الإعصار الذي يهددنا من الغرب
تاريخ المقال
المصدر
- لنبدأ من النهاية: ليست تركيبة لجنة اختيار القضاة هي ما يهمّ جو بايدن. وليست حجة المعقولية، وأيضاً ليس بند التغلب. ما يهمّ الرئيس الأميركي، كما أوضح مراراً وتكراراً، هو الفصل بين السلطات وآليات توازنات وضوابط وحماية الدستور لحقوق الفرد، من دون أن يكون ذلك مرتبطاً بالنيات الحسنة للحاكم. أيضاً عضو مجلس الشيوخ ستاني هوير، الزعيم السابق للأكثرية الديمقراطية، والذي يُعتبر الشخص "الأكثر تأييداً لإسرائيل في الكونغرس"، أعلن أن التشريع الذي تقترحه الحكومة لا يحترم الفصل بين السلطات والتوازنات والكوابح، ولا يحمي حقوق الفرد. أضيفت إلى ذلك تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن والسفير توم نيدس الذي كان واضحاً للغاية: الولايات المتحدة لن تتعامل مع الانقلاب القضائي كضربة خفيفة جانبية.
- لا يوجد سبب كي نُفاجأ، فقد رفع بايدن شعار الدفاع عن الحريات في الولايات المتحدة والعالم. بالنسبة إليه، الحكم الأوحد لفلاديمير بوتين في روسيا، والحزب الصيني الاستبدادي، وآيات الله في إيران، والذين هاجموا قبة الكابيتول، مع فوارق ضئيلة بينهم، يشكلون جزءاً من الصراع ضد الديمقراطية في شتى أنحاء العالم. فإذا كان الرئيس ورجاله يقدّرون أن حليفة استراتيجية مثل إسرائيل تمرّ بمرحلة تآكل للديمقراطية، فإنه لن يستطيع الوقوف موقف المتفرج، من هنا، تأتي تصريحاته غير المسبوقة في الأسبوع الماضي، بأنه لن يدعو في هذه الأثناء بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض.
- لكن يجب أن نركّز على الأزمة الحالية. من المهم أن نفهم ما هي العمليات العميقة التي أوصلتنا إلى هنا. ويمكننا أن نصف الأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة بإعصار سياسي... ويتوجب علينا أن نفهم أن العمليات العميقة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية يمكن أن تكون قاتلة.
- العملية الأولى هي استراتيجية: لم تعد الولايات المتحدة مهتمة بالشرق الأوسط كما كانت في الماضي. وأصبح لها مصالح في أماكن أُخرى من العالم، وفي مقدمتها آسيا. الأمر الوحيد المشترك بين السياسة الخارجية لباراك أوباما ودونالد ترامب وبايدن هو الرغبة في الابتعاد عن الشرق الأوسط. في وثيقة استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة، والصادرة في 3 كانون الأول/ديسمبر الماضي، ورد ذِكر الصين وروسيا عشرات المرات، وإيران 8 مرات، وإسرائيل 4 مرات فقط (حلفاء آخرون للولايات المتحدة، مثل السعودية ومصر، لم يتم ذكرهم قط).
- العملية الثانية هي أيديولوجية، وتميّز الحزب الديمقراطي تحديداً. قرابة 30 عاماً من المفاوضات الفاشلة مع الفلسطينيين وانتفاضة دموية وجولات قتال في غزة جعلت الجمهور الإسرائيلي يشك في السلام. من جهة أُخرى، التورط الأميركي في العراق وأفغانستان، وانتهاكات حقوق الإنسان التي جرت خلال هاتين الحربين (مثل قانون الباتريوت)، حولت الجمهور الأميركي، وبالأساس جمهور الشباب، إلى كثير الشكوك حيال الحرب. ببساطة، ارتفعت في إسرائيل أهمية الأمن، وفي أميركا ارتفعت أهمية السلام.
- كشف استطلاع للرأي أجراه معهد بيو في سنة 2021 أن 69% من الجمهور الأميركي يؤيد الدبلوماسية أكثر من القوة العسكرية. وصل تأييد الدبلوماسية في أوساط الشباب الديمقراطي إلى قرابة 90%. عندما نربط بين هذه النظرة الحمائمية في الموقف الليبرالي، وبين فكرة أن العالم يمكن أن يكون أفضل، نصل إلى الاستنتاج أن السلام غير موجود في الشرق الأوسط، ليس لأنه من الصعب التوصل إليه، بل لأن الطرفين لا يريدانه. إلغاء قانون الانفصال (الذي انتقدته الولايات المتحدة بشدة) وتصريحات، مثل يجب "محو حوارة"، يُستخدمان كدليل على هذه الحجة في نظر الكثيرين من الديمقراطيين.
- العملية الثالثة هي ديموغرافية. زعماء مثل الرئيس بايدن يتذكرون إسرائيل الصغيرة المحاطة بالأعداء، وما زالوا يرون فيها دولة مستضعفة، ومساعدتها هي خطوة أخلاقية. لكن السنوات فعلت فعلها، والجيل الجديد من الزعماء في الولايات المتحدة يعتبر إسرائيل قوة إقليمية عظمى، وديمقراطية ليبرالية مع جيش قوي واقتصاد مزدهر ومجتمع ينبض بالحياة، وأيضاً دولة يجب مطالبتها باحترام المعايير العالمية لحقوق الإنسان. ومَن يعرف الديموغرافيا، يجب ألّا يُفاجأ باستطلاع معهد غالوب الذي أظهر، للمرة الأولى في التاريخ، أن الديمقراطيين يميلون إلى تأييد الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين.
- يتعين على المنظومة السياسية الدخول في عمق ما يجري. ويجب على لجنة الخارجية والأمن في الكنيست إجراء نقاش علني في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية وتداعيات الخلافات بينهما، وخصوصاً كيفية المحافظة على العلاقات وتعزيزها. في الكنيست السابق، جرت محاولة للبدء بالدفع قدماً بمناقشة من هذا النوع، لكن حينها ذهبنا إلى الانتخابات. الآن، أكثر من أي وقت مضى، آن الأوان للعودة إلى هذا النقاش.
الكلمات المفتاحية