بن غفير والكهانية العائلية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • الوعد الذي قدمه إيتمار بن غفير خلال مقابلة مع سيفي عوفادياه ويانير كوزين في إذاعة الجيش، بطرد عضو الكنيست عوفر كاسيف [من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة] من الدولة، يبدو للوهلة الأولى إشارة مطمئنة: على الأقل، هو لا يهدد العرب فقط.
  • في الذاكرة الجماعية، يتم التعامل مع الكهانية كنظرية نقاء عرقي مريضة، تتساوى فكرياً مع قوانين نورمبرغ [قوانين وضعها الحزب النازي]. مئير كهانا اقترح الفصل ما بين العرب واليهود على شواطئ البحر، ومنع الزواج ما بين العرب واليهود، ونزع حق الترشح والانتخاب عن العرب في إسرائيل، وتحويل القدس، قانونياً، إلى مدينة يعيش فيها اليهود فقط.
  • صحيح أن العنصرية كانت العامود الفقري لنظرية الحاخام كهانا، لكنها لم تكن الوحيدة في أفكاره. ففي قلب الكهانية، هناك أيضاً رؤيتان تكملان بعضهما البعض، ولا يمكن فهم الظاهرة من دونهما: رفض العلمانية والليبرالية والديمقراطية، والسعي إلى الانتقام من "الأغيار". وكل هذا يمكن العثور عليه لدى بن غفير اليوم.
  • عندما أقسم الحاخام كهانا قسم الولاء مع دخوله إلى الكنيست، أضاف الصيغة التالية من النص التوراتي: "وسأحفظ توراتك دائماً وأبداً." واعترف في رده للمحكمة العليا، بأن القصد من وراء النص كان أن قوانين التوراة أهم من قوانين الدولة، بالنسبة إليه. وهو ما تماشى مع رؤيته، التي ترى في دولة إسرائيل الديمقراطية والعلمانية كياناً غير شرعي، وسيتبدل مستقبلاً بدولة شريعة.
  • في كتابه الأخير "نور الفكرة"، يقرّ كهانا بأن الديمقراطية هي رؤية غريبة، ليست يهودية، وأن "التوراة لا تحتمل هذه التفاهة." وبحسبه، فإن الحكومة العلمانية لا تتمتع بأي شرعية، وذلك لأن "واجب الاحترام والانصياع للحكومة نابع من انصياع الحكومة واحترامها أولاً للتوراة." بكل بساطة.
  • ويضيف كهانا أنه "ممنوع تنصيب ملك أو حكومة غير مؤمن، وأن إرادة الأغلبية ليست المعيار، لأنه "لا يوجد أي صلاحية لأي قانون أو قرار يصدر عن حكومة كفَرة تتعارض مع التوراة، ومن الواجب معارضتها، وممنوع منعاً باتاً قبول قرار الأغلبية السيئة." عملياً، بحسب كهانا، في إسرائيل "يوجد رأي واحد وليس أكثر، ومَن يختلف مع هذا الرأي الواحد التوراتي، حتى ولو كانت أغلبية شعب إسرائيل، فإنه رأي منحرف."
  • بحسب هذه الرؤية، فإن دولة إسرائيل الحالية ليست شرعية، ويجب تفكيكها في أسرع وقت ممكن. كهانا تخيل دولة شريعة، وهي الدولة اليهودية الحقيقية في نظره. وفي هذه الدولة، سيحكم حاكم وحيد، ديكتاتور. كما ينص كتابة: "هناك حاجة إلى نظام الشخص الواحد، شيء واحد، رئيس، وليس عشرات ومئات الممثلين والأحزاب."
  • انتظروا، هذا ليس كل شيء. ليس فقط حكومة لا تلتزم بالتوراة هي ليست شرعية، بل المواطن غير الملتزم أيضاً: "كل إنسان لا يلتزم بالتوراة، يفقد مكانته وحقه." في الديكتاتورية الكهانية، فإن حقوق ومكانة العلمانيين أقل من المحافظين على التعاليم. وماذا سيحدث لليهود الذين ترى فيهم الكهانية خطّائين خطرين؟ لن يكونوا هنا بتاتاً. كما قال بن غفير في سنة 2016 عن المثليين: "لا مكان لهم، لا في القدس، ولا في دولة إسرائيل عموماً"، والسبب: "يجب أن يكون هناك طابع يهودي."
  • هنا أيضاً، تدخل كراهية اليسار. هجوم بن غفير على كسيف هو استمرار للتقاليد الكهانية القديمة. ففي الكتاب الأول، كتب بالعبرية أن "التحدي" هو "عزل اليسار الفوضوي، والفكر الزائف، إذ يشكل كره الدين جوهرهم المقرف." وفي "نور الفكرة"، كتب أن "اليساريين الذين أقاموا الدولة كانوا كفَرة... وسيدفعون ثمن أفعالهم." ألا يجب، على الأقل، شكر "المباي" على إقامة الدولة؟ لا. الدولة لم تقم بفضلهم، إنما بإرادة الرب، وفقط بهدف الانتقام من الأغيار. فبحسب كهانا، "دولة إسرائيل هي بداية غضب الرب الذي يصحو من تراب الكفر والإنكار الذي شعرت به الذات الإلهية. لم تقُم دولة إسرائيل لأننا اصحاب حق، إنما هي انتقام الرب من الأغيار" (من كتابه "عن الإيمان والخلاص").
  • وهنا، نصل إلى العامود الثالث، بعد العنصرية وإنكار العلمانية والديمقراطية: الانتقام، كمثل أعلى. "لا يوجد مثل أعلى وأكثر صدقاً من الانتقام"، هذا ما كتبه كهانا في "نور الفكرة". ولماذا؟ ببساطة: "الانتقام كبير لأنه يحيي الرب." ومعنى ذلك أن الرب ضعيف، وهامد والمطلوب انتقام عنيف بهدف إعادته إلى الحياة الكاملة. المعنى: من دون تضحية بدم غير اليهود، فإن خالق الكون لن يعود إلينا.
  • الهدف من دولة إسرائيل هو الانتقام من الأغيار، و"مَن يترك الانتقام من أعداء إسرائيل، عملياً، هو يتنازل عن انتقام الرب." باختصار، هم يرقضون جنباً إلى جنب ليس فقط مع مع الفاشية، إنما مع الوثنية، يقرّ كهانا بأن الانتقام مطلوب لأجل شعب إسرائيل وآلهته. ومن دون ضحايا غير - يهود في مجازر تسيل دماؤهم فيها، لن يأتي الخلاص.
  • لهذا، فإن باروخ غولدشتاين هو أحد القديسين في النادي الكهاني. ومن قتل عدداً من غير اليهود أكثر من المواطن من كريات أربع الذي قتل 29 مصلياً مسلماً في الحرم الإبراهيمي، وأصاب أكثر من مئة؟ هل هناك مثال أفضل للانتقام اليهودي الأعمى، الدامي، المجنون، في عصرنا؟
  • الآن، تذكروا صورة غولدشتاين التي كانت معلقة حتى قبل عامين في صالون بن غفير... بن غفير نفسه ينادي بالانتقام دائماً. طالب بالانتقام بعد قتل الجندي برئيل شموئيلي على حدود غزة في آب/أغسطس 2021، ومرة أُخرى، بعد قتل يهودا ديمنتمان بجانب "حومش" في كانون الأول/ ديسمبر 2021، قال (ممنوع إنهاء الحدث من دون قيام الحكومة بالانتقام)، وخلال موجة العمليات في آذار/مارس 2022.
  • لا تتصرفوا كأنكم متفاجئون. في النهاية كما في البداية، بن غفير كهاني. لذلك، فإن رؤيته لا تشمل فقط العنصرية، إنما كره اليسار أيضاً، ورفض شرعية الإطار الديمقراطي، والطموح بجعل إسرائيل دولة شريعة، بالإضافة إلى الرغبة العميقة في الانتقام من الأغيار. وكما يقال عادة، هذه جينات الكهانية.
  • هل بات "معتدلاً"؟ هل توقف بن غفير عن كونه الشاب المجنون الذي حمل رمز سيارة رئيس الحكومة يتسحاق رابين ووعد "سنصل" إليه؟ هل البنغفيرية هي كهانية خفيفة؟ كهانية من دون تطرُّف؟ كهانية عائلية؟ كهذه التي يمكن أخذها إلى المنزل وإمضاء الليل معها؟
  • احكموا بأنفسكم. قبل سبعة أعوام، وخلال مقابلة مع حانوخ داوم، قال بن غفير إن الفرق بيني وبين كهانا "ليس في الأفكار، وليس المعتقدات، إنما الطريقة. الطريقة مختلفة قليلاً." فقبل خمسة أعوام، في ذكرى وفاة الحاخام كهانا، قال بن غفير إن "كل كلمة وكلمة" قالها كهانا " هي راهنة، حادة، وتتطرق إلى الواقع اليوم." وقبل ثلاثة أعوام، في مقابلة مع موقع "واي نت"، قال إن "الفرق الكبير" بينه وبين كهانا هو أنهم "يفتحون المايكروفون لنا".
  • نعم يفتحون. إعلام مسؤول كان سيتحدى بن غفير والأفكار التي تحركه. بهذه الطريقة، لا يستطيع الجمهور الإسرائيلي الهروب من وجهه المبتسم، في الوقت الذي يتنافس الصحافيون فيما بينهم على القهقهة بسعادة أكبر من حوله.
  • لماذا يغدو معتدلاً أكثر في هذه الظروف؟ طريقه ناجحة. هو اليوم في الكنيست، ومكانته تتعزز يومياً بواسطة نتنياهو والعالم الصغير المحيط به. فعندما يهدد بطرد أعضاء الكنيست من اليسار، ويصف كل عربي لا يعجبه بأنه "داعم للإرهاب"، وينادي بالانتقام، وتتقبله الصهيونية الدينية - الحزب والجمهور بالأحضان، لا يكون لديه أي سبب ليتغير.
  • جمهور لديه موقف أخلاقي كان سيلفظه من داخله. يتم التعبير عن ضعف المجتمع المدني في إسرائيل عبر دخول الكهانية إلى عروقه بهذه السهولة.