شرق أوسط جديد: التطبيع مع سورية يغير قواعد اللعبة في المنطقة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

 

  • تحولت سورية، التي تعيش حالة حرب منذ 12 عاماً، والتي دُمِّر أكثر من نصف بنيتها التحتية المدنية، ويعيش نحو 90% من سكانها تحت خط الفقر، في العام الأخير إلى محجة لزعماء الشرق الأوسط. فمنذ أواخر سنة 2021 تمكن بشار الأسد من التحول من رئيس منبوذ إقليمياً إلى زعيم شرعي نجح في تعزيز علاقاته مع دولة الإمارات، والبحرين، وسلطنة عُمان، والجزائر، ومصر، حتى إنه استأنف علاقاته مع الأردن وتونس، ومؤخراً مع السعودية، التي أيدت طوال سنوات الحرب الأهلية المتمردين الذين قاتلوا الأسد، وكانت حتى الفترة الأخيرة من أكثر الدول معارضة للاعتراف بنظام بشار.
  • وشكل الزلزال الذي أصاب سورية هذه السنة دافعاً إضافياً لإعادة ترسيخ العلاقات المنهارة مع دول المنطقة، التي أرسلت كثيراً من المساعدات الإنسانية، وساهمت أيضاً في تجميد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على النظام (قانون قيصر)، بصورة موقتة، إفساحاً في المجال لوصول المساعدات إلى سورية.
  • خلال الأسبوع الماضي جرى لقاء رباعي في موسكو جمع وزراء دفاع سورية وروسيا وإيران وتركيا، في إطار الاتصالات المستمرة من أجل التوصل إلى تسوية سورية-تركية. وحتى الأكراد الذين أعلنوا حكمهم الذاتي منذ أكثر من 20 عاماً على الأراضي السورية، أبدوا مؤخراً استعدادهم للاجتماع مع الحكومة السورية والتحاور معها من أجل بلورة حل للأزمة السورية.
  • مسار عودة الأسد الكاملة إلى الشرق الأوسط مرتبط بالقرار الذي سيتخذ في هذه الأيام بشأن عودة سورية إلى الجامعة العربية، التي أُبعدت عنها في بداية الحرب [الأهلية في سورية]. وبينما تؤيد السعودية هذه العودة، لا تزال تعارضها كل من الكويت وقطر والمغرب، وإلى حد ما مصر.
  • تجري الاتصالات التي تحدثنا عنها على خلفية صفقة عربية بقيادة أردنية تهدف إلى إعادة الشرعية إلى الرئيس الأسد، ورسم الطريق لإنهاء النزاع في سورية. وبحسب الخطة تعترف الدول العربية بشرعية الأسد، وتضخ مليارات الدولارات من أجل إعادة بناء الدولة، وتمارس الضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، والتي تمنع إمكان استثمار أموال في إعادة إعمار الدولة. في المقابل يتعهد الأسد بالعودة الآمنة لملايين اللاجئين إلى سورية، وكبح تجارة المخدرات التي تغرق الشرق الأوسط بحبوب الكبتاغون، ولجم الوجود الإيراني وتقليصه في الأراضي السورية، وبدء حوار مع عناصر المعارضة في الطريق إلى تسوية سياسية.
  • لكن الأسد لا يتغير، وهو ليس مستعداً لتقديم تنازلات، ولا للوفاء بالالتزامات المطروحة في هذه الفترة، ذلك بأنه يريد الاستفادة من حصوله على الشرعية من دون أي ثمن لذلك. ولا ينوي التخلي عن الحلف الاستراتيجي القوي القائم بينه وبين إيران، وبالتأكيد ليس لقاء أموال لإعادة البناء، وإعلان النيات هذا سمعناه خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق. كما أن الأسد ليس مستعداً للتنازل عن مليارات الدولارات التي تتدفق من مداخيل تجارة المخدرات.

"المعركة بين الحروب" تجري إلى جانب الازدهار الدبلوماسي

  • يبدو مؤخراً أن سورية تتحرك في عالمين متوازيين؛ إلى جانب النهضة الدبلوماسية التي شهدتها علاقاتها الخارجية، تتواصل بقوة في الساحة الداخلية المواجهات العسكرية، وأيضاَ النشاطات العسكرية لإيران وأذرعتها في سورية. في موازاة ذلك يبرز أيضاً تسارع في المعركة العسكرية التي تخوضها إسرائيل ضد جهود حزب الله الهادفة إلى زيادة قوته وترسيخ تمركزه في سورية (والتي يطلق عليها اسم المعركة بين الحروب).
  • خلال الشهر الأخير نفذت إسرائيل ما لايقل عن 9 هجمات في سورية، وفي مطلع نيسان/أبريل قُتل ضابطان من الحرس الثوري الإيراني كانا يعملان كمستشارين عسكريين في سورية، في هجوم على منطقة دمشق منسوب إلى إسرائيل. بعدها جرى الحديث عن هجوم آخر أصاب عدداً من المطارات العسكرية التي يتمركز فيها جنود إيرانيون وعناصر من حزب الله والميليشيات الموالية لإيران. بعد ساعات على الهجوم تسللت مسيّرة مجهولة من سورية إلى الأراضي الإسرائيلية، في خطوة يمكن تفسيرها بأنها رد من "محور المقاومة" على الهجمات الإسرائيلية المتراكمة. وجرى الحديث عن هجمات أُخرى منسوبة إلى إسرائيل رداً على قصف نفذته جهات فلسطينية من سورية في اتجاه هضبة الجولان، في إطار التصعيد الأمني الأخير في مواجهة "حماس"، وعلى خلفية الحوادث في حرم المسجد الأقصى. كذلك وقع هجوم آخر في منطقة حمص وسط سورية، استهدف مستودع أسلحة تابعاً لحزب الله، وعدداً من ناقلات الوقود والشاحنات. أمّا الهجوم الأخير فوقع فجر يوم الثلاثاء، واستهدف المطار الدولي في حلب ومجمع الصناعة العسكرية السورية الذي توجد فيه ميليشيات موالية لإيران في منطقة الصفيرة.
  • بعد عشر سنوات كانت فيها سورية ساحة صدام إقليمي ودولي، من المحتمل أن تؤدي التطورات الأخيرة على الساحة السورية، وكذلك الهجمة الدبلوماسية الخاطفة في الشرق الأوسط، إلى تغيير قواعد اللعبة المعروفة التأثير في حرية التحرك الإسرائيلي في الأجواء السورية. في السنوات الثلاث الأخيرة، سُجل 30 هجوماً سنوياً على الأراضي سورية، نُسبت جميعها إلى إسرائيل.
  • حتى الآن تمكن الرئيس السوري، وأيضاً شركاؤه الإيرانيون، من استيعاب الضرر الذي سببته هجماتنا واحتوائه. لكن تراكم الأحداث الأخيرة، وبينها الهجوم في تقاطع مجيدو (الافتراض السائد أنه جرى بمبادرة من إيران وحزب الله رداً على العمليات ضد إيران في سورية وخارجها المنسوبة إلى إسرائيل)، وإطلاق المسيّرة من سورية، وتطرق حسن نصر الله في خطابه الأخير إلى أن إسرائيل تخطئ إذا اعتقدت أنه لن يكون هناك رد على هجماتها في سورية، وتصريحات مشابهة صدرت عن مسؤولين سوريين كبار، كل هذا يدل على أن الكيل طفح حيال "المعركة بين الحروب في سورية"، وأن محور الممانعة ضاق ذرعاً من احتوائها. علاوة على ذلك، فإن عودة الأسد إلى الحضن العربي، وترسيخ مكانته كزعيم شرعي، من شأنهما أن يزيدا الضغط على إسرائيل للامتناع من مهاجمة أرصدة النظام، وتقويض السيادة والاستقرار في سورية، وكلها أمور قد تدفع الأسد، الذي ازدادت ثقته بنفسه، إلى الرد.