إيران تخطّت الخط الأحمر الذي رسمه نتنياهو؛ هذا لا يعني أنها مندفعة نحو القنبلة
تاريخ المقال
المصدر
- قبل 42 عاماً، فوجئ كل من صدّام حسين والإدارة الأميركية والمجتمع الإسرائيلي أيضاً عندما قرّرت إسرائيل إرسال طائراتها وطيّاريها لتدمير المفاعل النووي القريب من بغداد قبل تشغليه. وفي أيلول/سبتمبر من سنة 2007، أيضاً فوجئ كل من المجتمع في إسرائيل وبشّار الأسد بعد أن سمعوا بقصف المفاعل النووي الذي قامت كوريا الشمالية بمنح سورية إياه، وأقيم بجانب دير الزور.
- أمّا الحالة الإيرانية، فمختلفة جوهرياً، فالإيرانيون والمجتمع في إسرائيل يناقشون البرنامج الإيراني النووي وإمكان الضربة الإسرائيلية طوال الـ25 عاماً الماضية. لقد أصبح البرنامج النووي الإيراني في مرحلة متقدمة خلال هذه السنة (2023)، وهو يتصدر العناوين. وتعود القيادات الإسرائيلية وتصرّح أنها لن تسمح لإيران بالوصول إلى السلاح النووي، والإدارة الأميركية تعزّز من تحركاتها العسكرية في المنطقة بهدف ردع إيران عن اتخاذ القرار بالاندفاع نحو القنبلة. حتّى إن مستشار الأمن القومي جاك سوليفان أوضح للمرّة الأولى أن الولايات المتحدة تعترف بحق إسرائيل بحرّية العمل في مواجهة إيران.
- تلقّى المجتمع في إسرائيل الأسبوع الماضي عدّة أخبار دراماتيكية بشأن وجود "قفزة إيرانية للوصول إلى القنبلة تفرض على إسرائيل تنفيذ ضربة." وتميّز الوضع العام في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة بصورة أساسية بحالة من الهلع، وقد أثارت عناوين الصحف، وأيضاً نشرات الأخبار، بالإضافة إلى تصريحات قيادات الدولة، حالة كأننا عشيّة ضرب إيران، لكن من الصعب تشخيص تطوّر جديد يبرّر هذه العناوين. إن سلاح الجو يتدرّب منذ سنوات على ضربة كهذه، والإيرانيون منذ ثلاثة أعوام على بعد مسافة قليلة (تتراوح بين عدّة أسابيع وأشهر قليلة) من الوصول إلى المواد الانشطارية اللازمة للقنبلة الأولى.
- وسنعدّد هُنا بعض الأسئلة الأساسية والإجابات البسيطة من أجل إعادة توضيح الوضع:
هل ستقوم إيران بصناعة قنبلة خلال الأشهر القريبة؟
- قطعاً لا. صحيح أن إيران على بُعد أسبوعَين من تخصيب يورانيوم إلى درجة 90% بكميّة كافية لقنبلة واحدة، منذ اتخاذ القرار بذلك، لكن الطريق إلى القنبلة يمر بتركيب منظومات سلاح معقدة وذكية جداً، وبحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيليّة، فإن هذا المسار سيستغرق عامَين من اتخاذ القرار. لم يُقرّر المرشد الأعلى الإيراني التخصيب أو الوصول إلى السلاح، كما أن تحسين العلاقات مع السعودية والدفع بحوار دبلوماسي مع الولايات المتحدة هو أمر يقلّل من المخاطرة التي سيتخذها قريباً.
هل تخطّت إيران الخط الأحمر الذي رسمه نتنياهو في الأمم المتحدة سنة 2012؟
- طبعاً، فالخط الأحمر الذي وضعه رئيس الحكومة هو 90% من المواد المطلوبة لقنبلة واحدة، لكن في الوقت الذي كانت إسرائيل مشغولة فيه بخمس جولات انتخابية، راكمت إيران كميات من اليورانيوم المخصّب الذي إذا تم تخصيبه على درجة الاستخدام العسكري، فإنه سيكفي لـصنع 5-7 قنابل. عملياً، إيران كانت حذرة بعدم تخطّي هذا الخط حتى انسحاب ترامب من الاتفاق النووي سنة 2018، ومنذ ذلك الوقت وهي تتقدّم باستمرار. وعلى الرغم من ذلك، فإن السؤال هو: ما هو الخط الأحمر في سنة 2023؟ هل هو تخصيب حتى 90%، أو تفعيل سلاح، أو الانسحاب من معاهدة منع انتشار السلاح النووي؟ تلتزم الولايات المتحدة وإسرائيل الحذر الشديد بعدم الكشف عن هذه الخطوط الحمراء الخاصة بهم علناً.
هل لا يزال من الممكن وقف إيران؟
- طبعاً، إن وقف إيران لا يزال ممكناً بالطرق الدبلوماسية، وأيضاً عبر العمل العسكري. وفي جميع الأحوال، ستكون حظوظ إسرائيل بوقف إيران أكبر بكثير إن قامت إسرائيل بتنسيق استراتيجيتها مع القوة العظمى التي لا تزال تشاركها الهدف نفسه؛ ومن أجل "ألاّ يكون لدى إيران سلاحاً نووياً أبداً." يتوجب على إسرائيل أن تقوم بصوغ إطار للاتفاقات مع الإدارة الأميركية، تضمن من خلالها القدرة على معرفة وتشخيص لحظة اتخاذ القرار الإيراني بالدفع بخطة السلاح أو الوصول إلى قنبلة، وتعزيز القدرات العسكرية لإسرائيل لوقف مسار كهذا، وحفظ حرّية العمل للقيام بذلك، والحصول على دعم أميركي في سيناريو حدوث مواجهة مستمرة (من أجل حصر مواجهة كهذه وإنهائها)، والتزام أميركي بأن إيران لن تستطيع ترميم برنامجها النووي بعد الضربة. إطار كهذا سيرفع من إمكانات ردع إيران عن اتخاذ القرار بتخصيب كميّة كبيرة وأيضاً تطوير سلاح نووي، ويضمن قدرة كبح ومنع إسرائيلية فعّالة في حال قرّرت إيران القيام بذلك.
هل الولايات المتحدة وإيران في الطريق لاتفاق نووي؟
- إنه ليس اتفاقاً، لكن من المؤكد أنه يمكن أن يكون مجموعة تفاهمات. إيران والولايات المتحدة لا تستطيعان العودة إلى JSPOA، لكن كلَيهما غير معنيّتَين بالوصول إلى مواجهة، وتتعاملان بحذر بشأن تخطّي كل منهما الخطوط الحمر للأُخرى. هُناك إشارات تشهد على تطوّر حوار بينهما؛ تجهيزات لتحرير مليارات الدولارات المحتجزة في كوريا واليابان والعراق في إطار صفقة تحرير أسرى، وتفاهمات بين وكالة الطاقة الذرية وإيران بشأن إعادة بعض الكاميرات التابعة للوكالة في مقابل إغلاق ملفَين من أربعة ملفّات مفتوحة. إن كانت هناك تفاهمات، فإنه من المتوقع أن تكون في صيغة "التجميد في مقابل التجميد"؛ فالإيرانيون يوقفون مراكمة اليورانيوم المخصّب (على الأقل حتى مستوى 60%)، والأميركيون، بعد تحرير 13 مليار دولار، لن يفرضوا مزيداً من العقوبات.
- لدى الإدارة الأميركية مصلحة بالدفع بهذه التفاهمات، ليس بالضرورة نحو اتفاق رسمي يورّط الرئيس أمام الكونغرس، إنما الدفع بالتفاهمات نحو تجميد الوضع في مقابل إيران، والسماح للرئيس بتركيز جهوده في الحرب الأوكرانية، وهاتان الساحتان ستحددان إرثه في السياسة الخارجية. وفي المقابل، يبدو أن الإدارة تستثمر كثيراً من الجهود بالدفع بالعلاقات مع السعودية، وفي هذا الإطار أيضاً التطبيع مع إسرائيل.
- لدى الإيرانيين مصلحة بتخفيف الضغط الاقتصادي والسياسي، حتّى لو كان الثمن تجميد البرنامج النووي في مكانه الحالي - بعد أن حصلت على القدرة على التخصيب بمستويات عالية وبناء نواة قنبلة نووية - بصورة تعزّز من شرعية البرنامج النووي والنظام، وتترك لدى القيادة الإيرانية الفرصة للتقدّم مستقبلاً نحو قنبلة نووية. وحالياً، تبدو الاستفادة في الوقت الراهن من أجواء المصالحة الإقليمية المنتشرة في الشرق الأوسط، بعد الاتفاق السعودي - الإيراني.
هل التفاهمات الإيرانية - الأميركية سيئة لإسرائيل ؟
- علينا أن نعرف تفصيلات التفاهمات - وهناك تفاهمات يمكن لإسرائيل أن تتعايش معها. إذا لم تكُن رسمية وبالتالي لن تلحق الضرر بحريّة العمل الإسرائيلي، وتجمد بنود "الغروب" (التي تلغي القيود على البرنامج النووي الإيراني بعد سنوات معدودة)، وتقوّي من الرقابة الدولية على البرنامج النووي ويمكن أن تكون أساساً لـ"اتفاق أطول وأكثر صرامة" كما التزم الرئيس بايدن سابقاً - في هذه الأثناء ستحصل إسرائيل على وقت ثمين من أجل تحسين استعداداتها لمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي مستقبلاً. أمّا إذا كانت هذه التفاهمات جزئية وستستعمل كمبرّر لإزالة الموضوع عن العناوين الأولى وفرض قيود على حرّية الحركة الإسرائيلية، فإن هذا يطرح مخاطر جديّة على إسرائيل. في جميع الأحوال، إن التحدي الإسرائيلي المركزي سيكون إبقاء الموضوع الإيراني على رأس الأجندات الدولية، وفي واشنطن بصورة خاصة، كي تتأكد من أن الأمور لم تنته، إنما جُمدت من أجل الوصول إلى إنجازات أفضل من الاتفاق النووي الذي تم توقيعه سنة 2015.
- وضع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لحكومته هدفاً أعلى منذ يوم تأليفها، وعاد وأكد عليه الأسبوع الماضي؛ "منْع إيران من الوصول إلى السلاح النووي"، ومن أجل ذلك، يجب إغلاق الفجوة بين الأقوال والأفعال. إن وقف إيران ومنعها من الوصول إلى سلاح نووي ليس هدفاً ثانوياً في المرحلة الذي وصل إليها البرنامج النووي الإيراني الآن، وفي الوقت الذي تتجهّز فيه إيران منذ أكثر من عشرة أعوام للرد على أي ضربة، وفي الوقت الذي تتركز فيه الأنظار دولياً على "الحرب الباردة" بين الصين والولايات المتحدة وعلى "الحرب المشتعلة" في أوكرانيا. حتى في الأوقات العادية، فإن المقصود تحدٍ سياسي وعسكري واقتصادي كبير، ويحتاج إلى تجنيد مختلف الموارد القومية المتطورة.
- وعلى الرغم من ذلك، فإن هدفاً كهذا لا يزال ممكناً، وفي إمكان إسرائيل تحقيقه، ومن أجل الوصول إليه، يتوجب على حكومة إسرائيل أن تضعه على رأس سلّم أولوياتها، وعلى حساب القضايا الأُخرى الأقل إلحاحاً. يجب ترك المبادرات التشريعية التي أدّت إلى الأزمة الداخلية وشجّعت أعداءنا، ويجب وقف الخطوات الاستفزازية التي تخرق التفاهمات مع واشنطن في الضفة، وتركيز الجهود بتقوية سريعة وفعّالة للاقتصاد الإسرائيلي والحصانة القومية، وهما الأمران الضروريان لاستكمال التحضيرات الأمنية والسياسية للمعركة في مواجهة النووي الإيراني، بالإضافة إلى ترميم العلاقات مع إدارة بايدن، الذي لا يزال ملتزماً بأمن إسرائيل وبمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي.