هل عارض الجيش الحملة في جنين؟ ليس بالضبط كذلك
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • النغمة البارزة في الكتابات في "هآرتس" خلال الأيام الأخيرة تركز على النظر إلى الحملة في جنين على أنها فُرضت من جانب المستوى السياسي، الذي يعمل بحسب ضغوط اليمين المتطرّف. وكان عنوان الافتتاحية (4/7) "التطرف السياسي البربري يفعّل قوات" الجيش. ومن دون التقليل من قوّة هذه الضغوط، إلاّ إنها لا تعكس الصورة الكاملة.
  • تتماشى الحملة في جنين مع رؤية رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، ففي خطابه الذي ألقاه في مؤتمر هرتسيليا خلال الشهر الماضي، أدلى بملاحظة لم تحصل على اهتمام كبير؛ إذ قال إن أحد أسباب تصاعد "الإرهاب" في الضفة هو "جيل شاب في الضفة لم يشهد حملة ’السور الواقي‘، ولديه اعتقاد خاطئ بأنه، عن طريق قوّة "الإرهاب"، سيحقّق إنجازاً كبيراً." وبحسب تفسير أريك بربينغ، الذي كان المسؤول عن منطقة القدس والضفة في "الشاباك"، فإن "انتفاضة الأفراد" سنة 2015-2016 في الضفة اندلعت بسبب واقع الاحتلال الذي أثارته حملة "السور الواقي" في أواسط الجيل الشاب. إلاّ إن رئيس هيئة الأركان يقترح تفسيراً مختلفاً مفاده عدم وجود الردع.
  • استبدل هليفي التحليل الحسّاس نسبياً، الصادر عن القدامي في "الشاباك" برؤية عسكرية تقليدية من مدرسة موشيه يعالون التي تنُص على "كي الوعي" عن طريق القوّة. وخلال الخطاب الذي لم تكن فيه إشارة إلى حدود القوة، طرح رئيس هيئة الأركان مكونات بناء القوّة الخاصة بالجيش؛ معرفة ودقّة وقوّة. وأضاف أنه "في ساحة المعركة، يوجد أيضاً المكون النفسي؛ فيجب على العدو أن يشعر بأن ما تقوم به من الصعب تحمله، ويجب أن يتم التعبير عن ذلك بالقوة." وفعلاً، عكست الحملة في جنين أسلوب رئيس هيئة الأركان؛ تفعيل قوة تجعل الجيل الفلسطيني الشاب يشعر مرة أُخرى بأثر "السور الواقي". ولم يكن اعتباطاً أن البعد النفسي سيطر في الحملة، وتم التعبير عنه في الضربة الافتتاحية، وذلك عبر ضربة جوية دقيقة ومحددة قامت بها طائرة من دون طيّار.
  • الحملة لم تكُن تتماشى فقط مع رؤية الجيش، بل أيضاً قطف الجيش ثمارها؛ فقد سمحت له بأن يعرض قدراته العسكرية. ولم يكن اعتباطاً أن سمح الجيش بتغطية واسعة لمنظومة السيطرة على الحملة، التي وُصفت بأنها إحدى الحملات الأكثر تكنولوجية في الضفة، بالتعاون الوطيد مع الاستخبارات، ومن يفعّلون القوة الجوية والقوات البرية التي كان أغلبها مزوّداً بجهاز "تابلت" صغير. هذا بالإضافة إلى أن الحملة كانت أول دخول إلى خط النار بهذا الحجم لكتيبة الكوماندوس التابعة لسلاح البر، والتي أقيمت سنة 2015، وأراد الجيش أن يتم التعامل معها على أنها قوة نُخبة.
  • حتى من دون الانجراف إلى نظريات المؤامرة بصورة خاصة، فإن تطوير القدرات العسكرية يشجّع على استعمالها، فكما ادّعى سابقاً زئيف ماعوز، أحد أكبر الباحثين في العلاقات الدولية في العالم، فالجيش يتأثر بـ"الإغراء التكنولوجي" الذي يدفعه إلى استعمال تكنولوجيا متطورة ضد الفلسطينيين، بمعزل عن المنطق السياسي. لقد منحت حملة "البيت والحديقة" الجيش فُرصة للتدرّب التكتيكي الجدّي الأول والواسع والعلني على التنسيق بين أذرع الاستخبارات والجو والبر بصورة ليست ممكنة في غزّة، ومن المؤكد في لبنان.
  • الموارد التي تسمح بذلك تبرّر الزيادة في ميزانية الأمن. هذه فرصة لعرض القدرات التكنولوجية التي تستند غليها الوعود غير الرسمية الذي قدّمها الجيش إلى السياسيين بهدف حفظ "الوضع القائم". وبصيغة أُخرى - سيطرة إسرائيل على الضفة ومنع ترتيبات إقليمية، من دون الحاجة إلى حل سياسي -  يوجد حل الصراع العربي- الإسرائيلي وهو حل عسكري. ربما يكون الجيش قد استجاب لضغوط سياسية لمهاجمة جنين، لكنه بالتأكيد لم يعانِ جرّاء ذلك.
 

المزيد ضمن العدد