بايدن يرى كيف تبدّل إسرائيل وجهها، ولا يستطيع الجلوس بصمت
تاريخ المقال
المصدر
- دولة إسرائيل تدفع أثماناً باهظة، نتيجة ما يجري فيها خلال الأشهر الماضية. تقريباً، لا يوجد أيّ مجال لم يلحق به الضرر نتيجة الاندفاع إلى إجراء تغيير جوهري في نظام الحكم - والليلة، تلقينا تذكيراً إضافياً يفيد بأن جميع مركّبات الأمن القومي في دائرة الخطر الشديد، حتى العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة.
- أقوال الرئيس الأميركي جو بايدن التي بحسبها، إسرائيل لا تستطيع الاستمرار في الطريق الحالية، ومطالبته بوقف مسار التشريع، جاءتا بعد مجموعة من الرسائل والتلميحات ومحاولات التأثير في الغرف المغلقة، بحسب مصادر عديدة أشارت إلى قلق في الإدارة الأميركية جرّاء زعزعة القيم المشتركة الموجودة في صلب العلاقات المميزة بين البلدين. يمكن الافتراض أن الرئيس الأميركي صديق حقيقي لإسرائيل أيضاً، وكان يعلم ما هي تداعيات أقواله. وما كان ليقول هذا الكلام علناً، إلا لأن لديه قلقاً عميقاً جداً بشأن مستقبل العلاقات المميزة بين البلدين.
- في التقدير الاستراتيجي الذي قدمه مركز أبحاث الأمن القومي لرئيس الدولة قبل عدة أسابيع، اعتبرنا أن تهديد مستقبل العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة هو التهديد الأكبر لأمن إسرائيل القومي. وشددنا على أن أغلبية المسارات التي تصنع التهديد هي مسارات داخلية أميركية، وعلى الرغم من ذلك، فإن على حكومة إسرائيل ألا تزيد الأمور سوءاً. بما معناه أن الدفع قدماً بالانقلاب القضائي، وتجاهُل المطالبات والتلميحات، سيسرّعان مسار فقدان الدعم الأميركي - الدعم الذي يشكل حجر أساس في أمننا جميعاً.
- وهنا يجب التوضيح بصراحة، ومن دون تلاعُب بالكلمات: التغيير في نظام الحكم في إسرائيل، وبالإضافة إلى تأثيره في كافة جوانب حياتنا، فإنه سيؤدي إلى تغيير أساسي في علاقتنا بالولايات المتحدة. وذلك بسبب زعزعة القيم المشتركة، وأيضاً بسبب الخطورة على المصلحة الأميركية في الاستقرار في الشرق الأوسط بشكل يسمح لدوله بالتعامل مع الصين وروسيا.
- تعليق التشريع الذي أعلنه رئيس الحكومة نتنياهو هو خطوة جيدة، ولكن يجب الاعتراف بأنها جاءت متأخرة جداً، والأضرار تراكمت بمرور كل يوم. الآن، الوقت هو وقت الجلوس والحوار، حتى يخرج الدخان الأبيض - في مواجهة الأزمة الكبيرة في العلاقات مع الولايات المتحدة، والتهديدات الخارجية لها، لا تملك إسرائيل امتياز الاستمرار في الاقتتال الداخلي-عليها أن ترمّم التكاتف الداخلي الاجتماعي سريعاً. لا يوجد وقت. لا أفهم لماذا لم يكن ممكناً وقف هذا الجنون منذ عدة أسابيع، من دون أن تدفع إسرائيل هذه الأثمان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية الثقيلة جداً.
- خلال سنوات خدمتي الطويلة في الجيش، وبالأساس خلال وجودي في منصبي الأخير كرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، كنت أقدّر كثيراً جداً الذكاء والعقلانية التحليلية والمسؤولية التي كان بنيامين نتنياهو يقود بها الدولة والأمن القومي الإسرائيلي. مثل كثيرين غيري، صُدمت وأصابني الخذلان بسبب ما رأيته منه قبل أيام في البث المباشر، وهو يقوم بخطوة تضرّ بجوهر الأمن القومي لإسرائيل - إقالة وزير الدفاع لأنه تجرأ وحذّر، وقام بمهمته ومسؤوليته المهنية النقية جداً. هذه الخطوة تكشف إسرائيل أمام تهديدات جديدة، في وقت سيئ جداً - خطوة لا ذكاء فيها، ولا منطق، ولا عقلانية، ومن المؤكد أنها غير مسؤولة. يمكن لأعداء إسرائيل تفسير هذه الخطوة بأنها إشارة أُخرى إلى الفوضى التي تحدث هنا، ويحاولون تحدّيها وهي ضعيفة داخلياً. أصدقاء إسرائيل في العالم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، يمكن أن يروا في ذلك إشارة إضافية إلى دولة تغيّر وجهها كلياً. ولا يجب إلغاء إمكانية أن تكون هذه الخطوة هي السبب وراء الضرر الذي لحِق بالعلاقات مع الولايات المتحدة. لنأمل بأن يتراجع عن قراره، إقالة وزير الدفاع في ذروة الأزمة القومية الحادة، حيث التهديدات الخارجية تتعاظم بسبب الانقسام الداخلي.
- للأسف، الانقسام الداخلي الذي نعيشه هذه الأيام لا يبقى خارج الجيش. فقبل إقالة وزير الدفاع، كان الجيش تأثر عميقاً بالأزمة - نحن نشهد ظاهرة تتزايد فيها شكوك جنود الاحتياط من وحدات مختلفة ومهمة، في قدرتهم على الاستمرار والتطوع للخدمة، إذا غيرت إسرائيل وجهها "الديمقراطي" - كلّي أمل بأن يؤدي تعليق التشريع إلى وقف هذه الظواهر. وبما أن الحديث يدور عن الموضوع، فيجب القول إن رفض الامتثال للأوامر ممنوع. الأمر العسكري هو أساس الجيش وأساس صلاحية الضباط. أما التطوع، فهو نتيجة الدوافع ورغبة المتطوع في خدمة الدولة، بهدف الدفاع عنها وعن قيمها. كثيرون من هؤلاء الجنود في الاحتياط هم متطوعون يعتقدون أن عدم التطوع سيحمي الدولة وقيمها. وفي المقابل، فإن داعمي الإصلاحات القضائية يدّعون أنه إذا لم تحدث، فستتحول الظاهرة إلى صفوفهم. هكذا يبدو جيش الشعب في حالة تفكّك، وهذا ما يجب منعه الآن.
- هذه الحالة أكبر من أن تحلّها قيادات الجيش. نحن نتعامل مع حدث غير مسبوق، والمستوى السياسي فقط، أو السياسيون الذين بدؤوا هذا المسار الخطِر، هم الذين يستطيعون وقفه. من أجل علاج "جيش الشعب"، يجب إعادته إلى الروتين، والهدوء، والعلاج، والنقاش بين الجنود والضباط، وبناء القوة. المشكلة ليست فيما سيحدث في حرب الغد - الجميع سيلتزم بها. المشكلة هي فيما سيحدث في حرب 2030 أو 2035؟
الأمن القومي لدى أعدائنا يتعزز
- الوضع غير المسبوق في المجتمع الإسرائيلي لا يحدث ضمن فراغ خارجي. للأسف، أعداؤنا يفركون أيديهم بسعادة بسبب ما يجري لدى "الصهاينة"- ما لم ينجحوا في القيام به بأنفسهم طوال 75 عاماً من وجود دولة إسرائيل، نقوم به نحن بأنفسنا منذ عدة أشهر. هناك إشارات واضحة تفيد بأن الضرر الكبير الذي لحِق بالتكاتف الاجتماعي الداخلي الإسرائيلي، يشجّع سردية أن إسرائيل لن تصمد، وستتفكك داخلياً. هذه السردية يمكن أن تخلق حالة من الجرأة أكثر. أعتقد أن لا أحد منهم سيتجرأ على بدء حرب مبادأة في الوقت القريب، ولكن يكفي وقوع حدث تكتيكي، كما حدث في الماضي، ليدفعنا إلى معركة ستتكتل فيها الجبهات المختلفة التي ينشط فيها الأعداء ضد إسرائيل.
- الجبهة الإيرانية تصبح أكثر خطورة - أول أمس الثلاثاء، أعلن الموساد أنه أحبط عملية ضد إسرائيليين في الأراضي اليونانية، موجّهة إيرانياً. إيران تتجرأ أكثر، وليس فقط في مجال الجهود لضرب إسرائيليين خارج البلد، بل تضرب قواعد أميركية في سورية، رداً على الضربات المنسوبة إلى سلاح الجو الإسرائيلي، ويبدو أن ذلك يحدث أيضاً لاستغلال الأزمة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ ولا تزال تتقدم أيضاً بخطتها النووية كما حذّر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية قبل أيام قليلة، عندما قال إن إيران تستطيع صنع قنبلة نووية خلال أشهر معدودة، وهو خبر كان في الماضي يتصدر نشرات الأخبار، واختفى ولم يعد يثير ضجة كبيرة؛ وهي تعزز علاقاتها مع الصين وروسيا؛ وتنجح في الوصول إلى التطبيع مع دول الخليج، وغيرها من الأمور.
- على الجبهة الشمالية، يبدو أن الثقة بالنفس لدى نصر الله في تصاعُد مستمر. الحديث يدور عن حالة بدأت قبل الأزمة الداخلية الإسرائيلية، ولها أسباب كثيرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن القول إن شهيته تزداد بعد رؤية حالة الفوضى التي تجري هنا. العملية في مجيدو، التي كانت يمكن أن تتحول بسهولة إلى حدث استراتيجي، تشير إلى أن الأزمة الداخلية تؤثر في اتخاذ القرارات الأمنية لدى حزب الله، الذي يريد استغلال الوضع لزعزعة الأمن الداخلي في إسرائيل؛ ولدى متّخذي القرار في إسرائيل أيضاً، الذين يترددون بشأن الرد المناسب بسبب هذه الخطوة التي تُعد درجة إضافية. من جهة، هناك رغبة في تعزيز الردع الإسرائيلي ومنع تكرار الأحداث، ولكن من جهة أُخرى، هناك فهم أن الأمور يمكن أن تؤدي إلى معركة ستتزامن مع حالة المجتمع الإسرائيلي، كونه يمرّ بإحدى أكثر لحظاته صعوبةً في التاريخ.
- أما على الساحة الفلسطينية، فإن الجمهور الإسرائيلي يشعر بالتصعيد المستمر فيها. إسرائيل تعاني جرّاء "موجة إرهاب" طويلة وتصعيد مستمر، يضاف إليه الآن شهر رمضان، المتوتر أصلاً. فلولا عمليات الإحباط اليومية، لكنّا داخل الانتفاضة الثالثة منذ زمن.
- وفي الخلاصة - نحن تقريباً على عتبة مرحلة اللا عودة - مسؤولية المستوى السياسي الآن هي البدء بعملية الشفاء حالاً، وليس غداً. شفاء المجتمع الإسرائيلي، شفاء الجيش، شفاء الاقتصاد، وشفاء العلاقات الدولية. ببساطة، دولة إسرائيل لا يمكن أن تكون هكذا.