ظاهرة العبوات توسعت: ليست ذكية، لكنها تستوجب التغيير-وعملية محدودة زمنياً
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

 

  • لقد كانت مسألة وقت حتى يطوّر "المخربون" في منطقة جنين، وبصورة خاصة في مخيم جنين، أدوات وطرق عمل من أجل وقف الاقتحامات والاعتقالات وإحباط الخلايا "الإرهابية" التي يقوم بها الجيش. أمس الإثنين، نجحوا في القيام بذلك بواسطة عبوة أصابت مركبة عسكرية عملياتية من نوع "النمر" تابعة للجيش، تواجدت فيها قوة من المستعربين من "حرس الحدود" وجنود من الجيش كانوا يعملون سوياً.
  • الضرر الذي لحِق بالمركبة العسكرية لم يكن نتيجة فخ ذكي تم التخطيط له، بل نتيجة عملية زرع عبوات قام بها "المخربون" خلال الأشهر الماضية على طول الطريق المؤدية إلى مخيم جنين، وإلى جنين ذاتها، وأيضاً إلى وادي برقين القريب منها. مركبة "النمر" أصيبت وهي في طريق الخروج، بعد نهاية حملة اعتقالات "ناجحة". تحركت المركبة في الساعة 7 صباحاً، في ضوء النهار؛ وبالإضافة إلى العبوة، تم إطلاق النار في اتجاهها عن بُعد من أطراف مخيم جنين.
  • هذه الحقائق مهمة لفهم أنه لم يكن هناك فخ تم التخطيط له من أجل استهداف القوة، أو تسريب معلومات عن الحملة إلى "المخربين" الفلسطينيين، إنما كان هناك تحليل صحيح يستند إلى عام تقريباً من الخبرة في محاور الوصول والانسحاب التي تستخدمها القوات الخاصة في الجيش، للقيام باقتحامات موضعية، استناداً إلى معلومات استخباراتية لاعتقال "مطلوبين"، أو "إحباط" خلايا "إرهابية" تخطط لتنفيذ عمليات.
  • "المخربون" الفلسطينيون، التابعون لـ"الجهاد الإسلامي" و"حماس"، بدأوا بزرع العبوات على المحاور المتوقع أن يستخدمها الجيش منذ نهاية العام الماضي. فعملياً، منذ أيلول/سبتمبر 2022، واجهت قوات الجيش، التي كانت تعمل في شمال الضفة وجنين ونابلس، عبوات ناسفة تم زرعها على المحاور المركزية، من أجل إلحاق الضرر بالمركبات المحصنة التي تنسحب فيها القوات بسرعة، ولذلك، تسير هذه المركبات على الطرقات الرئيسية التي لا يستطيع الفلسطينيون إغلاقها مسبقاً، وأيضاً خلال عملية الاعتقالات.
  • الهدف الأساسي من هذه العبوات هو تدفيع القوات الثمن في أثناء انسحابها، بعد تنفيذ عمليتها. هذه الظواهر لا نراها في مناطق أُخرى في الضفة الغربية، لأن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية ما زالت تعمل هناك، وعملها يقلل جدوى وضرورة النشاط "الإحباطي" الذي يقوم به الجيش في هذه المناطق.
  • تقريباً، لا حاجة إلى اقتحامات القوات الخاصة التابعة للجيش، أو "الشاباك"، أو "حرس الحدود"، في الخليل مثلاً، حيث توجد للسلطة الفلسطينية سيادة جيدة. وفي المقابل، منذ آذار/مارس 2022، تواجه أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية صعوبة في فرض النظام والقانون، بالأساس في منطقتيْ نابلس وجنين. ومؤخراً، تحسّن الوضع في نابلس نتيجة عمل مكثف قام به الجيش و"الشاباك"، اللذين نجحا في قمع حركة "عرين الأسود".
  • في منطقة جنين، لا تزال الأزمة هي نفسها: أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لا تنجح، ولا تتجرأ أيضاً على العمل بصورة مكثفة وفعالة هناك. وهو ما يدفع "الشاباك" و"اليمام" [قوات مكافحة الإرهاب] و"الجيش" إلى إحباط النشاط "الإرهابي" في المنطقة بأنفسهم. ضابط كبير في الجيش عرّف، مؤخراً، الحالة في منطقة جنين بمقولة صائبة: "حملة كاسر الأمواج التي بدأت في آذار/مارس 2022، تحولت إلى وضع كاسر الأمواج الذي نعيش فيه منذ أكثر من عام."

تطوير وتحسين طرق الدفاع

  • يبدو أن أجهزة الأمن الإسرائيلية ليست الوحيدة التي طورت طرق القتال التي سمحت بحملات "إحباط" خاصة وناجحة جداً، تقريباً من دون خسائر في طرفنا. الفلسطينيون أيضاً، كما اتضح في أيلول/سبتمبر الأخير، طوروا طرق دفاع خاصة بهم للتصدي لحملات "الاقتحام العميق" التي يقوم بها الجيش و"الشاباك" و"الوحدات الخاصة" التابعة لـ"حرس الحدود".
  • لقد رصدوا محاور خروج المركبات التي تحمل القوات من الميدان كنقطة ضعف، وزرعوا فيها عبوات ناسفة بكميات كبيرة جداً على طول تلك المحاور. في البداية، كانت هذه العبوات مصنوعة من مواد متفجرة، صناعة محلية بأوزان وقوة ضئيلة، لكن القوات الخاصة تواجه في الأشهر الأخيرة عبوات كبيرة، يبلغ حجمها أكثر من 20 كيلوغراماً من المواد المتفجرة، يتم تفعيلها عن بُعد، عبر الهواتف النقالة.
  • الجيش انتبه لهذه الظاهرة منذ بداية الشهر الحالي، ونشر المراسل العسكري لقناة "كان 11"، روعي شارون، خبراً مفاده أن الجيش بدأ بتحصين قاعدة المركبات العسكرية المستعملة في عمليات العمق داخل مخيم جنين، وفي المنطقة.
  • وهذا معناه أن العبوات ليست ظاهرة جديدة. لقد واجهها الجيش خلال حملة "السور الواقي" سنة 2002. أنا جربتها بنفسي حين رافقت قوات الجيش في دخولها إلى مخيمات اللاجئين في طولكرم وبلاطة ونابلس. الجيش أيضاً لديه خبرة في التعامل مع هذه العبوات الذكية والقاتلة من لبنان، ومن ضمنها "عبوات المقلاع" التي تستطيع اختراق المركبات المحصّنة، وقتل مَن فيها.
  • العبوات التي يستعملها "الجهاد الإسلامي" وأيضاً "حماس" في جنين ليست بهذا الذكاء، وليس لديها القدرة على الفتك كتلك التي استعملها "حزب الله" في لبنان. العبوات في شمال الضفة تستند، جزئياً، إلى مواد متفجرة صالحة يتم زرعها، ليس فقط على جوانب الطريق، بل أيضاً في الأماكن التي يمكن الحفر فيها، وسط طرقات ترابية. وعلى الرغم من أنها ليست ذكية وفتاكة كتلك التي استُعملت في لبنان، فإن الانتشار الواسع لهذه العبوات البسيطة، نسبياً، والتي يزرعها "المخربون" في شمال الضفة، تحدّ حرية الحركة العملياتية للجيش و"الشاباك" و"حرس الحدود". وما جرى صباح أمس كان الدليل.
  • يمكن التخمين أن العبوة التي أصابت "النمر" الذي حمل قوات "اليمام" و"حرس الحدود" تم تفعيلها تحت المركبة العسكرية المحصّنة، وبالإضافة إلى أنها أصابت نقطة ضُعف المركبة، فإن إحدى العجلات الخلفية انفصلت عن المحور ودفعت بالمركبة العسكرية إلى السقوط أرضاً بشكل يستوجب دفعها. وزن مركبة "النمر" 10 أطنان تقريباً، وتصل سرعتها إلى 70 كلم في الساعة. وتوجد فيها أماكن جلوس مريحة لـ14 جندياً، ويمكن أن تُستعمل لإخلاء المصابين أيضاً.
  • لكن، وبسبب الوزن الثقيل للمركبة، فإنه من الصعب جداً جرّها، في حال فقدت أحد إطاراتها، من المنطقة التي أصيبت فيها. ولسوء الحظ، فإن مركبة "النمر" أصيبت في الصباح بنيران أُطلقت من أطراف المخيم. لذلك، أصيبت عدة مركبات أصغر أيضاً وجنود أكثر في المنطقة التي أصابت مركبة "النمر" الكبيرة وبعض ركابها.
  • وبفضل التحصين الجيد لـ"النمر"، خرج الجنود الذين كانوا فيه بإصابات متوسطة وخفيفة فقط. حتى الآن، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه المركبة ضمن المركبات التي عزّز الجيش تحصينها مؤخراً، وذلك لتفادي إصابتها بعبوات كهذه. ما جرى بعد ذلك كان "معركة إنقاذ كلاسيكية"، استعمل فيها الجيش طائرات ومسيّرات مسلحة من نوع "زيك"، للتغطية على حملة الإنقاذ وجرّ المركبات، وضمنها "الفهد" التي أصيبت محركاتها نتيجة إطلاق النار، وكان يجب جرّها من المنطقة.
  • زرع العبوات عملية من الصعب القيام بها في السر، لأنها تحتاج إلى نقل العبوة وحفر حفرة وزرعها، ثم تغطيتها والتأكد من أن منظومة تفعليها ستستقبل الإشارة. كان يجب على أجهزة جمع المعلومات الاستخباراتية لدى الجيش اكتشافها والعلم مسبقاً بها، بالأساس في ساعات الليل، وأن تحدد للقوات مكان هذه العبوات، وأن تختار لها أيضاً طريقاً التفافياً غير مزروع بالعبوات. لماذا لم يحدث هذا؟ وإذا حدث، فلماذا لم ينجح؟ هذه الأسئلة يجب الإجابة عليها بسرعة كبيرة.
  • من الواضح، ومنذ هذه المرحلة، أن الاستعمال الواسع للعبوات على يد "المخربين" يستوجب تغيير الجيش طريقة عمله والأدوات التي يستعملها لتنظيف محاور الخروج المخطط لها في كل حملة لمنع إلحاق الضرر بالمركبات الخارجة التي تحمل القوات بعد تنفيذ مهمتها. يمكن الافتراض أن هذه العبوات التي زرعها الفلسطينيون ستتعزز، وسيتم توسيع طرق عملهم، وأيضاً الضرر الذي سيُلحقونه سيكون أكبر وقاتلاً أكثر بكثير.

الوضع تغيّر

  • يمكن الافتراض أن زرع العبوات بيد "المخربين" لن ينحصر في محاور الدخول والخروج من منطقة جنين والبلدات المحيطة بها، بل سيتوسع إلى محاور الحركة الأُخرى في شمال الضفة لإلحاق الضرر بالمركبات الإسرائيلية والركاب فيها. هذه الحقيقة تفرض على الجيش تطوير وتفعيل أدوات جمع المعلومات الاستخباراتية الاستباقية، والقيام بعمليات حركة على هذه المحاور عموماً، وفي مخيم اللاجئين ومدينة جنين خصوصاً.
  • يجب الاعتراف بأن الوضع تغيّر، ويفرض تطوير طرق عمل ملائمة. يكثر الحديث عن عملية عسكرية كبيرة على طريقة "السور الواقي"، لكن عملية كهذه تستوجب احتلال كل المنطقة، وهو شيء غير ضروري، إذ لدى "الشاباك" و"الجيش" استخبارات ممتازة، وهما ينجحان في قمع "الإرهاب" وإحباط العمليات، عبر عمل موضعي.
  • وفي المقابل، إن ظهور العبوات وانتشارها الواسع على الأرض يبرر حملة واسعة، ولكن يجب أن تكون محدودة، وتستند إلى استخبارات مفصلة ودقيقة تسمح بالوصول إلى المختبرات التي تصنع المتفجرات، وإلى مخازن المركبات الإلكترونية ومخزون المواد المتفجرة الصالحة الموجودة في المخيم ومدينة جنين والمناطق المحيطة. هذا لن يمنع كلياً تصنيع العبوات وزرعها، لكن من المؤكد أنه يمكن أن يقلل الظاهرة ويعيد إلى الجيش حرية الحركة التي باتت محدودة، مؤخراً، بسبب العبوات، كما اتضح صباح أمس.