نتائج عملية إطلاق النار في الضفة لا تتعلق بقواعد فتح النار؛ إنما باعتبارات الضباط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • العملية التي حدثت صباح أمس (الأربعاء) شمالي جنين - كانت نتيجتها مقتل ضابط من لواء "ناحال" خلال اشتباك من مسافة قصيرة مع مسلحيْن فلسطينيَيْن "قُتلا" هما أيضاً- وهي ليست النهاية التي يستطيع الجيش التعايش معها. القتيل، الضابط بار فيلح، كان نائب قائد الكتيبة الجوالة التابعة للواء "ناحال". هذه الوحدة نوعية ومدربة. قائد منطقة، هو مَن قاد القوات التي كانت موجودة حول حاجز "الجلمة". وكانت تحت تصرّفه أدوات مراقبة، وقوات برية، وقناصة، ومسيّرة، وقنابل ضوئية - جميع الأدوات اللازمة للتعامل مع فلسطينييْن اثنين، شوهدا وهما يقتربان من الحاجز قبل ساعات من الاشتباك. وعلى الرغم من ذلك، فإن تبادُل إطلاق النار القصير انتهى بموت الضابط فلاح، وهو الضابط الأعلى رتبةً الذي قُتل خلال عملية عسكرية في الأعوام الأربعة السابقة.
  • وكأحداث كثيرة في الماضي، وتحديداً على حدود لبنان قبل الانسحاب من حزام الأمان في سنة 2000، وفي الأعوام الماضية على حدود قطاع غزة، يبدو أن القرارات التكتيكية التي تم اتخاذها في الميدان هي سبب النتيجة الصعبة. المسلحان الفلسطينيان كانا يختبئان بطريقة صعّبت الوصول إليهما عن بُعد. قادة القوة المرافقة وقائد المنطقة ونائبه اقتربوا مشياً، واكتشفوا أنهم مكشوفون لإطلاق النار عن قُرب. وفي التحقيق العسكري الذي سيتم إجراؤه في قيادة المركز، من المؤكد أنهم سيفحصون الاعتبارات: هل كان هناك طريقة أُخرى للاقتراب من المسلحَيْن، بواسطة مركبة عسكرية مدرعة مثلاً، وبأقل خطورة على المقاتلين؟
  • لا يوجد سبب للتشكيك في شجاعة مَن كانوا هناك. الضباط والجنود شخّصوا الخطر، وسعوا نحو اشتباك عن قُرب مع مسلحيْن بهدف إحباطه. ومنذ اللحظة التي فتح الفلسطينيان النار أولاً، اندفع المقاتلون غير المصابين باتجاههما وقتلوهما.
  • الحدث أعاد طرح موضوع قواعد فتح النار في الضفة من جديد، كما يحدث مؤخراً. مؤسسات وسياسيون من اليمين ادّعوا منذ وقت طويل أن الحكومة والقيادة العسكرية يكبلان أيدي الجنود بتوجيهات تقيدهم، وبذلك تضعهم في حالة خطر. الحساسية العالية داخل المجتمع إزاء مقتل الجنود في الوحدات القتالية يحوّل كل حدث كهذا إلى نقاش محتدم. عملياً، التوجيهات معقدة فعلاً في خط التماس. وبعد موجة العمليات خلال الربيع الأخير، والانتقادات للفتحات في جدار الفصل، قام الجيش بنشر قوات كبيرة على طوله. وتم إطلاق النار عدة مرات على عمال أرادوا المرور، بهدف الحصول على عمل داخل إسرائيل.
  • في يوم الجمعة الماضي، قامت قوة عسكرية بإطلاق النار وإصابة عربي إسرائيلي بإصابات حرجة، بعد أن اقترب من الجدار من داخل إسرائيل، في ظروف أدت إلى الاشتباه فيه. وزير الدفاع بني غانتس نشر، بصورة استثنائية، بياناً تمنى فيه السلامة للمصاب، ووعد بإجراء تحقيق عميق في الحادثة واستخلاص العبر منها. ويمكن الاعتقاد أن الضباط الذين اتخذوا القرارات في الميدان ليلة الأربعاء تذكروا هذا الحادث، وخافوا - لأنهما لم يروا السلاح في يدي الفلسطينييْن- من أن يكونا من العمال الذين يحاولون العبور. فقبل شهر، وفي حادثة أُخرى بالقرب من الجدار في منطقة طولكرم، قام جندي من لواء "كفير" بإطلاق النار وقتل صديقه في الوحدة. ولا يزال النقاش بشأن قواعد إطلاق النار ديماغوجياً وسطحياً، في أغلبيته. هناك عدة أمور يمكن القيام بها بهدف تحسين حماية الجنود في خط التماس. السماح بإطلاق النار من دون رقابة، على طريقة "في البداية يجب إطلاق النار، وبعده فقط يتم طرح الأسئلة"، لا يبدو أنه الحل المناسب.
  • الموضوع الثاني المُقلق هو هوية المسلحين. أحدهما كان ضابطاً في الاستخبارات العسكرية التابعة للسلطة الفلسطينية. أما الثاني فتم تشخصيه كناشط فتحاوي. تدخُّل أعضاء "فتح"، وبصورة خاصة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، في عمليات إطلاق نار على الجنود، تعبّر عن استمرار ضعف سيطرة قيادة السلطة على ما يحدث في الميدان، وخصوصاً في منطقتيْ جنين ونابلس.
  • قبل هذا بيوم، قام فلسطينيون بإطلاق النار على جرافة تقوم بأعمال ترميم في جدار الفصل، ليس بعيداً عن "الجلمة". مطلقو النار الذين نجحوا في الهروب، نشروا فيديو توثيقياً لإطلاق النار على الإنترنت...
  • الحدث القاسي الذي حدث الليلة، استمراراً لحالة التصعيد الواضحة في شمالي الضفة، يعزز الحيرة في إسرائيل بخصوص شن عملية عسكرية واسعة في منطقة جنين خلال الوقت القريب. المؤيدون للعملية يبررونها بعدم فعالية السلطة، وكثرة الأحداث، واستئناف محاولات المسلحين من جنين للقيام بعمليات ضد الجيش خارج المدينة. آخرون يتخوفون من عدم السيطرة على التصعيد، ويذكرون قلة المعلومات الاستخباراتية: لا يوجد لدى "الشاباك" مشتبهاً فيهم "أصحاب وزن" في "عمليات إرهابية". أغلبية أهداف الاعتقالات أناس يشتبكون مع قوات الجيش عندما تدخل إلى المدن ومخيمات اللاجئين. وليس لهم وزن كبير كالذين ينفّذون عمليات ذكية وكبيرة.
  • ولهذا، يجب إضافة القلق الأميركي من حدوث مواجهة في الضفة، من الممكن أن تؤدي إلى إضعاف قيادة السلطة أكثر. كذلك في مصر وقطر والإمارات، فهم قلقون من التصعيد الحالي في الميدان. وعلاوة على ذلك، يخيم الاعتبار السياسي الذي لا يجب تجاهُله. فمن جهة، الحكومة تواجه انتخابات جديدة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، وتتخوف من النظر إليها كحكومة ضعيفة في الساحة الفلسطينية. ومن جهة أُخرى، فإن عملية عسكرية مستمرة لا تنتهي بتفوّق بارز لمصلحة إسرائيل، بل تطيل أمد الاشتباك من دون فائدة من الممكن أن تنعكس سلباً على الحكومة وتحول الوضع الأمني غير المستقر إلى قضية مركزية في الانتخابات.