عملية "درع وسهم" هل يمكن تتويجها كـ"انتصار"
تاريخ المقال
المصدر
- الوقت هو الذي يسمح برؤية إنجازات ونتائج عملية "درع وسهم" منذ حدوثها، من منظور آخر. الجنرال البروسي كلاوزفيتس، عرّف الحرب قبل 200 عام، بأنها "استمرار للسياسة بوسائل أُخرى،" ولهذا التصنيف مغزى أيضاً إذا فكّكناه وأعدنا تركيبه من جديد، فهل "الوسائل الأُخرى"، أي العملية العسكرية، أدت إلى "استمرار للسياسة"؟ وهنا يبرز السؤال: ما هي هذه السياسة، سؤال عن غزة يُطرح كل مرة من جديد.
- هل يجب شنّ حملة شاملة لاحتلال القطاع والقضاء قضاءً مبرماً على "حماس" والجهاد الإسلامي وتنظيمات فلسطينية أُخرى، مع كل ما ينطوي عليه ذلك، على المستوى السياسي، ومن ناحية الثمن الدموي الذي سندفعه؟ هل يجب أن نعمل للتوصل إلى تهدئة نسبية دائمة/موقتة من خلال تحسين الوضع الاقتصادي في القطاع؟ أم نستمر في وجهة النظر التقليدية "الرد بالنار على النار"، والقيام بعمليات عسكرية كبيرة أو صغيرة عندما يقتضي الأمر، رداً على عمليات التنظيمات "الإرهابية"، أو وضع المواطنين الإسرائيليين؟
- من الواضح أنه سيكون هناك دائماً مَن يقول إنه يوجد أيضاً حل سياسي، ونظراً إلى أنه لا يوجد حلّ سياسي ممكن للنزاع مع الفلسطينيين عموماً في الوقت الحالي، فإنه أيضاً لا يوجد مثل هذه الصيغة مع تكوين سياسي، كلّ وجوده وتوجُّهه القضاء على دولة إسرائيل. وعلى الرغم من قدرة إسرائيل على تحقيق حسم عسكري من خلال الاستخدام المفرط للقوة، فإن مثل هذا الخيار لن تتخذه، في نهاية الأمر، قيادة مسؤولة مثل تلك الموجودة حالياً، من دون التطرق إلى مجمل الأثمان التي ينطوي عليها.
- مَن يدّعي أن عملية "درع وسهم" لا تختلف عن العمليات الإسرائيلية الأُخرى في غزة هو مخطىء ومضلل. أولاً القضاء على قيادة كاملة وقطع التسلسل القيادي للجهاد الإسلامي ليس إنجازاً تكتيكياً، بل هو إنجاز استراتيجي أيضاً، حتى لو كان موقتاً.
- والعملية دليل ملموس على حُسن الاستعدادات العملانية لها على كل المستويات والأذرع، بما فيها المستوى السياسي، وقد عززت الردع، وأرسلت رسالة واضحة إلى تنظيمات "إرهابية" أُخرى، وإلى الإيرانيين الذي يمسكون بالخيوط، رسالة وصلت جيداً إلى الرياض والإمارات، حيث قوة إسرائيل وقدرتها العملانية تشكلان اعتباراً مهماً في منظومتهما الجيو -سياسية. الطريقة التي انتهت فيها العملية كانت إنجازاً؛ فقد أرادت القيادتان السياسية والعسكرية إنهاء الجولة في أقرب وقت، لكن ليس في وقت مبكر جداً، واستغلال التعاون مع مصر والتأييد المطلق من الحليفة الأميركية، وهذا ما جرى.
- الأزمة المحلية لا تبقى محلية، وهذا الدرس كان واضحاً أمام أعين القيادة السياسية الإسرائيلية. الجهاد ومَن أرسله في طهران أرادوا العكس، ولم ينجحوا في ذلك. لم يفهم كل المعلّقين الإسرائيليين، أو لا يريدون أن يفهموا معاني العملية.
- على سبيل المثال، المعلّقة العسكرية المخضرمة كرميلا منشيه في قناة "كان 11" وصفت العملية بصورة ساخرة، إذ قالت " عملية ضد تنظيم 'إرهابي' لا قيمة له،" من دون الإشارة إلى أن الجهاد الإسلامي هو جزء من منظومة شاملة، رأسها في طهران؛ وفي حرب هذه الأيام، وبصورة أكبر في الحرب المستقبلية، إن حجم هذا الطرف أو ذاك لا أهمية له، بل الأدوات التي لديه. الدمار الذي يمكن أن تتسبب به مجموعة صغيرة، مع عدد قليل من الصواريخ، لا يقاس بعدد عناصرها.
- وهذا يعيدنا إلى مسألة هل يمكن تلخيص عملية "درع وسهم" كإنجاز مهم وتتويجها كـ"نصر"؟ إذا عدنا إلى تعريف كلاوزفيتس، فإن الانتصار في مواجهة عسكرية، يجب أن يقود إلى النتيجة السياسية المرجوة. من هذه الناحية، كان لإسرائيل في التاريخ 3 انتصارات واضحة: حرب 1948 التي ضمنت قيام الدولة في مواجهة عدو أكبر بكثير؛ وحرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] التي لم تضمن فقط حدودها، بل عززت مكانة إسرائيل الاستراتيجية في نظر أعدائها وأصدقائها على حد سواء؛ وحرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973] التي على الرغم من بدايتها المؤسفة، فإنها أدت إلى السلام مع أحد أهم أعدائنا، مصر.
- لقد كان من الممكن أن تشكل حرب لبنان الأولى [الغزو الإسرائيلي 1982] انتصاراً لولا الاعتبارات السياسية الخاطئة للحكومة الإسرائيلية، سواء على الصعيد اللبناني أو الفلسطيني، من هنا، فإن إنجازها العملاني الأساسي كان طرد ياسر عرفات وقيادة "فتح" من لبنان، وما جاء بعد ذلك من خلال اتفاقات أوسلو. حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006] لم تكن انتصاراً، بل كانت فشلاً.
- بالنسبة إلى "درع وسهم"، يمكننا الاكتفاء بأنها كانت إنجازاً عسكرياً مهماً، ستكون له تداعياته الإيجابية على مستويات أُخرى. لن نتوقف عند الأخطاء المتكررة في الدبلوماسية العامة، فلا يمكننا منع كل شيء، لكن يجب الامتناع من استخدام التعبير القاسي "ضرر جانبي" عندما يكون المقصود مقتل نساء وأطفال أبرياء. في المقابل، يجب التشديد على الفارق الأساسي بين توجيه قذائف وصواريخ نحو أماكن سكن مدنية، كما تفعل التنظيمات "الإرهابية"، وبين سقوط ضحايا أبرياء قُتلوا بسبب عدائية قادتهم.
الكلمات المفتاحية