تقرير: تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية رهن بالثمن الذي ستدفعه الإدارة الأميركية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

نقل المراسل السياسي في "هآرتس" تسفي برئيل عن مصادر إسرائيلية قولها: "التطبيع مع السعودية، في حال حدوثه، لن يكون شيئاً مستقلاً بحد ذاته، بل سيكون جزءاً من شبكة علاقات استراتيجية يتطلع الرئيس بايدن إلى إقامتها في الشرق الأوسط، والتي باتت أمراً ملحاً بعد الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران والتدخل المتزايد للصين في العمليات السياسية في الشرق الأوسط." هذه الشبكة من العلاقات تحمل اسم "هندسة أمنية إقليمية"، وتتضمن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، وخصوصاً دول الخليج والأردن والعراق ومصر وإسرائيل، وفيما بين هذه الدول.

قبل عام، قررت الإدارة الأميركية ضم إسرائيل إلى القيادة المركزية للجيش الأميركي، بدلاً من القيادة في أوروبا، الأمر الذي يسمح للجيش الأميركي بإجراء تدريبات مشتركة مع إسرائيل، ومع دول عربية مهمة في المنطقة، وتطوير قنوات تواصُل بين إسرائيل وجيوش عربية. في سنة 2021، تم تأسيس إطار مدني للتعاون الإقليمي بعنوان I2U2. وضم إلى جانب إسرائيل، الإمارات والولايات المتحدة والهند، وهدفه تشكيل إطار لتبادل المعرفة والاستثمارات في مجالات مدنية، مثل الزراعة والطاقة - وأيضاً التعاون الأمني وشراء السلاح والتدريبات المشتركة.

مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة الأميركية قالوا إن الهدف النهائي من "الهندسة الاستراتيجية" هو تعزيز قدرات دول المنطقة على بناء منظومات دفاع وإنذار لا تتطلب تدخلاً عسكرياً أميركياً، وتسمح بانسحاب القوات الأميركية من كل الدول والمواقع التي تتواجد فيها حالياً. وذلك لا يعني أن الولايات المتحدة لن تتدخل في حال حدوث نزاع إقليمي كبير، لكن المقصود هو تعزيز القدرات المحلية لتقليص إمكانية نشوب نزاعات كبيرة.

الجمع بين قوة إسرائيل وقوة الدول العربية، وخصوصاً الدول الخليجية، أمر حيوي بالنسبة إلى الولايات المتحدة لتحقيق هذه الاستراتيجيا. لكن هذه العملية تعترضها عقبتان مركزيتان: على الرغم من التقارب بين إسرائيل والسعودية، فإنه لا يوجد بينهما اتفاق سلام، والأهم من ذلك، تقوم السعودية بتطوير تعاونها مع الصين، وهذا بدوره أثمر أيضاً اتفاقاً بين السعودية وإيران، برعاية الصين ووساطتها.

في الوقت عينه، الهند الشريكة الأُخرى المهمة في الاستراتيجيا الإقليمية للولايات المتحدة ليست ملتزمة، حصرياً، بالتعاون العسكري مع الدول العربية، وعلاقاتها مع إيران ومع روسيا توضح أنها تفضل حتى الآن إبقاء كل الخيارات مفتوحة. قبل أسبوع من زيارة سوليفان إلى الرياض، حيث اجتمع أيضاً بمستشار الأمن القومي للإمارات طحنون بن زايد آل نهيان، وبنظيره الهندي أجيت دوفال - زار دوفال طهران والتقى علي شمخاني والرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية الإيراني، للبحث معهم في سبل توسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما مليارين ونصف المليار دولار.

في تقدير الإدارة الأميركية، إن منظومة العلاقات الإقليمية القائمة – بين الهند وإيران، وبين السعودية والهند وباكستان، ومؤخراً بين السعودية وإيران - تعكس جزءاً من الواقع الجديد في الشرق الأوسط. وطموح الولايات المتحدة هو الحفاظ على قوتها ومكانتها كدولة عظمى ومؤثرة. وذلك من خلال التعاون الاستراتيجي، مثل التعاون العسكري أو المدني بين جزء من دول المنطقة وبين إسرائيل. لم يعد في إمكان واشنطن الحفاظ على حصريتها، بعد أن طمست الحدود التي تفصل بين الدول الموالية لأميركا والدول المعادية لها.

الدولة الأساسية لتحقيق هذه الهندسة الجديدة هي السعودية التي تختلف مكانتها اليوم عما كانت عليه قبل عام ونصف، وكذلك إسرائيل. بعد أن كانت السعودية دولة منبوذة من الولايات المتحدة، أصبحت دولة مرغوباً فيها... من جهة أُخرى، تريد السعودية ترميم علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكن المكانة الجديدة للمملكة تسمح لها بإملاء الشروط، لا الانصياع لها. لقد أدركت السعودية أن إسرائيل، القادرة على التأثير في الأميركيين، لم تعد موجودة. ومن الصعب إقناع وليّ العهد محمد بن سلمان بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي لم يُدعَ حتى الآن إلى زيارة البيت الأبيض، يستطيع أن يساعده على إقامة علاقة ودية بينه وبين بايدن.

على هذه الخلفية، يبدو أن ثمن التطبيع بين إسرائيل والسعودية يجب أن يأخذ في الحسبان مصالح واشنطن والثمن المستعدة لدفعه للرياض، بدءاً من الموافقة على إنشاء مفاعلات نووية أميركية، مروراً بصفقات بيع الرياض طائرات حربية متقدمة، والاعتماد على بن سلمان، بصفته "وفياً" للسياسة الأميركية في المنطقة كما كان في أيام الرئيس ترامب. السعودية ليست مستعجلة، وهي ليست الدولة التي تتعرض للضغط وتخاف من خسارة نفوذها الإقليمي.