الصفقة لن توقف حرب الظلال بين إسرائيل وإيران
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

 

  • سلسلة التقارير في وسائل الإعلام العلنية والتغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب معلومات كثيرة وصلت في الأسابيع الأخيرة إلى أجهزة الاستخبارات في بريطانيا وإسرائيل والولايات المتحدة، وحتى ألمانيا، تطرح، بمعقولية كبيرة، أن هذه هي المرة الأخيرة، وأن العنصر المركزي الذي عرقل حتى الآن توقيع الاتفاق النووي الجديد مع إيران لم يعد يعرقله.
  • بكلمات بسيطة، المرشد الروحي الأعلى في إيران علي خامنئي غيّر رأيه، وبحسب كلام الخميني لدى توقيعه اتفاق وقف إطلاق النار مع صدام حسين في حرب العراق-إيران 1988، هو مستعد لـ "تجرُّع هذه الكأس المُرة"، وأن يقوم بما حاول تأجيله بقدر المستطاع. ليس هناك جهاز استخباراتي يمكنه قراءة أفكار خامنئي، لكن إذا كان غيّر رأيه فعلاً، فإن الاستخبارات الإسرائيلية وحدها هي التي توقعت حدوث ذلك. وبعكس التقديرات الأميركية بأن الموضوع دُفن، كان كبار المسؤولين في الموساد والاستخبارات العسكرية مقتنعين بأن خامنئي سيصل إلى هذه النقطة، وأنه سيجري توقيع الصفقة في النهاية.
  • الولايات المتحدة ترغب كثيراً في إتمام هذه الصفقة، التي وصفها أحد رؤساء المؤسسة الأمنية في إسرائيل قبل عام، منتقداً، بأنها "صفقة موقّعة من طرف واحد". ففي النهاية، الولايات المتحدة رضخت ولم تُجرِ مفاوضات فعلية، وقبِلت أغلبية المطالب الإيرانية، وشعرت بالإحراج عندما لم يكن هذا كافياً لخامئني كي يوقّع.
  • في شباط/فبراير 2015، في مؤتمر الأمن في ميونيخ، وخلال إجراء المفاوضات بشأن الصفقة الأولى التي نضجت بعد بضعة أشهر، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي كان من أبرز الدافعين قدماً بالصفقة، إن توقيعها لن يؤدي فقط إلى وقف البرنامج النووي الإيراني، بل أيضاً سيؤدي إلى دخول استثمارات كبيرة من الخارج إلى الاقتصاد الإيراني، بعد رفع العقوبات، ستتدخل عناصر خارجية، غربية بالأساس، في الاقتصاد والصناعة في إيران، وسيصبح لا مفرّ من "عودة إيران إلى حضن العائلة الدولية".
  • هذا ليس ما حدث تماماً. والتوقعات هذه المرة من الاتفاق النووي الجديد ستكون أكثر تواضعاً. فالولايات المتحدة تريد بالأساس إزالة المشكلة الإيرانية من جدول الأعمال العالمي، بعد عقدين كانت إسرائيل خلالهما تقودها وتعتبرها إحدى المشكلات الأساسية في العالم.
  • وبعكس سنة 2015، فإن حرب الظلال الدائرة بين إيران وإسرائيل هي اليوم في ذروتها، وتمتد على طول الشرق الأوسط وعرضه، وتجري على جميع الأبعاد – الجوية والبحرية والبرية والسيبرانية. ومن الصعب الاعتقاد أن الاتفاق النووي سيوقفها. هناك معقولية كبيرة أن الاتفاق سيزيدها حدة. لقد تركزت حرب الظلال على الموضوع النووي وقتاً طويلاً، لكنها خرجت منذ وقت عن هذا النطاق، والدولتان متورطتان اليوم في شبكة معقدة من معارك الشوارع في أماكن مختلفة من الشرق الأوسط، بحيث لم تعد مسألة اليورانيوم المخصّب الموجود اليوم لدى إيران ذات دلالة.
  • لماذا قرر خامنئي التنازل الآن؟ هناك عدة تقديرات، لكن يبدو أنه أدرك أن ضغط العقوبات والأزمة الاقتصادية المتعاظمة يتسببان بعدم استقرار النظام-الذي لا يزال بعيداً عن خطر الانهيار-وعدم الاستقرار هذا هو الذي يريد منعه.

إيران انحنت، لكنها لم تنكسر

  • السؤال المركزي هو طبعاً، هل توقيع الاتفاق يُقرّب إيران من الحصول على سلاح نووي، أو يبعدها عنه؟ كان بنيامين نتنياهو على حق، فقد كذبت إيران على مدى عقود. وحاولت، ولا تزال تحاول تطوير سلاح نووي. وفعلت ذلك سراً، وفي ظل نظام شديد للعقوبات، وتسلُّل استخباراتي متزايد للغرب إلى داخل صفوفها، وتسلُّل عميق للاستخبارات الإسرائيلية، كما ظهر في الماضي وتُرجم بعدد لا يحصى من العمليات التخريبية والاغتيالات. كل ذلك دفع إيران إلى المزيد من التوظيف في الإخفاء، وفي الأكاذيب، وفي التظاهر، ونقل أكبر عدد من المنشآت إلى تحت الأرض. وهي لا تزال تفعل ذلك اليوم أيضاً.
  • لكن إيران لا تزال بعيدة عن القنبلة. وحتى لو كانت اليوم على مسافة أسابيع معدودة من الحصول على يورانيوم مخصّب على درجة تكفي لصنع قنبلة، فإن عمليات بحث وتطوير رأس حربي، والتي تقوم بتنفيذها "مجموعة السلاح" التي أسسها وترأسها محسن فخري زادة الذي اغتالته إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، لا تزال، بحسب تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بحاجة إلى عامين أو 3 أعوام لإنهائها. حينها، سيبدأ البحث العملي في ملاءمة القنبلة مع الرأس الحربي.
  • ... على إسرائيل اليوم الاختيار بين المهلة الزمنية التي يمنحها لها الاتفاق (الذي يفرض قيوداً على القدرة الإيرانية على تخصيب وتخزين اليورانيوم، ويعطي الجيش الإسرائيلي فرصة الاستعداد لهجوم) وبين الفائدة التي ستحصل عليها إيران من هذه المدة تحديداً: لتحسين برنامجها النووي ونقله إلى تحت الأرض (في نفق بالقرب من نتانز، حيث شُيدت اليوم منشأة نووية كبيرة)، وبالأساس القوة الهائلة التي سيحصل عليها النظام جرّاء وقف العقوبات.
  • يطالب الإيرانيون بتمديد فترة مغادرة الشركات الأجنبية إيران في حال انتهكت الاتفاق وأُعيدت العقوبات. الولايات المتحدة تريد حل المشكلة النووية، لكن مواجهتها مع إيران أوسع بكثير. إذا وقّعت الولايات المتحدة الاتفاق النووي، فستكون مقيدة كثيراً في التحرك ضد إيران في أماكن أُخرى.
  • من جهة أُخرى، على الرغم من وجود إيران نفسها في صراع ليس سهلاً، فإن خامنئي يسعى لتسوية الأموال وإنهاء العقوبات لمنع عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، لكنه لا يريد تحقيق رؤيا جون كيري بشأن قدوم شركات ضخمة إلى إيران مع مليارات الدولارات. فهو يدرك أن هذه العملية يمكن أن تعرّض النظام لخطر لا يقلّ خطورة عن الأزمة الاقتصادية، ويحاول توجيه الدفة بحذر بين الأمرين. في العام ونصف العام اللذين انقضيا منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، والأخبار الكثيرة عن قرب توقيع اتفاق، ثبت أمر آخر هو مواصلة إسرائيل العمل سراً ضد إيران وداخلها.
  • بعد أن فهمت إسرائيل أن التوقيع أصبح محسوماً، حاولت التوصل إلى اتفاقات سرية مع الولايات المتحدة على أن تغضّ نظرها عن عمليات إسرائيلية بعد التوقيع. كلام يائير لبيد بأن إسرائيل ستمنع بنفسها النووي الإيراني، له علاقة بحُرية العمل هذه. هذه الحرية لم تعطَ بصورة رسمية، ولا يمكن أن تُكتب في أي مكان. لكن حتى لو جرى الاتفاق عليها وسُوّيت، فإن هذا سيخلق صعوبة كبيرة ستواجهها الولايات المتحدة إذا طلبت منها إيران كبح إسرائيل، وإلا فإنها ستعود إلى تخصيب اليورانيوم. الجدل بشأن الموافقة أو عدم الموافقة على عمليات [إسرائيلية] خاصة، يمكن أن يشكل موضوعاً مركزياً في العلاقات بين الدولتين في الأعوام القادمة.