علامَ نناضل في التظاهرات ضد الانقلاب القضائي؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

 

  • يعيش في دولة إسرائيل اليوم نحو 45% من يهود العالم. وبحسب دائرة الإحصاء المركزية، فإن عدد اليهود في مختلف الجاليات حول العالم وصل سنة 2021 إلى نحو 2 مليون يهودي من مختلف المجموعات المتعددة، ويعيش منهم في إسرائيل 6,983,000 يهودي من مختلف التيّارات؛ كالحريديم، والمتديّنين الأصوليين، والمسيانيين، والحاباديين [من أتباع حركة حباد للحريديم التي مقرها بروكلين]، والبريسلافيين [أتباع الحاخام نحمان بريسلاف، وسمي كذلك نسبة إلى مدينة بريسلاف في أوكرانيا، مسقط رأسه]، والشاسيين [نسبة إلى حزب شاس لليهود الشرقيين]، والليتوانيين، والحسيديم، والناطوري كارتا، واليهود التقليديين، واليهود الإصلاحيين، والمحافظين، والصهيونيين، والأحرار، والعلمانيين، والمعادين للمتدينين والملحدين. لكُل يهودي في العالم توجد هوية يهودية مختلفة ضمن تسلسل بين متدينين وأحرار. لا توجد، ولم تكُن هناك يوماً، هوية يهودية واحدة.
  • وبحسب آخر تحديث لدائرة الإحصاء المركزية، في سنة 2023، يعيش في إسرائيل نحو 7.1 مليون يهودي، ولكُل واحد منهم رأي حاسم في الهوية اليهودية، وفي نوع اليهودية التي ينتمي إليها، أو نوع الحياة التي يريد عيشها هنا أو يريد أن يتحرر منها.
  • حان الوقت لأن تقوم دولة إسرائيل، التي يعيش فيها اليوم أكثر من 9.7 مليون إسرائيلي من أديان متعددة، بتوضيح موقفها من الروحية المدنية الديمقراطية - الليبرالية المشتركة لجميع مواطنيها وسكّانها، وليس الروحية اليهودية الدينية – القومية – الحريدية – المسيانية – ومن أتباع الهيكل – الليتوانية – الحسيدية – الاستيطانية أو الليبرالية – الإصلاحية، الحرة أو الإلحادية – المقسّمة إلى جماعات يهودية متناقضة فيما بينها وتكره بعضها؛ فالشعب اليهودي انقسم إلى مجموعات، تكره الواحدة منها الأُخرى، ولا تحتملها، وتشك فيها، كما أيضاً تتناقض معها.
  • انقسم الشعب اليهودي إلى مجموعات تعادي الواحدة منها الأُخرى، وتشك الواحدة منها في الأُخرى، وتنفر ويخاف بعضها من البعض الآخر، وذلك جرّاء اختيار اليمين الديني القومي الإسرائيلي "أرض إسرائيل الكاملة" ضمن تخوم الاحتلال المُفسد والمستوطنات غير القانونية، المهمة بالنسبة إليه أكثر من شعب إسرائيل. بالإضافة إلى اختيار اليمين القومي تأبيد الاحتلال غير القانوني، الذي يفرض بدوره أبارتهايد قانونياً ودستورياً بين أبناء الديانات والقوميات المتعددة، وديكتاتورية عسكرية على الفلسطينيين باسم الدفاع عن المستوطنات غير القانونية.
  • هذا الانقسام تعزّز نتيجة قيام حزب "نوعام" الكاره للمثليين بفرض الهوية اليهودية (المدارس الدينية تسمي يشيفوت هاكف، ومسيرة البهائم [مسيرات نظمها المتطرفون برفقة الحمير والماعز]، وشعار "العائلة هي أم وأب" ضد المثليين)، ونتيجة الأعمال الإجرامية القومية الدينية العنصرية لحزب "قوة يهودية" و"الصهيونية الدينية" في شكلها الحالي، عندما تحوّل الكاهانيون التابعون لحركة "كاخ" غير القانونية إلى وزراء في الحكومة، وبات المجرمون المُدانون مسؤولين كوزراء عن القانون، والاقتصاد، والأمن. لا يوجد الآن قاسم مشترك، باستثناء البقاء كبشر مستقلين وأحرار في دولة اليهود فيها مواطنون يتحدّثون العبرية، وليسوا أقلية دينية مُلاحقة.
  • دمر الاحتلال المُفسد، الذي يهدف إلى السيطرة على "أرض إسرائيل الكاملة"، ويفضّل الأرض على الإنسان، العالمَ اليهودي المشترك، الذي كان، على مدار أجيال عالماً من المعرفة والحقيقة والعدل والخير والأخوّة والمسؤولية المشتركة. إن التراجيديا هنا هي أن الهوية اليهودية المشتركة لآلاف الأعوام انهارت بصورة خاصة في دولة إسرائيل، وبصورة خاصة على يد المحافظين على التعاليم الدينية، الذين فضّلوا القومية الدينية المسيانية العنصرية الساعية لبناء الهيكل و"بداية الخلاص" على الاعتراف بحقوق الإنسان والمواطن، الآن وهُنا، لكُل سكّان البلد.
  • من أصل 9.7 مليون شخص يسكن في إسرائيل، هُناك نحو نصف مليون يهودي يعيش في مستوطنات الضفة الغربية، إلى جانب أغلبية فلسطينية تعيش تحت حكم إسرائيل. هُناك إحصاءات متعددة عن عدد الفلسطينيين هُناك، تتراوح أغلبيتها بين 2 و3.2 مليون فلسطيني، من دون جنسية إسرائيلية، ومن دون أي حقوق إنسان أو مواطنية. بصيغة أُخرى؛ إن عدد الفلسطينيين أكبر بكثير من عدد الإسرائيليين الذين يعيشون اليوم في المناطق المحتلة، حيث المستوطنات هناك غير قانونية بحسب القانون الدولي.
  • وبحسب معطيات سنة 2023، فإن 73.5% من سكّان إسرائيل البالغ عددهم 9.7 مليون نسمة معرّفون كيهود (نحو 7.1 مليون)، و21% منهم عرب مسلمون أو عرب مسيحيون أو دروز (نحو 2.037 مليون)، و5.5% (نحو 534 ألفاً) معرّفون كـ"آخرين"، منهم 300 ألف يهودي، بحسب قانون "العودة"، من دون تصنيف ديني، والبقية هم مسيحيون غير عرب، وأبناء ديانات أُخرى.
  • إذن، فهناك في إسرائيل أغلبية يهودية بين المواطنين، بالولادة أو من خلال اعتناق الديانة اليهودية، ولا يجب القلق على يهودية الدولة، لكن هناك جمهوراً واسعاً غير يهودي، ويجب أن تكون له حقوق. لا يريد المجتمع العلماني المدني الديمقراطي الليبرالي دولة تفرض عليه هويته اليهودية، لأن كلاًّ من الديانة اليهودية المسيانية التي تقدّس بناء الهيكل، والعنصريين المستوطنين الذين يخرقون القانون، ويعملون ضد سيادة الدولة منذ سنة 1967، وبعد ذلك في وقت لاحق -وبصورة مكثّفة أكثر منذ العام 1974، مع بدء الاستيطان غير القانوني في سبسطية-يثيرون لدى كثيرين الخوف والإقصاء واليأس.
  • إن المجتمع الحريدي الانعزالي، الذي يرفض المشاركة في تحمل العبء والدفاع عن الدولة والمساهمة في الاقتصاد، والمجتمع الاستيطاني القومي - العنصري الذي ينكر حقوق الإنسان لكُل من هو غير يهودي وينشئ واقعاً من الظلم والتمييز، والنهب والكذب والأبارتهايد في الضفة، ويسعى لاستبدال الديمقراطية الليبرالية بديكتاتورية ثيوقراطية ملكية مسيانية، مركزها بناء الهيكل، و جوهرها قوانين التوراة؛ هذان المجتمعان يعززان الكراهية والعداء والخوف والغضب في أواسط المجتمع الحر العلماني، أو المحافظ الديمقراطي، وفي أواسط كُل من لا ينتمي إلى الحريديم أو إلى المستوطنين.
  • طبعاً، يوجد جمهور يحافظ على التعاليم الدينية يتعلّم ويخدم في الجيش، ويؤمن بحقوق الإنسان والمواطن لكُل سكّان البلد، ويعارض الاحتلال والظلم الناتج منه، ويعارض الانقلاب الدستوري ويساهم في مختلف المجالات، وهذا الجمهور الذي نتحدث عنه، لا يوجد لدينا اعتراض عليه، بل على العكس، فإن هناك مؤسسات كثيرة كـ"حاخامات من أجل حقوق الإنسان"، و"عوز و شلوم"[حركة السلام الدينية]، و"ميماد"، و"تاغ مئير" [معاً ضد العنصرية]، و"ياد سارة" [منظمة تطوعية وطنية في إسرائيل]، و"حاخامات تسوهار" [منظمة إسرائيلية للمتدينين]، واليهودية التقدمية أو اليهودية الليبرالية، تستحق الاحترام والتقدير و تحظى بالتعاون مع جميع أطراف الجمهور الديمقراطي.
  • ولأننا لم ننجح، في العقود الأولى من تأسيس الدولة، في فصل الدين عن الدولة، وصوغ دستور مدني علماني وعادل يدافع عن حقوق الإنسان والمواطن لكُل سكّان البلد، وجدنا أنفسنا في العقد الثامن لتأسيس الدولة تحت سُلطة حكومة تمثّل جمهور المستوطنين القومي-المسياني - العنصري الظالم، أو الجمهور الحريدي؛ والعاطل عن العمل، والمتهرّب والمبتز، الذي سلوكه الهرمية والعنصرية في المحاكم الدينية التي يخضع لها المجتمع اليهودي برمّته، غير مقبول في القرن الـ21 في دولة ديمقراطية ليبرالية.
  • إن الجمهور المدني الليبرالي، الحر والعلماني، الذي يفضّل أن يعيش في إسرائيل كدولة، جميع مواطنيها أفراد أحرار، يختارون نمط حياتهم في كُل مجال في إطار القانون-خارج حدود الرقابة الحاخامية أو القانون الديني-يرفض الإكراه الديني، كما يرفض فرض أي هوية يهودية، وكُل عمليّة فرض للدين أو تدخّل لممثلي المستوطنين أو الحريديم في تعليم أولاده.
  • أيضاً، هؤلاء مرفوضون أخلاقياً، بسبب ما قاموا به، وبسبب قراراتهم وطريقة تفكيرهم وتصرفاتهم، التي لا علاقة لها بالتسمية، سواء كانت "الإرث اليهودي" أو "أوامر المصالحة" أو "البيت المشترك" أو "التديين" أو "سُلطة الهوية الدينية والقومية"، فقد سقط كُل هذا في اللحظة التي مالت السيطرة فيها إلى المستوطنين داعمي "قانون القومية"، الذي يؤبد الاحتلال المفسد والأبارتهايد. إن الهوية اليهودية لكُل إنسان، وفي كُل سياق، هي شأن خاص وخيار فردي حصري، وليست قضيّة لها علاقة بالدولة. إن المواطن الليبرالي، الذي يؤمن بالعدالة والمساواة واحترام الإنسان وحريته، وبالحقوق والحريّات لكُل إنسان من دون تمييز في الدين والقومية والجنس والإثنية في دولة ديمقراطية ليبرالية مدنية، يلتزم المحافظة على الفصل بين السلطات الثلاث وبنظام قانوني مستقل عن السياسة، وسيرفض التعاون مع من يؤمن بالتفوّق اليهودي، أو بالعنصرية اليهودية، أو بقانون القومية.
  • إن القاسم المشترك الوحيد لكُل سكان البلد يجب أن يكون القاسم المشترك المدني والمتساوي، وليس القاسم المشترك اليهودي، الإقصائي والانعزالي. في أساس الروح المدنية، منذ الثورة الفرنسية وبعدها، توجد المساواة والأخوّة وكرامة الإنسان وحقوقه وحرّيته، من دون فرق في الدين، والقومية، والجنس، والإثنية. هذه الحقوق ضمنتها "وثيقة الاستقلال" لكُل سكان إسرائيل، لكن المستوطنين الذين دعموا قانون القومية، ويطمحون إلى انقلاب دستوي يشرعن ضم الضفة، وديكتاتورية ملكية مسيانية، بالإضافة إلى الحريديم على اختلاف مناهجهم، الذين يريدون أن يعيشوا في عالم ديني هرمي انعزالي، يشمل تمييز النساء والعنصرية الدينية والقومية، يقومون بكُل ما يستطيعون من أجل مسح كُل ما تضمنته وثيقة الاستقلال بشأن الحريات، والسلام، والعدل، والمساواة لكُل سكّان البلد، من دون فرق في الدين، والجنس، والقومية.
  • سيكون من الجيّد أن يسارع كُل إنسان في إسرائيل نحو فهم هذه الحقيقة؛ حقيقة أنه لا توجد ديمقراطية حصرية لليهود، كما لا توجد أي دولة في العالم الغربي الديمقراطي الليبرالي تضمن ديمقراطية للمسيحيين فقط.
  • يتوجب على معارضي الانقلاب القضائي أن يطالبوا بـ4 قضايا ويناضلوا من أجلها:
  • وقف الانقلاب الدستوري وجميع قوانينه التي تهدف إلى ديكتاتورية قومية-دينية-مسيانية، تشرعن ضم المناطق المحتلة.
  • إنهاء الاحتلال المُفسد ومنح كُل من يعيش تحت السيادة الإسرائيلية حقوقَ المواطنة.
  • تشريع قانون أساس؛ التشريع لقانون متساوٍ لدولة ديمقراطية ليبرالية، يضمن المساواة لكُل مواطنيها، ويضمن للجميع قضاء واحداً قانوناً واحداً.
  • فصل الدين عن الدولة.