الخوف مرافق ثابت للحياة تحت الاحتلال
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • كُتب على موقع الجبهة الداخلية أن الهزة الأرضية وحالة الطوارئ الناجمة عن سقوط قذائف وصواريخ، من الممكن أن تؤدي إلى حالة هلع، واغماء، وحتى توقُّف القلب. بما معناه، حتى من دون الإصابة الجسدية، فإن الخوف والرعب لهما عوارض جسدية واضحة.
  • وعلى الرغم من هذا، فإن وجهة نظر الجيش تقول إنه لا علاقة بين موت الطفل ريان سليمان، ابن الثمانية أعوام، بسبب توقُّف قلبه، وبين الجنود المدججين بالسلاح الذين اقتحموا منزله في بلدة تكواع. وجاء في خلاصة تقرير الجيش أنه "لا دليل على أن ريان سقط أو تعرض إلى ضرر جسدي بسبب نشاط القوات." وبحسب الجيش، فإن الإصابة الجسدية فقط هي التي لها علاقة بموت الفلسطينيين. وبحسب الإسرائيليين، لا علاقة بين القدرات غير المحدودة والمؤكدة للجنود ببث الرعب - وبين الخوف الذي يشعر به طفل فلسطيني عندما يراهم.
  • الخوف هو المرافق الدائم، الطبيعي، في الحياة تحت الاحتلال العسكري والاستيطاني. لكن توجد حالات يكون فيها التخويف عن قصد، ويتم عبر إطلاق النار. مثلاً، في التظاهرة التي خرجت من نابلس في 28 أيلول/ سبتمبر. لو خرجت هذه التظاهرة في بيلاروسيا أو إيران، لقال عنها الإعلام الأميركي أو الإسرائيلي إنها عمل بطولي. المصور نضال اشتية كان أول مَن وصل إلى المكان وبدأ بالتصوير (للصراحة: يصور أحياناً لي لـ"هآرتس"). اشتية حافظ على مسافة بعيدة عشرات الأمتار عن الجنود والمتظاهرين الذين أشعلوا الإطارات وقاموا برمي الحجارة. كما كان يلبس خوذة وغطاء وجه يحميه من الغاز، بالإضافة إلى سترة كُتب عليها "PRESS". جندي صوّب بندقيته وأصابه بقنبلة غاز في قدمه. لا تقولوا لي إن هذا لم يكن مقصوداً.
  • في الوقت ذاته، وصل مصوران ووقفا على مسافة من المتظاهرين الذين انسحبوا بسبب الغاز المسيل للدموع. وعلى الرغم من الألم والإصابة، فإن اشتية قام بتصوير ما حدث (تبين لاحقاً أنه يعاني جرّاء كسر في العظم). اقترب الجنود من المصورين، أحد الجنود دفع أحدهم، فابتعد، ثم قام جندي آخر برمي قنبلة غاز مسيل للدموع عليهما. لدقائق طويلة، لم يستطيعا الحركة بفعل الغاز المسيل للدموع الخانق. لا تقولوا إن الجنود لا يعرفون أن الحديث يدور عن مصورين (الناطق باسم الجيش: لم نسمع عن ادعاء يفيد بإصابة مصورين كانوا في المنطقة).
  • شهد اشتية على ما هو أسوأ. في أيار/مايو 2015، عندما كان يصور مسيرة في ذكرى النكبة شمالي حاجز حوارة، قام جندي بإطلاق رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط على امرأة كانت تشارك في المسيرة وأصابها في يدها وبطنها (لم يكن هناك إلقاء حجارة، حينها). بعدها قام بإطلاق النار على رأس اشتية، وأصابه في عينه اليسرى، ففقد الرؤية فيها منذ ذلك الوقت. وعلى الرغم من أن الجنود يرون في المصورين أهدافاً، وعلى الرغم من الخوف من إصابته مرة أُخرى، فإنه استمر في عمله.
  • كان يُفترض أن تُختَتم هذه المقالة بالتساؤل عن إطلاق الغاز المسيل للدموع - هل هو لعب جنود؟ أم أوامر غير رسمية لردع المصورين الفلسطينيين؟ - بالإضافة إلى الحديث عن شجاعة الفلسطينيين المثيرة للإعجاب. ولكن ها هنا، جاء يوم السبت 8 تشرين الأول/أكتوبر، والجيش اقتحم جنين مرة أُخرى، وعلى الرغم من الألم في ساقه، فإن اشتية وقف إلى جانب ثلاثة مصورين آخرين في غرفة صغيرة على سطح مبنى سكني في أطراف المخيم.
  • زميله وقف خلف الكاميرا إلى جانب الشباك. في الشارع، كان هناك بعض المركبات العسكرية. وبشكل مفاجئ، دفع اشتية وأسقطه أرضاً وهو يصرخ: يطلقون النار علينا. رمى نفسه على زميليه الآخريْن، وفي الوقت الذي كانوا جميعاً على الأرض، أصابت 4 رصاصات عدسة الكاميرا. دقة الجيش، أم دقة الوحدات الخاصة؟ خوذة اشتية سقطت وتدحرجت على السطح. زحف للوصول إليها، أحد الزملاء زحف إلى جانبه. إطلاق النار تجدّد. قناص، أو قناصة، أطلقوا النار باتجاههما مرتين على الأقل، عدة طلقات في كل مرة. رصاصة واحدة أصابت أرضية السقف إلى جانب اشتية. لم يتحركا بعدها، وبعد كل إطلاق نار، كان الواحد منهما يسأل الآخر ما إذا كان قد أصيب. طلبوا المساعدة عبر الهاتف، تم بث طلب المساعدة عبر الإذاعات الفلسطينية. نصف ساعة من الرعب المستمر، إلى أن انسحبت قوات الجيش من هناك. المصورون مقتنعون بأن الهدف كان قتْلهم.
  • السلطة عندنا لا تستطيع البقاء من دون بثّ الرعب. لكن اشتية، كزملائه، سيستمر في المخاطرة والعمل، لأنه "يوجد لديّ أبناء في الجامعة."
  • الناطقان الرسميان باسم الجيش وباسم الشرطة ردّا بالقول إن "الادعاءات بشأن إطلاق النار على الصحافيين في المنطقة لم تصلنا. الجنود يعملون بحسب التعليمات والحاجة العملياتية، ولا يطلقون النار باتجاه من لا دَخْل لهم، ومنهم الصحافيون... الحديث يدور عن عملية في مخيم جنين، حيث جرى تبادُل لإطلاق النار بين قوات الجيش ومسلحين فلسطينيين، وتم إطلاق النار بكثافة على القوات من عدة جهات. وجود مواطنين لا دَخْل لهم في مناطق القتال يشكل خطورة على حياتهم."