الأكاذيب التي تبيعكم إياها الحكومة عن الاغتيالات
تاريخ المقال
المصدر
قناة N12
–
الموقع الالكتروني
الاغتيالات هي حلم السياسيين. إنها تكثيف لجميع القدرات الاستخباراتية استخباراتية فائقة الأهمية في الوقت الصحيح، وقدرات خارقة عملياتياً، بالإضافة والعملياتية لدى جنودنا الممتازين في الجيش و"الشاباك"، معلومات إلى دمج المعلومات من عدة مستشعرات، ثم عمل استخباراتي مشترك وعمليات على مستوى عالٍ جداً، وفي النهاية، قدرة إلحاق الضرر، عبر ضربة دقيقة وقاتلة لمن خطّط لتنفيذ عمليات، فورياً.
- هذا من دون شك، يدغدغ خيال الكثيرين، ويرمم الصورة الجماهيرية، ويمكن بيعه على أنه إنجاز شخصي، كما يمكن التفاخر به خلال مؤتمر صحافي، وحتى أنه يساعد، موقتاً، على رفع عدد المقاعد في استطلاعات الرأي. ولكن، موقتاً فقط.
الاغتيالات أداة، ليست الهدف
- الاغتيالات لم تكن يوماً الحل. هي ليست أكثر من مسكّن ألم عندما نتعامل مع التهاب رئة حاد. الأكيد أنها ليست مضاداً حيوياً. كانت وستبقى أداة للتعامل مع التهديدات الفورية فقط، عندما لا يوجد حلّ آخر.
- الاغتيالات هي الأداة التي ينفخها السياسيون أكثر من حجمها، ولكنها لن تكون الهدف قط. الهدف هو تغيير الواقع: أن نعيش سوياً بتعايُش مبنيّ على الاحترام، ووقف موجات "الإرهاب"، ووقف جولات إطلاق القذائف، وتطبيع حياة الطرفين لسنوات عديدة.
- طوّرنا الاغتيالات، واستخدمناها كجزء من عقيدة قتالية، وكقدرة استخباراتية - عملياتية ضمن سلة أدوات "محاربة الإرهاب" في بداية الانتفاضة الثانية، في أواخر سنة 2000. وأوضحنا أنها حلّ موضعي - تكتيكي، يحلّ، جزئياً، مشكلة عدم القدرة على إحباط التهديدات الفورية، عندما منعنا المستوى السياسي منعاً مطلقاً من الدخول إلى أراضي منطقة "أ" الفلسطينية، وكان علينا البحث عن طرق أُخرى لإحباط "الإرهاب" عن بُعد. الوضع في قطاع غزة لا يختلف كثيراً.
- شرحنا دائماً أن الاغتيالات ليست حلاً سحرياً لمشكلة "الإرهاب"، وذلك لأنه يجب السيطرة على الميدان فعلياً من أجل التعامل معه بشكل فعال. وأكثر من ذلك، إذا كنا نريد فعلاً حلّ "مشكلة الإرهاب" - فعلينا أن نعالج أولاً جذور هذه المشكلة " والأهم من بينها - عدم وجود أمل، أو شعور بالأفق المسدود والواقع الذي يخنق من جميع الاتجاهات.
- يجب قول الحقيقة بوضوح.
إذاً، ما الذي يمكن القيام به في قطاع غزة؟
- بناءً على ما سبق، ما الذي يمكن القيام به في قطاع غزة إن لم نكن نريد استمرار الوضع الحالي، في ظل جولات لا تتوقف، ولا تؤدي إلى أي مكان؟ هناك خياران، وكلاهما للأسف يحتاج إلى شجاعة كبيرة لن نجدها حتى لو بحثنا مع عدسة مكبرة في مجلس الحكومة في القدس:
- الخيار (أ)- التوصل إلى ترتيبات (ترتيب لا يُعدّ اتفاق سلام، لكنه نوع من أنواع وقف إطلاق النار الطويل) مع "حماس". بناء القطاع اقتصادياً بدعم من الدول العربية والمجتمع الدولي للمدى البعيد، مع الكثير من الاستثمارات، ليكون لديهم ما يخسرونه.
- الخيار (ب)- إخضاع "حماس" في قطاع غزة (يمكن أيضاً من خلال عملية عسكرية مركّبة، من دون احتلال القطاع كلياً)؛ ومستقبلاً، تمرير حُكم القطاع إلى السلطة الفلسطينية، في حال كانت أقل فساداً، وبدعم عربي. هذا كان أساس فكرة حملة "الرصاص المصبوب"، وكان هناك مَن منعه في سنة 1999 بسبب قصر نظر استراتيجي.
- في الخيارين، هناك مشكلة مع التوقيت الحالي. الهروب من حلّ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، خلال عهد نتنياهو، حوّل السلطة الفلسطينية إلى أداة فارغة من المضمون. كما أنه عزّز قوة "حماس" في غزة، فحققت بغباء حلم سموتريتش المجنون: دولة ثنائية القومية، أبرتهايد فصل عنصري للإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة وداخل الخط الأخضر. ولكن، لا يزال هناك إمكانية لتطبيقهما.
- كما جاء سابقاً، انعدام الأمل هو السبب الأساسي وراء "الإرهاب". لقد رأيت هذا عن قُرب خلال عشرات الأعوام، في الضفة وقطاع غزة، وفي لبنان. اليائسون لا يرون الضوء في نهاية النفق، فيقاتلون وينفّذون العمليات، حتى أنهم ينتحرون، وكل الجهات المستفيدة في المنطقة، مثل إيران وأذرعها، يعززون هذا اليأس عبر مدّه بالسلاح والأموال والمعرفة. هكذا نحصل على موجات "إرهاب" متتالية، وأيضاً جولات إطلاق قذائف متتالية.
ما المطلوب لتغيير الاتجاه؟
- لوقف هذا، لا نحتاج إلى تكنولوجيا استثنائية، ولا إلى قدرات عملياتية خاصة، المطلوب هو شيء أكثر ندرة بكثير: قيادة تفهم أن السلام يُصنع مع الأعداء، قيادة لديها رؤية، ولديها الشجاعة لاتخاذ قرارات تاريخية.
- كان لدى بن غوريون الرؤية والشجاعة والقدرة على اتخاذ قرارات تاريخية عندما أقام دولة إسرائيل، وكان يعلم بأن الجيوش العربية ستهاجم الييشوف اليهودي الصغير بعد يوم من الإعلان؛ وكانت لدى بيغن عندما صنع السلام مع مصر مباشرة بعد انقلاب سنة 1977؛ ولدى رابين عندما حاول توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين في نهاية الانتفاضة الأولى، ووقّع اتفاق سلام مع الأردن؛ كانت أيضاً لدى شارون عندما أمر بتنفيذ "السور الواقي" في الانتفاضة الثانية و"فك الارتباط" عن غزة في سنة 2005؛ وأيضاً لدى أولمرت عندما هاجم المفاعل النووي السوري في دير الزور، حتى أنه حاول قيادة حلّ مع الفلسطينيين، مستغلاً الانتصار على "الإرهاب" بعد الانتفاضة الثانية. لم تكن هذه الخطوات جميعها ناجعة لأسباب موضوعية و/أو ذاتية لن أدخل فيها الآن، لكنها دلّت على وجود قيادات مبادِرة، قيادية وشجاعة. هذه القيادات كانت تعلم كيف تصنع الأمل ضد كل الاحتمالات. الرؤية والقيادة والشجاعة هي التي أقامت الدولة، وهي فقط التي يمكن ضمانها لسنوات طويلة مستقبلاً.
إذاً، ماذا علينا أن نتوقع؟
- لذلك، أقترح علينا جميعاً أن نتجهز لموجة "الإرهاب" القادمة و/أو جولة إطلاق القذائف القادمة، لأنها ستأتي. في يوم النكبة، أو مسيرة الأعلام القريبة، وإن لم تحدث، فبعد وقت قصير. وحينها، سيكون هناك مؤتمر صحافي أيضاً، حيث سيقف رئيس الحكومة ويشرح لنا عن أهمية الاغتيالات الناجحة الأخيرة، وعن قدرتنا على إلحاق الضرر بأعدائنا في كل مكان والكثير من الشعارات المستنفَدة والكاذبة والمتّبعة.
- وسيكون من الجيد أن تتذكروا، حينها، أنه لم يتغير شيء، ومن الجيد أن نتجهز مرة أُخرى للجولة المقبلة بأسرع ما يمكن.