الخيال السياسي كعلاج لليأس إزاء الفلسطينيين
تاريخ المقال
المصدر
- تعالوا نبذل كل ما في وسعنا كي لا نفكر في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. تعالوا نبذل كل ما في وسعنا كي لا نفكر في الاحتلال، والسيطرة العسكرية، والضم، والصراع، والحرب. قال المهاتما غاندي إن الإنسان الأكثر سعادة هو الذي لم يغادر القرية التي وُلد فيها، وعلى ما يبدو، فإننا نجد صعوبة في التخلي عن الأمور المريحة من أجل تعديل وتحسين الوضع المتأزم للصهيونية بعد مئة عام وأكثر.
- وهذا مفهوم تماماً. في التسعينيات، عندما كنا نحاول التوصل إلى حل واتفاق، وجدنا أنفسنا منقسمين داخلياً أكثر من أي وقت مضى، ووجدنا أنفسنا نوقظ الشياطين النائمة، ونحوّل الاحتجاج الشعبي الفلسطيني إلى كفاح مسلح. لذلك، أليس من الأفضل عدم التطرق إلى الموضوع؟ هل من الأفضل محاربة الإرهاب فقط والحزن على أمواتنا لأنه لا يوجد خيار آخر؟ وهل هذا كل شيء؟ وهل من المنطقي، في هذه الأثناء، أن تتزعزع، كل عدة أشهر، حياة أولادي وحياتي وحياة عشرات الآلاف من الإسرائيليين في سيدروت وغلاف غزة، وملايين الغزّيين وراء الحدود، ثم بعد ذلك نعود إلى الحياة "الطبيعية"؟
- الجواب هو "كلا". إن أثمان الكبت والنكران رهيبة. تذكروا أين كانت قوة "حماس" والجهاد الإسلامي عندما سقط أول صاروخ قسام في سيدروت في نيسان/ أبريل 2001، وأين أصبحت اليوم. تذكروا الدور الكبير للسلطة الفلسطينية في كبح "الإرهاب" طوال هذه السنوات (وليس من قبيل الصدفة أن حكومة اليمين لم تتجرأ على إلغاء اتفاق أوسلو)، وإلى أي حد أصبحت اليوم ضعيفة ومن دون مغزى. تذكروا أن اتفاقات أبراهام التاريخية لم تؤمّن لنا الهدوء. تذكروا مشروع الضم لكل من بتسلئيل سموتريتش وأوريت ستروك اللذَين يؤمنان بأن الله معنا وأنه سيأتي في يوم نستيقظ فيه ببساطة لنجد أن الفلسطينيين اختفوا.
- تذكروا فرقة الروك "هايف" التي قالت: "أبشروا، الوضع يمكن أن يكون أسوأ. أبشروا، كان الوضع أسوأ." إن القدرة التفجيرية حول نقاط الاحتكاك والقوة العسكرية الدائمة التي لدينا هي هائلة. وليس من قبيل الصدفة أن يردد رؤساء المؤسسة الأمنية عندنا في الحاضر والماضي معزوفة حدود القوة والحاجة إلى خطوات سياسية من أجل إحداث تغيير.
- ماذا نفعل مع الحال هذه؟ هل نعود إلى الاعتقاد الكلاسيكي بشأن دولتَين لشعبَين؟ أو إلى وهم سياج حدودي أعلى؟ هم هناك ونحن هنا، والسلام على إسرائيل. هذا أيضاً ليس حلاً. نحن أمام واقع مختلف تماما؛ يعيش بين البحر والنهر قرابة 16 مليون شخص، نصفهم يهود، والنصف الآخر من العرب. هناك أغلبية مطلقة من اليهود الصهيونيين وأغلبية مطلقة من العرب الفلسطينيين مع هويتهم العرقية والسياسية. الانفصال هو أمر خيالي مفهوم، لكنه ليس واقعياً بأي صورة من الصور.
- يوجد مصير واحد يجمعنا هنا. لقد جاء أفراد عائلتي من ليبيا ومن سورية، وحلموا بنابلس والخليل وبيت لحم والقدس، وفي الجهة الأُخرى، يواصل الفلسطينيون الحلم بحيفا ويافا والمجدل. كل واحد من هذَين الاثنين يقول: "كل شيء لي"، لكن كيف سيتقاسمان؟ أنا أؤمن بالكونفدرالية؛ بدولتَين في وطن واحد. لقد عملت مع أصدقائي في السنوات الأخيرة على تحسين النموذج الذي يشبه، أساساً، نموذج الاتحاد الأوروبي؛ وجود دولتَين ديمقراطيتَين مستقلتَين، جنباً إلى جنب، مع الترتيبات الأمنية المطلوبة، ومع حدود نصف مفتوحة ومفتوحة بالكامل، ومع تعاون اقتصادي وبيئي وأمني.
- نحن الآن في ذروة "أسبوع النقاشات" في حركة " بلد للجميع" الذي يدفع قدماً بالحل الكونفدرالي. وأنا أحب أن أكون جزءاً من هذه المنظمة لسبب واحد مركزي؛ لدينا خيال سياسي. إنها الحاجة الضرورية والتي يفتقر إليها المجتمع الإسرائيلي. لدينا خيال سياسي، ونحن مستعدون للحديث عنه والنقاش فيه، ليس من أجل أن نقنع الآخرين بأن لدينا كل الحقيقة، بل من أجل الخروج من اليأس الذي يحيط بالنزاع. ومن دون القيام بذلك، نخطئ في القيام بواجبنا الأساسي تجاه أنفسنا، وتجاه أولادنا والأجيال المقبلة. يتعين علينا أن نمنحهم الأمن المستديم كي يتمكنوا من تحقيق الازدهار في الوطن. هذا ما أؤمن به.
الكلمات المفتاحية