علَم أسود يرفرف فوق الاغتيالات في غزة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • خلال شهر تموز/يوليو 2002، وفي أوج الانتفاضة الثانية التي حصدت رقماً قياسياً من حيث عدد ضحايا "الإرهاب"، اغتالت إسرائيل، عبر قصف جوي، قائد الذراع العسكرية لحركة "حماس"، صلاح شحادة. قُتل في العملية، إلى جانب شحادة، 13 مواطناً فلسطينياً، بينهم نساء وأطفال. حينها، أقرّت لجنة تحقيق حكومية برئاسة قاضية المحكمة العليا السابقة طوفا شترسبرغ - كوهين، بأن الخطر الذي عكسه شحادة في ذلك الوقت، كان "مؤكداً، وفورياً وكبيراً"، لذلك، فإن ضربه كان مبرراً، بحسب قواعد القانون الإسرائيلي والدولي.
  • وبشأن الضرر الذي لحِق بالمدنيين الذين قُتلوا بسبب طريقة العمل التي اختيرت، أقرّت اللجنة بأن النتيجة كانت "غير متناسبة"، وهذا بحسب رؤية أجهزة الأمن ذاتها التي شهدت أمام اللجنة. وقالت اللجنة إن المسؤولين في الجيش و"الشاباك" أقروا خلال شهاداتهم بأنهم "لم يكونوا لينفّذوا العملية لو أنهم توقعوا النتائج الجانبية التي أثمرتها فعلاً هذه العملية." وأكثر من ذلك، فإن اللجنة أقرّت بشكل حاسم بأن "المبدأ الأساسي القيَمي والطبيعي" لدولة إسرائيل وأجهزة الأمن الخاصة بها كان ولا يزال ينص على أنه إذا كان هناك معلومات عن وجود أطفال في محيط المنطقة المتضررة جرّاء العملية العسكرية، ويمكن أن يُلحق الضرر بهم، فإنه "لا يجب تنفيذ العملية". بوضوح وحسم.
  • قبل أقل من أسبوعين، قامت إسرائيل بعملية اغتيال في قطاع غزة، واغتالت ثلاثة مسؤولين في "الجهاد الإسلامي": خليل بهتيني الذي كان قائد المنطقة الشمالية في غزة، واثنان آخران، هما جهاد غانم وطارق عز الدين. هنا أيضاً، كانت طريقة العمل ضربة جوية في ساعات الليل. وبالإضافة إلى المسؤولين الثلاثة، قُتل في العملية 10 مدنيين، بينهم زوجة البهتيني وابنته البالغة من العمر 4 أعوام؛ وزوجة غانم، واثنان من أولاد عز الدين. هذا بالإضافة إلى بعض جيرانهم، بينهم طبيب وزوجته وابنه وشقيقتان.
  • على عكس ما جرى خلال اغتيال شحادة، لم تدّعي هنا أجهزة الأمن أنها أخطأت التقدير بشأن عدد الإصابات في صفوف المدنيين، ومن هنا، يمكن الاستنتاج أن قتلهم في العملية كان متوقعاً، وتم أخذه بعين الاعتبار منذ البداية. وبكلمات أُخرى، المستويان العسكري والسياسي أمرا بتنفيذ العملية، واعتبرا أن قتل نشطاء الجهاد في الموعد نفسه "يبرر"، عملياتياً، وأيضاً قانونياً ومبدئياً، موت المدنيين الـ10 الذين قُتلوا في الهجوم، وبينهم نساء وأطفال.
  • مسألة التناسب هي السؤال الأساسي الذي بحسبه يتم فحص القرارات العسكرية، وهو ما يجري، استناداً إلى المعلومات المتوفرة قبل اتخاذ القرار. هذا بالإضافة إلى أنه يتم فحص التناسب ما بين "الفائدة" و"الضرر" المرافق للعملية. صحيح أن "التناسب" هو مصطلح فضفاض، وليس من السهل تعريفه، لكن غياب الحسم الواضح بشأن السؤال عن حجم الدم الذي يجب القياس عليه، لا يعني أنه لا يوجد أي قيود. في ذروة أيام الانتفاضة الثانية، عندما كان القرار يتطرق إلى الشخصية العسكرية ذات الوزن الأثقل في "حماس"، أقرّت اللجنة بأن تنفيذ العملية ممنوع في حال وجود أطفال يمكن أن يصابوا - ومن هنا، يمكن القول إن مقتل 13 شخصاً في المجمل نتيجة العملية، إن كان معروفاً مسبقاً، فهو غير متناسب، ولذلك، هو ممنوع وغير قانوني.
  • كيف اختفت هذه المعايير وكأنها لم تكن موجودة في الوقت الذي قرر المستويان السياسي والعسكري، المسؤولان عن تنفيذ العملية؟ فنتائج العملية تتخطى هذه المعايير بصورة واضحة. وفي غياب الإجابات والتفسيرات المقنعة، يتبين حجم الفجوة الأخلاقية بين المعايير التي كانت موجودة يوم اغتيال شحادة، وبين العملية ضد قيادات "الجهاد".
  • في قرار المحكمة العليا بشأن الاغتيالات - الذي أقرّ الإطار القانوني لهذه العمليات- وأيضاً في قضية شحادة، تمت الإشارة إلى أنه على دولة إسرائيل تشكيل لجنة تحقيق خارجية، مستقلة وغير مرتبطة، في كل مرة يلحق الضرر بمدنيين. وكما في لجنة التحقيق في قضية شحادة، يجب أيضاً فحص العملية ضد قيادات "الجهاد"، وهناك حاجة إلى فحص اجتماعي، أخلاقي وقيمي عميق. لا يجب ترك الموضوع من دون لجنة تحقيق خارجية ذات وزن، تقوم بفحص الاعتبارات لدى المستوى السياسي، والجيش و"الشاباك" - بغض النظر عن مكانة المسؤولين- وأن تصل إلى استنتاجات.
  • على الدولة تشكيل لجنة تحقيق في هذه القضية فوراً.

 

 

المزيد ضمن العدد