العملية في جنين - المطلوب خطوة مكملة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال - العدد 1744
  • كان الهدف من العملية العسكرية التي نفّذها الجيش الإسرائيلي "بيت وحديقة"، والتي استمرت يومين، الرد على التدهور الأمني وفقدان السلطة الفلسطينية سيطرتها على شمال الضفة، ورفع درجة استخدام القوة في هذا المجال ناجم عن تراكُم عدد من التحديات والتوجهات:
  • أسلوب عمل الجيش الإسرائيلي والشاباك ضد "الإرهاب" في شمال الضفة "كاسر الأمواج" استُنفد وتحول إلى حلقة عنف تغذي نفسها: كلما زاد الجيش في عملياته ضد نشطاء "الإرهاب" وأصاب عدداً كبيراً من المسلحين، كلما ازداد الحافز لدى الشباب الفلسطيني على الانضمام إلى القتال ضد الجيش الإسرائيلي ومهاجمة المستوطنين والجنود والمواطنين الإسرائيليين.
  • عدم وجود أفق سياسي والنظر إلى الخطوات التي تدفع بها الحكومة الإسرائيلية قدماً كخطوات ضم متسارعة. في الأشهر الأخيرة سُجّل رقم قياسي في عدد تصاريح البناء في المستوطنات، وعملياً، جرى تشريع انتهاك القانون، وتجلى ذلك في العودة من جديد إلى مستوطنة حومش وأفيتار وإقامة عشر بؤر استيطانية غير قانونية جديدة على الأقل. بالإضافة إلى أن هذه التطورات تشكل مراكز جديدة للاشتباكات، فإنها تقضي على أي أمل لدى الفلسطينيين بالتحرر من الاحتلال وتحقيق تطلعاتهم الوطنية.

ج- فقدت السلطة الفلسطينية سيطرتها على شمال الضفة، وليس لدى أجهزة الأمن الفلسطينية حوافز لمواجهة المجموعات "الإرهابية" التي سيطرت على جنين وضواحيها. كما أن التنسيق الأمني مع دولة إسرائيل مقيّد، وتزداد صعوبة التوصل إلى مثل هذا التنسيق الذي منع في الماضي حدوث تدهور من دون ضوابط. وفي ظل أجواء توسيع المستوطنات والعنف من جانب المستوطنين ضد الفلسطينيين، ليس لدى الأجهزة الأمنية النية للوقوف ضد المجموعات المسلحة في جنين ونابلس والمساعدة على نزع سلاحها.

د- بروز فقدان الجيش الإسرائيلي سيطرته على المستوطنين في شمال الضفة، والذين صعّدوا حدة عملياتهم الانتقامية ضد الفلسطينيين بعد كل عملية "إرهابية" ضد إسرائيليين، وحصولهم على تأييد سياسي من الوزراء الراديكاليين في الحكومة الذين يشجعونهم على تطبيق القانون بأنفسهم.

ه تحولت جنين إلى مركز لـ"الإرهاب" في شمال الضفة - فشهد مخيم اللاجئين في المدينة  زيادة في حجم السلاح والذخيرة، وأقيمت ورشات لصنع المواد المتفجرة؛ ازدياد  التعاون بين الفصائل، وعلى رأسها الجهاد الإسلامي و"حماس"، وبينهما وبين نشطاء تنظيم "فتح". وأقيمت آلية تعاون بين الفصائل شملت غرفة عمليات ومنظومة إنذار. إيران تشجع "الإرهاب" من وراء الكواليس، وتساعده من خلال تحويل الأموال إلى النشطاء وتهريب السلاح عبر الحدود السورية والأردنية.

و- فقدت الإدارة الأميركية أدواتها لكبح  الحكومة الإسرائيلية في كل ما له علاقة بسياسة الاستيطان التي تقودها، والتي تهدف إلى إغلاق الباب على خيار تسوية سياسية تعتمد على "حل دولتين لشعبين".  وازداد التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة بسبب عجز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن معالجة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين. (وأضيف إلى ذلك القلق الأميركي من نتائج الانقلاب القضائي الذي تدفع به الحكومة قدماً، والذي يؤجج احتجاجاً شعبياً واسع النطاق، إلى حد أن العلاقات بين الإدارة الأميركية وبين الحكومة الإسرائيلية تشهد فترة توتُّر كبيرة، وهذا معناه زعزعة الركيزة الشرعية الدولية لإسرائيل، من بين أمور أُخرى).

  • لهذه الأسباب كلها، وعلى خلفية الضغط المتزايد من المستوطنين وممثليهم في الحكومة لشن عملية عسكرية واسعة النطاق، بادر الجيش إلى القيام بعملية مركّزة ضد البنية التحتية لـ"الإرهاب" في مخيم اللاجئين، ومهاجمة نشطاء، واعتقال أطراف متورطة بـ"الإرهاب"؛ وتهيئة الظروف لمعركة متواصلة ضد "الإرهاب" في المنطقة. كل ذلك من أجل السيطرة على ألسنة اللهب ومنع تمدّد الأحداث إلى مناطق أُخرى في الضفة الغربية، وفي ساحات أُخرى.
  • في نهاية العملية، ساد إسرائيل شعور بتحقيق انتصار تكتيكي - عملاني، في ضوء الإنجازات التالية: مقتل 12 ناشطاً؛ التحقيق مع 300 شخص مشتبه في تورُّطهم بـ"الإرهاب" واعتقال 30 منهم؛ تفجير ست ورش لصنع المتفجرات وتدمير عبوات؛ هدم 14 منزلاً استُخدم في عمليات "إرهابية"، وكغرف للمراقبة؛ العثور على 300 عبوة معدّة للتفجير، وعلى عشرات الألغام والبنادق والمسدسات ومئات الطلقات وعشرات الكيلوغرامات من المواد الكيميائية التي تُستخدم في صنع العبوات الناسفة؛  كما جرى العثور على 6 فتحات أنفاق وتدميرها، وعلى مخزنين للسلاح. المسلحون، في أغلبيتهم، فرّوا من المخيم في وقت سابق عندما فهموا أن الجيش سيدخل إلى المخيم، وآخرون فرّوا في أثناء خروج العائلات من المخيم، خوفاً من تعرُّض حياتهم للخطر.
  • في أعقاب العملية، تصاعدت الانتقادات الدولية ضد إسرائيل. ونشر "مكتب الأمم المتحدة للتنسيق الإنساني في المناطق الفلسطينية المحتلة" أن مئات الوحدات السكنية في مخيم اللاجئين في جنين تضررت، وجزء منها لم يعد صالحاً للسكن. وأكثر من 500 عائلة فلسطينية ونحو 3500 رجل وامرأة اقتُلعوا من منازلهم واضطروا إلى مغادرتها بسبب الدمار. كما لحقت أضرار كبيرة بشبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي في مخيم اللاجئين نفسه، وفي الأحياء المحيطة به.

تداعيات

  • إلى جانب النجاح العملاني، يبرز عدد من الأسئلة: كيف نحافظ على الإنجاز؟ وهل من الممكن عزل جنين عن سائر الضفة؟ هل هناك نية واستعداد لعودة الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى جنين؟ كيف يمكن سدّ الفجوة بين المنظومة السياسية الإسرائيلية وأطراف مهنية ترى أنه من المهم تعزيز دور السلطة الفلسطينية، وبين أطراف في الحكومة تسعى لانهيارها؟ ما هي الخطوة السياسية المكملة المحتملة التي يمكن أن تقوم بها الحكومة الإسرائيلية لترسيخ الإنجاز العسكري؟
  • بعد العملية، وبالأساس بعد طرد نائب رئيس "فتح" محمود العالول وعضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير عزام الأحمد من مراسم التشييع في جنين، وفي ضوء رفض "حماس" والجهاد الإسلامي دعوة أبو مازن إلى عقد لقاء بين الأمناء العامّين للفصائل، أدرك رئيس السلطة الفلسطينية أن عليه مراجعة سياسته في شمال الضفة. وهناك حجة سائدة ضد السلطة بأنها لا تتصرف كما هو منتظر من سلطة حاكمة، ولا تدافع عن السكان الفلسطينيين ضد عنف المستوطنين. وفي محاولة منها لإثبات وجودها على الأرض، نظّمت السلطة مسيرات مسلحة لمجموعات من تنظيم "فتح" في عدد من المدن والقرى، كما عقدت مصالحة بين قادة التنظيم وبين نشطاء ينتمون إلى كتائب شهداء الأقصى في جنين. لكن هذا لا يشكل رداً على الحجج ضد السلطة، مثل عدم قدرتها على أداء وظيفتها وعدم سيطرتها. ومن نقاش داخلي في رام الله، جرى تسريب التخوف من أنه إذا لم تتحرك الأجهزة الأمنية الفلسطينية بسرعة، فإن هذا قد يؤدي إلى إحكام "حماس" سيطرتها على جنين، مثلما بسطت سيطرتها على غزة في سنة 2007. لهذا اتُّخذ قرار أن تقوم السلطة بإعادة إعمار أضرار العملية كي تُظهر مسؤوليتها واهتمامها بالسكان الفلسطينيين، ومن أجل الحصول على أموال المساعدة لإعادة إعمار جنين، والتي وعدت الإمارات بتقديمها (15 مليون دولار بواسطة الأونروا) والجزائر (30 مليون دولار).
  • فيما يتعلق بـ"حماس"، فقد خرجت الحركة سالمة من جولة التصعيد القصيرة في جنين، ومن دون أن تدفع ثمن تشجيعها على "الإرهاب" في الضفة الغربية، لكن الحركة تعرضت أيضاً لانتقادات لأنها لم تحرك ساكناً في مواجهة الجيش، وحرصت على المحافظة على إنجازاتها في قطاع غزة - إعادة الإعمار، نمو اقتصادي، والعمل في إسرائيل. ويبدو أن إعلان "حماس" مسؤوليتها عن هجمات وقعت بعد عملية جنين، هدفه تعزيز صورتها كقائدة لحركة المقاومة - على حساب السلطة و"فتح".

توصيات

  • على الرغم من وجود مصلحة مشتركة بين السلطة وإسرائيل في منع سيطرة "حماس" والجهاد الإسلامي على منطقة جنين (وتحييد التأثير الإيراني فيما يحدث في شمال الضفة)، فإن كلاهما متردد إزاء محاولة استنفاد إمكانية التعاون بينهما. لذلك، اضطرت إسرائيل إلى صوغ الشروط التي تسمح للسلطة بالعودة إلى شمال الضفة وتشجعها عليها، أولاً، كالطرف الذي سيعيد بناء الدمار الذي تسببت به العملية. في المقابل، يجب استخدام أدوات تأثير في السلطة بواسطة الولايات المتحدة والأردن، وإعادة نشر الأجهزة الأمنية الفلسطينية في المنطقة وتزويدها بسلاح متطور، بما يتلاءم مع الخطة التي رسمها المنسق الأمني الأميركي.
  • كما يجب تشجيع عودة سيطرة السلطة على شمال الضفة بواسطة الدفع قدماً بمشاريع اقتصادية وإقامة مراكز تأهيل وعمل للشباب الفلسطيني. ومن أجل تأمين مساعدة تساهم في تحضير مشاريع حيوية، من المهم إقامة آلية رقابة دولية مكونة من الدول المانحة للتأكد من أن الأموال الممنوحة للسلطة توظَّف فعلاً في مشاريع بنى تحتية ومهنية في منطقة جنين.
  • إذا رفضت إسرائيل مسبقاً مبادرة عودة سيطرة السلطة الفلسطينية، فلن يمر وقت طويل قبل أن تضطر إلى تنفيذ عملية ضد "حماس" والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى في المنطقة. صحيح أن الحكومة الإسرائيلية اتخذت في 9 تموز/يوليو قراراً صحيحاً بشأن العمل على تقوية السلطة، لكن في الوقت عينه، فرضت عليها سلسلة شروط من الصعب تلبيتها، من بينها وقف الدعم المالي لعائلات نشطاء "الإرهاب" من الذين قُتلوا أو أُسروا، والامتناع من مهاجمة إسرائيل في المحافل الدولية.
  • البديل من عودة السلطة الفلسطينية إلى شمال الضفة هو سيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة وإدارتها ككانتون مستقل، بحيث تصبح المسؤولية عن معالجة شؤون السكان الفلسطينيين ملقاة على عاتق دولة إسرائيل. وسيشكل ذلك مرحلة مهمة في تسريع الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة.