استخدام روسيا مسيّرات إيرانية في أوكرانيا يفرض على إسرائيل إعادة النظر في موقفها
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- ظهور المسيّرات الإيرانية في سماء أوكرانيا، يجب أن يؤدي إلى تغيير سياسة إسرائيل المتهاونة حيال الحرب بين روسيا وأوكرانيا. في الأول من أمس، عُرضت مشاهد لحطام مسيّرة إيرانية كان يستخدمها الجيش الروسي واعترضها الجنود الأوكرانيون بالقرب من مدينة كوبيانسك. والظاهر أنها كانت طائرة صغيرة عبارة عن "ذخيرة طائرة"، الغرض منها التحطم فوق موقع الخصم، لكن جرى إسقاطها قبل تفجيرها.
- استخدام المسيّرات كشف أكاذيب روسية وإيرانية. قبل أسبوعين، ذكرت مصادر استخباراتية أميركية أن الجيش الروسي وقّع صفقة شراء، أو استئجار، طائرات من دون طيار من إيران. الطرفان كذّبا الخبر، لكن ليس من المستغرب أن يكذّب نظامان قمعيان، فالكذب هو جزء من كيانهما.
- نتخيل الشعور بالخزي الذي يسيطر على روسيا التي كانت تتباهى بكونها قوة عسكرية كبرى، عندما تجد نفسها بحاجة إلى خدمات إيران التي نجحت، على الرغم من فساد النظام، في تطوير قدرة عسكرية وتكنولوجية، بينها مسيّرات. لكن جزءاً لا يستهان به من هذه المسيّرات جرى تطويره بأسلوب "هندسة عكسية" [اكتشاف المبادىء التقنية وإعادة تصنيعها] لمسيّرات أميركية وإسرائيلية جرى إسقاطها، أو استطاعت إيران الحصول على المعلومات التكنولوجية الخاصة بها.
- لكن حصول روسيا على مسيّرات إيرانية يدل، قبل أي شيء آخر، على توطُّد التعاون العسكري بين الدولتين، مع ازدياد التقارير التي تتحدث عن حركة متصاعدة لخبراء استخباراتيين وعسكريين يأتون من روسيا إلى طهران للتشاور وتنسيق الخطوات، وعن استضافة موسكو نظراءهم الإيرانيين. ولأن مبدأ التبادل في هذه الصفقات هو حجر الأساس، تريد إيران أن تشتري من روسيا – والمحادثات في هذا الشأن تدور منذ وقت - طائرات حربية وبطاريات دفاع جوي من طراز أس –
- والتعاون ليس عسكرياً فقط، بل يتمدد إلى المجال الاقتصادي والتجاري والدبلوماسي والنووي. وأكثر فأكثر، تستعين الشركات والاتحادات التجارية ورجال الأعمال من روسيا بإيران، للتعلم منها كيفية الالتفاف على العقوبات. يجب أن نضيف إلى ذلك، الموقف التقليدي لروسيا، الذي يؤيد تقريباً كل خطوة إيرانية تتعلق ببرنامجها النووي، وعدم إدانته انتهاكات إيران. والخلاصة التي يمكن التوصل إليها، هي أن روسيا تقيم حلفاً استراتيجياً مع إيران، وهذا يجب أن يُقلق إسرائيل.
- منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، انتهجت حكومة نفتالي بينت سياسة حذرة كانت على نقيض كامل مع سياسة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والدول الديمقراطية الغربية الأُخرى، التي تتباهى إسرائيل بالانتماء إليها. لم يتردد الغرب في إدانة بوتين وفرض عقوبات قاسية عليه. بينما ذهب بينت إلى موسكو وتوسّل إلى بوتين بالتوسط في النزاع، ومن دون أن يدرك أنه في النهاية كان أداة في يد الزعيم الروسي.
- وكانت النتيجة تردُّد إسرائيل إلى أن استطاعت إدانة روسيا، بفضل تأثير وزير الخارجية يائير لبيد. لكنها رفضت لأسابيع طويلة تقديم أي نوع من المساعدة إلى أوكرانيا، حتى ولو كانت إنسانية، بتأثير من الأيديولوجيا اليمينية للوزيرة أيلييت شاكيد، ووضعت عقبات في وجه اللاجئين من أوكرانيا.
- لاحقاً، وتحت ضغط الرأي العام الإسرائيلي، وبسبب تلميحات كثيفة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قررت إسرائيل إرسال مساعدات إنسانية، أبرزها إقامة مستشفى ميداني بالقرب من الحدود مع بولندة. بعدها تراجع بينت وبني غانتس وقررا ما اقترحه آخرون منذ الأسبوع الأول للحرب، إرسال عتاد دفاعي لحماية الطواقم الإنسانية. فقدمت إسرائيل لأوكرانيا سترات واقية وخوذاً.
- لم تتغير هذه السياسة بعد دخول لبيد إلى مكتب رئاسة الحكومة. التفسير الإسرائيلي لهذا الموقف، المتفرج المخجل، مزودج: الخوف من بوتين الذي قد ينتقم من إسرائيل ويقيد حركة سلاح جوّها في سورية، والخوف على الجالية اليهودية في روسيا.
- لكن هذه ليست سوى ذرائع. روسيا ضعيفة، واهتمامها منصبّ على الحرب، وليس على مغامرات ومواجهات مع إسرئيل في سورية. فقد قلصت روسيا عديد جنودها في سورية، ونقلت إحدى بطاريات أس-300 من سورية إلى الجبهة الأوكرانية. احتمالات أن يفرض بوتين قيوداً على نشاط اليهود في روسيا، أو يمنع خروجهم منها، ليست كبيرة. علاوة على ذلك، التساهل مع بوتين الذي يفهم لغة القوة، لا ينفع إسرائيل، كما رأينا في المحاولة الروسية فرض قيود على عمل الوكالة اليهودية.
- آن الأوان كي تعيد إسرائيل التفكير في خطواتها حيال أوكرانيا وروسيا. ولن يؤذيها لو وسّعت مساعداتها العسكرية الدفاعية (وليس الهجومية) لجيش فولوديمير زيلينسكي الذي عاد إلى المطالبة بذلك. في استطاعة إسرائيل أيضاً السماح للدول المجاورة لأوكرانيا، مثل دول البلطيق ورومانيا التي تشارك في تسليح أوكرانيا، بإعطائها السلاح الإسرائيلي الذي اشترته من أجل جيوشها.
- في المدى البعيد، تدرك إسرائيل أن أوكرانيا، ونظراً إلى أهمية سوقها الكبيرة، والتي توشك على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولاحقاً إلى الناتو، هي المستقبل. وروسيا بوتين هي الماضي. يتعين على إسرائيل أن تكون مع الغرب، ومع الطرف المحقّ، عليها أن تكون مع أوكرانيا.