الدولة ثنائية القومية هنا: فصل شرقي القدس عن غربيّها سيؤدي إلى كارثة اقتصادية
تاريخ المقال
المصدر
- يوم 4 حزيران/يونيو 1969، أعلنت رئيسة حكومة إسرائيل غولدا مئير أن "قرارنا الحاسم هو توفير العمل للفلسطينيين." تلك كانت أيام تطوير وتوسيع عاصمة إسرائيل، عامان فقط بعد النصر في حرب الأيام الستة و"توحيد" المدينة. في الحقيقة، مئير لم تقلق من عمل الفلسطينيين كما كانت قلقة فعلاً من الميزان الديموغرافي في العاصمة. ولم تنشغل بحل مشاكل عرب المدينة، بل انشغلت أكثر بإقامة وتطوير أحياء يهودية تمنع أي انتشار فلسطيني.
- خلال التصويت في الحكومة على هذه الخطوة، حذّر أحد الوزراء من التحديات الأمنية المتعلقة بتشغيل سكان المناطق، وحذّرت بقية الوزراء من تحوُّل سكان الضفة إلى "حطابين وسقاة ماء لإسرائيل." حينها، وفي الوقت الذي كانت جميع أعمال البناء والخدمات والتمريض، وكذلك التنظيف، في يد مواطني إسرائيل، حذّر وزير المالية بنحاس سابير من إغراق إسرائيل في عمالة رخيصة تحوّلنا، نحن مواطني الدولة، إلى سادة أغنياء نعتمد على العمالة المأجورة.
- 55 عاماً مرت، وعدد سكان القدس الشرقية قفز من 7000 إلى 350 ألفاً. إلا إن البعد الديموغرافي ليس سوى جزء صغير من أزمة شاملة وواسعة أكثر. كشف استطلاع للرأي أُجريَ مؤخراً في القدس، أن جميع الأعمال في البناء والخدمات والنقل، وكذلك التنظيفات - موجودة في يد العرب من سكان القدس الشرقية: نحو 60 ألف عامل يخرجون يومياً للعمل في غربي المدينة.
- صافرة الإنذار دوّت للمرة الأولى قبل 8 أعوام، خلال ذروة "انتفاضة السكاكين". مجموعة من الخبراء ومسؤولين كبار سابقين في مجالات الأمن والسياسة، طالبوا بفصل نحو200 ألف من سكان القدس الشرقية وضمّهم بشكل أحادي الجانب إلى السلطة الفلسطينية. التبريرات كانت سياسية بالأساس، لكنها تضمنت أيضاً أبعاداً اقتصادية واجتماعية. وبعد تفكير مطول، اكتشف الخبراء أن فصل شرقي المدينة عن غربيّها سيؤدي إلى كارثة اقتصادية، ستلحق بالأساس بغربي المدينة وسكانها اليهود.
- كان يمكن الشعور ببوادر الأزمة منذ الانتفاضة الثانية، حين تم تقصير فترات الإغلاقات ومنع التجول في القدس الشرقية بسبب العمليات الصعبة، المرة تلو الأُخرى، كي تستطيع القدس الحفاظ على وتيرة حياة عادية واقتصاد فاعل. العالمون بالأمور كانوا يقولون إن مَن يعلن منع التجول هو رئيس نقابة عمال البناء، وليس رئيس الحكومة، أو وزير الدفاع. سكان العاصمة الذين كانوا في طريقهم إلى العمل، تم استدعاؤهم إلى المستشفيات وبيوت المسنين، بهدف الاهتمام بأهاليهم هناك. ومَن لم يجد سائق تاكسي، أو عاملاً ليوم واحد - كان يسارع إلى السؤال عن موعد فتح الحواجز مرة أُخرى.
- الدولة ثنائية القومية هنا. مَن يعتقد أنه يوجد عمال إسرائيليون، أو صينيون، أو رومانيون، أو حتى أتراك، يقبلون الحلول محل أبناء القدس الشرقية في مقابل راتب حد أدنى - فليقُم. مَن يؤمن بأنه من الممكن أن ندبر أمورنا من دون 60 ألف عامل من القدس الشرقية، يحملون على أكتافهم حِمل تشغيل "عاصمة" إسرائيل يومياً، لا يفهم الواقع، أو ببساطة، هو يوهم نفسه.