الاتفاق النووي الآخذ بالتشكل سيفتح سوق النفط أمام إيران، وسيتيح لها إمكان زيادة استخراج الغاز الطبيعي وتسويقه
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يمكن القول إن الاتفاق النووي الإيراني الجديد بدأ بالتشكل. والافتراض السائد لدى طهران وواشنطن هو أنه حتى ولو كان هناك حاجة إلى جولة محادثات أُخرى لاستكمال صيغة المسودة، فإن الطرفين، كما يبدو، وصلا إلى نقطة اللاعودة. وبتنا في مرحلة نهاية السباق هذه نشعر بعصبية وعدم يقين يميز سوق النفط على وجه التحديد. وقبل بضعة أيام، أعلنت السعودية أنها تميل إلى إقناع منظمة "أوبك" بضرورة التوصية بتقليص حصص بيع النفط، ويبدو أن هذا التحذير السعودي استهدف الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن كي لا يوقّع الاتفاق النووي.
- وفي مقابل إسرائيل التي ما زالت تعتقد أن بإمكانها منع الاتفاق، أو على الأقل إدخال بعض تعديلات اللحظة الأخيرة عليه، أصبحت السعودية تسلّم به. وجولات محادثات المصالحة التي أجرتها مع ممثلين إيرانيين رفيعي المستوى في بغداد هذا العام استهدفت استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، والتي تم قطعها سنة 2016، وتنسيق استراتيجية تسويق النفط قبل توقيع الاتفاق. وقد سبقتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي عينت قبل نحو أسبوعين سفيراً لها في إيران، وبذلك خرقت، رسمياً، التحالف العربي المناهض لإيران، الذي لم ينجح في إحداث انعطافة في سياسة إيران.
- ومن المتوقع أن يرفع الاتفاق النووي معظم العقوبات التي فُرضت على إيران في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما قرر الانسحاب منه سنة 2018. وهذا الرفع سيفتح أمام إيران سوق النفط العالمية من جديد، وسيمكّنها من القيام بتجارة دولية وتسلُّم نحو 100 مليار دولار مجمدة في حسابات بنكية في الخارج، وتجنيد استثمارات ضخمة لتطوير آبار النفط وحقول الغاز فيها والبنى التحتية. ومن المعروف أنه حتى في ظل نظام العقوبات، نجحت إيران في تسويق 500 – 800 ألف برميل نفط يومياً، بالأساس إلى الصين، وتوقيع الاتفاق سيمكّنها من مدّ السوق بأكثر من 50 مليون برميل في المرحلة الأولى من الاحتياطي الموجود. ويقدَّر الاحتياطي بـ 60 – 80 مليون برميل (وربما أكثر)، وهو مخزَّن على سفن، وفي مواقع مختلفة في آسيا. بعد ذلك، يُتوقع أن تسوّق إيران نحو 2.5 مليون برميل يومياً، وأن تزيد الإنتاج إلى أكثر من 3.5 مليون برميل يومياً، بعد فترة الترميم وإعادة التأهيل لمنشآتها النفطية.
- بالنسبة إلى السعودية، هذا نذير سوء، فإيران سترغب في إعادة زبائن قدامى إلى حضنها، مثل الهند وكوريا الجنوبية، وحتى منافسة روسيا، وستضطر إلى إعطائها تسهيلات حقيقية، وستضع السعودية ودول الخليج أمام منافسة أسعار قد تضرّ ببرامجها للتطوير والتمويل. إذا كان تحذير السعودية قد تسبب برفع أسعار النفط من جديد إلى مستوى 100 دولار للبرميل تقريباً، فإن دخول إيران يُتوقع أن يخفّض هذا المستوى من جديد. وإذا كانت ميزانية السعودية تعتمد على سعر 80 دولاراً للبرميل، فإن تخفيضاً كبيراً يمكن أن يؤدي بها إلى عجز عميق في الميزانية، وحتى إعاقة برامج بناء المشاريع الضخمة التي يخطط لها ولي العهد محمد بن سلمان حتى نهاية العقد الحالي.
- إن حرب الأسعار التي يُتوقع أن تشتد في إثر توقيع الاتفاق النووي ليست سوى أحد التحديات الاستراتيجية التي تضعها إيران أمام الاقتصاد العالمي. في تموز/يوليو الماضي، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران في قمة احتفالية. من ناحية رسمية، استهدفت هذه القمة فحص الوضع في سورية وتهديد غزو تركيا لسورية. مع ذلك، كانت إحدى النتائج المهمة في هذه القمة مذكرة تفاهُم وُقِّعت بين روسيا وإيران بشأن التعاون بينهما لتطوير حقول الغاز في إيران باستثمار روسي يبلغ نحو 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى استثمارات روسية في حقول النفط بنحو 30 مليار دولار. ويطمح البرنامج إلى أكثر من ذلك. وبحسب تقارير في وسائل الإعلام الإيرانية، القصد هو تشكيل منظمة إقليمية تشبه "أوبك" لتسويق الغاز، تكون دول أُخرى من المنطقة أعضاء فيها، إلى جانب روسيا وإيران. إيران حتى الآن ليست دولة غاز عظمى، وخصوصاً بسبب عدم وجود البنية التحتية لديها، فهي تستهلك الكمية التي تستخرجها تقريباً. وفي كل شتاء، تكون في حالة عجز يبلغ 250 مليون متر مكعب يومياً. لكنها مع تطوير بنى تحتية مناسبة، قد تبدأ بتسويق الغاز لدول مجاورة، بينها العراق وتركيا والأردن، حيث يتم الآن بناء أنبوب غاز يربط إيران بباكستان، بتمويل من روسيا.
- إن الشراكة بين روسيا وإيران هي على الورق حتى الآن، ومن غير المعروف ما إذا كانت لروسيا قدرة تمويلية على تنفيذ هذا المشروع في الوقت الذي تدير حرباً في أوكرانيا تكلفها مئات ملايين الدولارات يومياً. وهي نفسها غارقة تحت عقوبات دولية. في المقابل، التعاون مع إيران قد يشق لروسيا طريقاً لتجاوُز العقوبات، تستطيع روسيا من خلالها نقل الغاز إلى إيران، وتكون متحررة من العقوبات، وتبيع بواسطتها الغاز الروسي حتى للدول الأوروبية. هكذا تستطيع إيران أن تشكل مركز تسويق عالمي للغاز الذي سيعمل تحت سيطرة روسيا. ومن شأن استراتيجية الغاز الإيرانية أن يكون لها تأثير بعيد المدى في التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، وفي اتفاقات تجارة الغاز التي تم توقيعها بين دول إقليمية منتجة للغاز، مثل إسرائيل ومصر، وبين زبائنها في أوروبا.
- وقبل أن تتحول إيران إلى مزوِّدة عالمية بالغاز، ستجد نفسها أمام اتفاق طويل المدى وقّعته قبل نحو عام ونصف العام مع الصين، وتعهدت فيه الصين باستثمار نحو 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً، في مقابل احتكار شبه كامل لإنتاج الغاز والنفط في إيران. وعلى الرغم من أن تفاصيل الاتفاق لم تُنشر علناً، فإن تسريبات عن مضمونه تتحدث عن نسبة التخفيض التي ستحصل عليها الصين على الغاز والنفط الذي ستشتريه من إيران، والتي ستكون في المتوسط 12%. بالإضافة إلى ذلك، قد ترسل الصين جنوداً أو رجال أمن إلى إيران للدفاع عن منشآت التنقيب والإنتاج، وتستطيع إقامة قواعد عسكرية في عدد من الجزر في جنوب إيران. من غير الواضح كيف سيتساوق تطبيق هذا الاتفاق مع مذكرة التفاهم التي وقّعتها إيران مع روسيا، ومع توقها إلى بيع الغاز للدول الأوروبية، ومع فكرة إنشاء منظمة تشبه "أوبك"، هدفها تركيز تسويق الغاز تحت سقف إيران وسيطرة روسيا.
- وحتى لو باعت إيران كل نفطها للصين، وهذا سيناريو نظري حتى الآن، فإن كميات كبيرة من النفط ستتحرر، أي التي تشتريها الآن الصين من مصادر أُخرى. وهذه ستبحث عن أسواق جديدة. إن التأثير المتوقع من هذا السيناريو هو أن دولاً، مثل السعودية وأعضاء "أوبك" الآخرين، ستضطر إلى تقليص تصدير النفط بصورة كبيرة للحفاظ على مستوى معقول من أسعار الحد الأدنى التي تسمح لها بتمويل حاجاتها الجارية.
- على الرغم من هذه التنبؤات، فإن اقتصاديين في السعودية يؤكدون أنه لا ينبغي الذعر. بحسب قولهم، سوق النفط ستعرف دائما كيفية موازنة نفسها والكميات التي تستطيع إيران التزويد بها، على الأقل في السنة المقبلة، هي فقط ربع إجمالي إنتاج السعودية الآن، الذي يبلغ 12 مليون برميل يومياً.