله في لبنان ويشجع ثقته بنفسه. يجب ألا ننسى أن مثل هذه الظواهر ليست جديدة، وهي تتأثر أيضاً بسياسة استخدام إسرائيل للقوة في لبنان (الامتناع من التحرك العلني)، وبالتأييد الإيراني لحزب الله. هذا التأييد الذي يعزز قوة حزب الله، مقارنةً بسائر الطوائف الآخذة في الضعف في لبنان المنقسم والهش والمنهار. استمرار هذا الوضع في المدى البعيد يزيد في حجم التحدي من أجل المحافظة على الأمن والاستقرار على الحدود الشمالية.