هل ما زال في إمكاننا الاعتراف بـ"حماس"؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تطلب من العالم مقاطعة "حماس" ومحاربتها، بينما تعترف هي بسلطتها على قطاع غزة كأمر واقع. ليس هذا فحسب، بل تساعدها أيضاً في تعزيز مكانتها، وتنظّم انتقال عشرات الملايين من الشيكلات شهرياً من أجل سكان القطاع، وتستقبل آلاف العمال الغزّيين، الذين من دون ذلك، لتحولوا إلى عبء على زعامة "حماس" يهدد استقرار سلطتها.
  • هذا الأمر المنافي للعقل لا يتوقف عند هذا الحد. إسرائيل تفرض حصاراً خانقاً على أكثر من مليونيْ شخص، وتمنع الطلاب من السفر للدراسة، وتفرض قيوداً على دخول المرضى إلى المؤسسات الطبية في الضفة الغربية، وفي إسرائيل، بحجة ضرورة ردع "حماس" وإجبارها على التخلي عن "الإرهاب". لكن جرعات العقوبات وحجمها يجري تنسيقها مع "حماس" نفسها (عبر الوساطة المصرية بالطبع)، ووفقاً لدرجة استجابتها لمطالب إسرائيل. وبعد مرور 16 عاماً على الحصار، يبدو هذا الترتيب طبيعياً للغاية، كأن القطاع خُلق هكذا، وكان هكذا على الدوام، ولا يجوز المسّ به.
  • الحصار لم يمنع إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ولم يوفر علينا عمليات عسكرية حملت أسماء ملائمة، وهو الذي أوجد المصطلح الكاذب "غلاف غزة" - والذي أدخل أكثر من مرة مناطق كاملة في إسرائيل في حصار وحياة الخوف - ولم يساهم شيئاً في الردع العسكري الذي تعتمد عليه مبادىء الحوار العنيف بين الجيش الإسرائيلي و"حماس". حوار مستمر طوال الوقت، على الرغم من الحصار، لأن مخطط تسلسُل المواجهات بين إسرائيل والجهاد الإسلامي و"حماس" قائم على أسلوب معروف سلفاً، حتى أنه يمكن اعتباره "متفَّقاً" عليه.
  • هو يبدأ بمنطقة لا تخضع للحصار، أحداث في حرم المسجد الأقصى، وفي جنين، أو في نابلس، وفاة أسير مضرب عن الطعام، مثل خضر عدنان، أو اعتقال شخص له علاقة بالجهاد الإسلامي في جنين، بسام السعدي. ويستمر مع إطلاق الصواريخ، الأمر الذي يجرّ إلى غارات، أو قصف مدفعي إسرائيلي. بعدها، يُطلب من مصر، وأحياناً أيضاً من قطر، التوسط من أجل تهدئة الجهاد، أو "حماس"، حتى يعود الهدوء بعد الهاوية.
  • ليس للحصار أيّ تأثير في بدء الحوادث، هو يُستخدم كسوط من أجل التوصل إلى التهدئة. والظاهر أن للحصار صمامات أمان تُدعى "تسهيلات". والهدف منها ضمان انصياع "حماس"، وامتناعها من القيام بنشاطات معادية لإسرائيل من غزة، ليس من طرفها فقط، بل من جانب أيّ تنظيم معادٍ آخر. هذا هو جوهر اتفاق الاعتراف القائم بينها وبين إسرائيل. لكن سوط التسهيلات لم يثبت دائماً أنه ناجع. عندما ترتفع الحجة الوطنية والسياسية، تهاجم "حماس"، بالاستناد إلى شكل يسمى تسمية خاطئة "الردع"، تعود إسرائيل و"حماس" في نهاية المواجهة إلى التسهيلات عينها، والحصار الذي جرى تحديد إطاره في اتفاقات جرى التوصل إليها بينهما مسبقاً.
  • والنتيجة أن الحصار الذي بدأ كوسيلة عقاب جماعية وردّ إسرائيلي وحشي على سيطرة "حماس" على غزة في سنة 2007، لم ينجح في أن يكون وسيلة ردع، وتحول إلى ورقة مساومة دبلوماسية بين إسرائيل و"حماس"، كما هو متعارَف عليه بين شريكين. والخدعة أنه من دون حصار، تستطيع إسرائيل تحقيق نتائج مماثلة، من دون الأذى الهائل الذي يسببه الحصار للسكان.
  • الفتح الكامل للمعابر من غزة إلى إسرائيل ومصر، وخضوعها لرقابة شديدة، مثل الرقابة الموجودة بين الأردن وإسرائيل؛ إعادة بناء المعامل التي دُمرت، وبناء معامل جديدة؛ بناء مرفأ في غزة، أو على جزيرة اصطناعية؛ إنتاج مشترك للغاز في مقابل سواحل غزة - كل هذه الأمور ستجلب الكثير من المال إلى جيب "حماس"، وهو ما سيجعلها أكثر قابليةً للإيذاء، وأكثر حساسيةً، حفاظاً على أرصدتها، وسيخلّصها من الاعتماد على الدول "المانحة"، مثل إيران.
  • للأسف الشديد، لا يوجد في هذا المقترح أيّ جديد. فقد جرى صوغه في تفاهمات جرى التوصل إليها بعد عملية الجرف الصامد [2014]، وقبلها في عمود سحاب [2012]، واتُّفق عليه في التفاهمات التي جرى التوصل إليها بعد المواجهات في سنة 2018.
  • لا شيء مستعجلاً، يمكن لهذا أن ينتظر أيضاً العملية المقبلة.