وراء ابتسامات الرئيس الإيراني يختبىء تخوف كبير
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في الأسبوع الماضي وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في زيارة إلى سورية. وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني إلى سورية منذ نشوب الحرب الأهلية في آذار/مارس 2011. لكن يجب ألّا يخدعنا الكلام الجميل الذي سمعه الرئيس الأسد من رئيسي: فالنظام الإيراني يشكك في إخلاص الرئيس السوري لمصالح الجمهورية الإسلامية في سورية.
- قبل كل شيء، اسمحوا لي بأن أشرح كيف وصلنا إلى هذا الوضع: قبل قرابة الشهرين، اتفقت إيران والسعودية، بوساطة صينية، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد قطيعة استمرت 7 أعوام. السبب الأساسي وراء موافقة النظام الإيراني على ذلك هو الصين. فالإيرانيون يعتمدون على بيجين، كونها أكبر مستوردة لنفطهم، ومن الدول القليلة في العالم المستعدة لشرائه. بينما تفضّل سائر الدول عدم المخاطرة بتعرّضها لفرض عقوبات عليها من الولايات المتحدة. والمغزى الفعلي للقرار الصيني بوقف شراء النفط الإيراني هو الإفلاس.
- من دون ضغط الصين، ثمة شك كبير في أن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي كان سيوافق على اتفاق ترميم العلاقات مع السعودية، لأنه إلى جانب ميزات الاتفاق، فهو يحتوي على عيوب كبيرة بالنسبة إلى إيران. من بين هذه العيوب أن الاتفاق سيمكّن السعودية من تحسين علاقاتها مع حلفاء إيران في المنطقة، وبينهم النظام السوري. لا يستطيع خامنئي أن يقول "لا" للصينيين، لكن هذا لا يعني أنه لا يشكك في الأسد، ولهذا السبب جاء رئيسي إلى دمشق. ففي طهران يشعرون بالقلق حيال احتمال أن تسمح سورية الآن لشركات سعودية وإماراتية بالدخول إلى السوق السورية. وهذا سيكون بالطبع على حساب شركات إيرانية.
- هناك أسباب محقة للقلق الإيراني في هذا الشأن. فهم يتعلمون من التجربة. إيران وظفت في سورية الكثير من المال والموارد العسكرية، دفاعاً عن نظام الأسد، وعلى الرغم من ذلك، فإن المستهلك السوري - ومنذ سنوات كثيرة - "سيذهب للشراء من الآخرين"، وهو يفضل المنتوجات التركية التي تتفوق على المنتوجات الإيرانية من حيث النوعية والسعر. الولاء السياسي ليس له دور هنا والأرقام تتحدث عن نفسها: في السنة الماضية صدّرت تركيا إلى سورية بقيمة 2.2 مليار، بينما بلغ حجم الصادرات الإيرانية إلى سورية 110 ملايين دولار فقط.
- معنى هذا أن الصادرات التركية إلى سورية هي 20 ضعف الصادرات الإيرانية. وعلى الرغم من أن معظم الاستيراد السوري يتركز على السلع اليومية، فإننا يمكن أن نتوقع اليوم إنفاقاً أكبر بكثير في مجالات الطاقة والبناء. يريد النظام السوري إعادة إعمار الدمار الكبير الذي خلّفته الحرب الأهلية في هذه المجالات، وللسعوديين والإماراتيين ما يقترحونه على هذا الصعيد. فشركة البناء الإماراتية "إعمار" مثلاً هي من أكبر الشركات في الشرق الأوسط. ولدى السعوديين شركات بناء تدير مشاريع بعشرات مليارات الدولارات. علاوةً على ذلك، وبعكس خصمهم الإيراني، فإن للشركات السعودية والإماراتية صلة بالمهندسين والتكنولوجيا الغربية. يضاف إلى ذلك أن أي مساعدة مالية تأتي من الرياض أو من أبو ظبي إلى دمشق سيكون شرطها الاستثمار في مشاريع سعودية وإماراتية.
- في نظر الإيرانيين، كل ذلك يمكن أن يرجّح الكفة ضدهم ويضرّ بمصالحهم في سورية، في وقت تعاني الجمهورية الإسلامية من ضائقة اقتصادية حادة - الأقسى منذ الثورة في سنة 1979 - وبحاجة إلى كل دولار يمكن أن تربحه من السوق الدولية.
- في إيران تزداد حالياً التساؤلات بشأن الفائدة التي تعود إلى إيران من المساعدة المالية التي تقدمها إلى سورية. ووفقاً للدكتور حشمت فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، بلغت ديون نظام الأسد لإيران 30 مليار دولار، حصل عليها منذ سنة 2011. وقبل يومين من زيارة رئيسي، صرّح حشمت لصحيفة إيرانية بأنه يأمل بأن يوضح الرئيس الإيراني الموضوع، وقال: "السوريون دفعوا ديونهم لروسيا، ولم يدفعوها لإيران."
- حشمت فلاحت ليس وحده الذي يشعر بخيبة الأمل. فعدد الإيرانيين الذين يتدهورون يومياً إلى ما تحت خطر الفقر يكبر ويزداد. وحتى الدعارة، فإنها وصلت إلى الطبقات الوسطى، حيث يقل أكثر فأكثر عدد العائلات القادرة على كسب رزقها في ظل الجو الاقتصادي الحالي. و30 مليار دولار هو مبلغ هائل بالنسبة إلى دولة تشكو من النقص في الأدوية. والآن، بالإضافة إلى ذلك، ثمة خوف من أن المناقصات المهمة يمكن أن تأخذ طريقها نحو خصوم إيران في الخليج، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من تآكل سياسة طهران المتعلقة باستثماراتها في سورية وفي نظام الأسد.
- ويوجد هنا تحدٍّ آخر بالنسبة إلى الإيرانيين: استثمار سعودي وإماراتي كبير في الاقتصاد السوري سيؤدي إلى مطالبة سورية بتحقيق الهدوء والاستقرار. لكن ما دامت طهران تستخدم الأراضي السورية لتهريب السلاح إلى حزب الله وتهديد إسرائيل، فإن سورية لن تعرف الاستقرار والهدوء، والهجمات الإسرائيلية ستستمر. وكل هذا يمكن أن يزيد التوتر على محور دمشق - طهران، ويلحق الضرر بالعلاقات بين الدولتين.