خطر واضح وفوري: هل إسرائيل جاهزة للحرب المتعددة الجبهات؟
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- حزب الله يتحدى الجيش ودولة إسرائيل أكثر فأكثر. حتى أن ديوان رئيس الحكومة أعلن أن مشاورات جرت أمس بمشاركة مندوبين عن المؤسسة الأمنية ورئيس الحكومة، للبحث في الموضوع.
- إذاً، هل علينا أن نكون هادئين بعد اللقاء؟ لا. حزب الله - بشكل غير مفاجئ- يسير على عتبة الحرب، حيث يرى أنه يوجد الآن تضافُر ظروف خاصة واستثنائية يريد استغلالها. الجيش جاهز، ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد مخاطر وأثمان. وماذا بشأن المستوى السياسي؟ عليه أن يسيطر على نفسه، وأن يجمع "الكابينيت"، وأن يبحث في الاستراتيجيا. وبدلاً من إجراء حوارات عميقة بشأن مسألة "الضربة الاستباقية" وتحضير الدولة لحرب متعددة الجبهات، فإنهم يجرون حوارات مقلصة بشأن الأحداث والردود. إذاً، نعم، نحن في حالة خطر واضح وفوري.
ما هي أسباب ثقة نصر الله المتزايدة؟
- حزب الله يريد الحرب؟ يبدو أن الجرأة لديه، وثقته المبالَغ فيها بنفسه، وحتى استعلاء حسن نصر الله، يمكنها أن تدفع إلى إشعال حرب هنا، ليس فقط في مواجهة حزب الله، بل حرب متعددة الجبهات، حتى أنها يمكن أن تكون إقليمية. علامَ يعتمد؟ يمكن فحص الأحداث التي جرت خلال العامين الأخيرين: التهديدات والشروط التي وضعها الحزب بشأن منصة الغاز "كاريش" وقرار حكومة إسرائيل الوصول إلى اتفاق مريح؛ "المخرب" من مفرق "مجدو" الذي خرج من تحت يده (وبمصادقته)، وبمعجزة، تم منع كارثة كبيرة؛ نصب الخيام في منطقة "هار دوف"، وإقامة أبراج بغطاء مدني على طول الحدود، بالإضافة إلى التجوال حول الجدار الحدودي واستفزاز جنود الجيش و"المواطنين" الملاصقين للجدار.
- يمكن أيضاً الذهاب أبعد من ذلك: خلال الأعوام الأربعة السابقة، يقوم حزب الله بتحدي الجيش في المجال الجوي اللبناني، ويحاول إسقاط طائرات سلاح الجو - من دون ردّ إسرائيلي؛ إدخال منظومات دفاع جوي مصنّعة إيرانياً، وحالات إطلاق نار في منطقة "أفيفيم" ونهاية الحادثة بنجاح بسبب عدم قتل "المخربين" الذين كانوا في مرمى القناصة (تخوفاً من ردّ على الرد)، وفي "يوم ناجح"، لأنه انتهى من دون إصابات إسرائيلية، وكأن الحديث يدور عن مسرحية، وهذا كله من أجل الامتناع من "تصعيد" في المدى القصير، لكن هذا يُراكم الضرر الذي يقضم من القدرة على الردع بصورة مستمرة. السياسة التي تسمح بهذا كله، يجب ألاّ تفاجأ بازدياد شهية حزب الله - إنه "تنظيم إرهابي" ومقاومة - وهذه طبيعته.
- لكن بالإضافة إلى وجهة النظر الإسرائيلية، هناك حسابات أُخرى جدية يأخذها نصر الله بعين الاعتبار: إيران ولبنان. بالنسبة إلى إيران، فإن حزب الله لم يعد يُستخدم فقط كذراع تنفّذ أوامر من إيران. نصر الله نفسه بات جزءاً من عملية اتخاذ القرار الإيراني، وفي هذه المرحلة، فإن المصلحة الإيرانية هي جعل الأمور أصعب على إسرائيل، أن ينزف دمها من دون الوصول إلى حرب بالضرورة، ولكن هذا لا يمنع الوصول إلى الحرب أيضاً. أما فيما يخص الحسابات اللبنانية - فإن لبنان دولة في حالة انهيار مستمر، وحزب الله موجود منذ أعوام في مكانة غير واضحة في أوساط الجمهور اللبناني، وحتى أن هناك اتهامات له بأنه المسؤول عن الوضع المنهار في الدولة، أو على الأقل، يستند إلى إيران والأموال الخاصة بها (بالدولار)، وبينما يصارع الجميع على الكهرباء والوقود والدواء. من دون مؤسسات حُكم فاعلة، وفي الوقت الذي لا تساعد الدول العربية بسبب تدخّل حزب الله، فإن الطريق التي يمكن تحويل الغضب الداخلي إليها هي إسرائيل، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تصعيد. وفي حال أضفنا إلى هذا كله الوضع الداخلي الإسرائيلي في أعقاب الانقسام الاجتماعي الآخذ بالتعمق، فإننا نغدو أمام فرصة "لمرة واحدة" في الانقضاض على حيوان جريح، وحتى تغيير الواقع الحساس.
قدرات حزب الله والمعركة المتعددة الجبهات
- في المقابل، خلال الأعوام العشرة الأخيرة، تقدم حزب الله في 3 مجالات: بناء القوة، ومحاولة تفعيل قوة الرضوان، وملاءمة رؤيته القتالية مقابل إسرائيل.
- بشأن بناء القوة لدى حزب الله، انتقل الحزب من الاستثمار في كميات الصواريخ والقذائف إلى النوعية، وفي الوقت نفسه، جمع صواريخ دقيقة خاصة به، حتى أنه وصل إلى قدرة إنتاج مستمرة. هذا بالإضافة إلى أنه عزّز قدرات وكميات المسيّرات والطائرات من دون طيار، وأنظمة دفاع جوي (بعضها صناعة إيرانية)، وقدرات في مجال صواريخ كروز البحرية، وقدرات القوات البرية الخاصة به - ليس للدفاع فقط، إنما وبالأساس قدرات المناورة والهجوم على إسرائيل. هذه هي قوة الرضوان التي يصل تعدادها إلى الآلاف من المقاتلين المدربين والمزودين بأدوات متطورة، وجزء من خطتهم هو التجهيز للعمل بشكل هجومي واقتحام إسرائيل من أجل إلحاق الضرر بجنود الجيش و"البلدات" الإسرائيلية.
- هذه هي القدرات التي تم تعزيزها، وتضاف إليها القدرات القائمة والقديمة: تجميع، وإطلاق قذائف ذات مسار منخفض بمختلف أنواعها، وإلى أبعاد مختلفة، وقدرات دفاعية تتضمن صواريخ ضد الدروع، وعبوات ناسفة وغيرها. وهنا يجب التذكير بأن الجيش حرم حزب الله في سنة 2018 قدرة استراتيجية على اقتحام إسرائيل، وذلك بعد أن كشف وأحبط الأنفاق القتالية التي تم حفرها على مدار أعوام طويلة، واستثمروا فيها الكثير (مَن لم يرَ الحفر في الصخور الصلبة، لا يعرف حجم كراهية إسرائيل)، وكله من أجل مفاجأة الجيش. وإلى هذا كله، يجب إضافة الخبرة القتالية التي راكمها حزب الله خلال القتال في سورية، وهي خبرة كلفته الكثير من الضحايا، لكنها دفعت به قدماً إلى مستوى عالٍ من الكفاءة.
- وماذا بشأن الرؤية القتالية؟ هنا أيضاً انتقل حزب الله في أوقات الطوارىء من العقيدة القتالية لاستنزاف إسرائيل، عبر القذائف ذات المسار الملتوي الواسع، وإلحاق الضرر بالبنى التحتية، والتجهيز للدفاع ضد المناورة - إلى عقيدة قتالية هجومية، لا تنعكس فقط في قوة الرضوان البرية، بل أيضاً بالدمج بالمسيّرات. ومرة أُخرى، القضية ليست محصورة بالكمية، إنما يدور الحديث حول إطلاق صواريخ دقيقة على مواقع استراتيجية في إسرائيل (بطاريات القبة الحديدية، وقواعد سلاح الجو والجيش، ومواقع البنى القومية وغيرها)، بالإضافة إلى القدرة على تركيز النار على البلدات وغيرها.
- وبالإضافة إلى هذا كله، فمنذ حملة "حارس الأسوار" حدث تقدّم كبير في التنسيق والتعاون بين "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والحزب، وهو ما يمكن أن يدفع إلى جبهة جديدة مقابل إسرائيل. حتى أنه يمكن في مثل هذه الحالة أن يتوهم جزء من العرب في إسرائيل بأنهم يستطيعون التحرك في الجبهة الداخلية ضد اليهود في إسرائيل، والمشاركة بشكل واسع وأكثر دراماتيكية مما كان في "حارس الأسوار". أما في سورية، فمنذ عدة أعوام، هناك عملية بناء لميليشيات داعمة لإيران ومسلحة (بالأساس بقذائف، وأيضاً بصواريخ دقيقة ومسيّرات)، وجاهزة للانضمام إلى المعركة، بحسب الأوامر من إيران.
- إذاً، هذه كلها أمور تدفع نصر الله إلى الشعور بالثقة، وإلى الاعتقاد (بالخطأ) أن لديه القوة لتحدّي إسرائيل.
قدرات الجيش ودولة إسرائيل
- إذاً، وإذا كان حزب الله تقدم بهذا الشكل، ماذا يحدث للجيش الإسرائيلي؟ فعلاً، إسرائيل ليست يتيمة. الجيش قام خلال الأعوام الماضية بـ"قفزة" جدية إزاء كل ما يخص بناء القوة، وعقيدة العمل في حرب متعددة الجبهات، في الوقت الذي يشكل حزب الله السيناريو الأكثر اهتماماً. لدى الجيش قدرات استخباراتية من الأفضل في العالم، ومن ضمنها قدرات مقابل حزب الله، وبنك الأهداف هو المثال لذلك. آلاف الأهداف موجودة في نطاق قدرة سلاح الجو وقدرات القصف لدى الجيش - وضمنها مهاجمة أشخاص واغتيال كبار مسؤولي الحزب، وضمنهم نصرالله نفسه. هذا بالإضافة إلى أن لدى الجيش قدرات مناورة محسّنة، وضمنها الدفاع وتصفية قوة الرضوان والعمل في مناطق مختلفة. هذا بالإضافة إلى تحسين قدرات الملاجئ والدفاع الجوي في مقابل القذائف ذات المسار الملتوي على أنواعها.
- صحيح، لا يوجد دفاع مطلق، سيكون هناك مصابون، وسيكون هناك سقوط كثيف للقذائف، ولكن الجيش ودولة إسرائيل جاهزان بشكل أفضل مما كانا عليه في الأعوام السابقة. التحدي الأكبر بالنسبة إلى الجيش سيكون في القتال على عدة جبهات وساحات في الوقت نفسه، أما بالنسبة إلى دولة إسرائيل، فسيكون العمل في دمج الجهود القومية، حيث الأهم فيها سيكون الجهد السياسي، وضمنه القدرة على الحفاظ على الشرعية الدولية من دون تدخّل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو دول وقوى عظمى أُخرى، كروسيا أو أوروبا.
- ولإيضاح الإمكانات: حزب الله يستطيع إلحاق الضرر بإسرائيل بشكل غير بسيط، لكن الثمن الذي سيدفعه التنظيم - من عناصره والبنى التحتية والسلاح الخاص به، وأيضاً الثمن الذي سيدفعه لبنان - سيكون فادحاً جداً وغير محتمل. سيكون هناك حاجة إلى عشرات الأعوام لإعادة إعمار لبنان، إذا حدث هذا أصلاً، ومن غير المؤكد أن حزب الله سيبقى في لبنان بسبب الكارثة التي سيدفع الدولة إليها.
- لذلك، من مصلحة نصر الله أن يفهم هذا الحساب، وألّا يقع في سوء تفاهم.
ما هي التوصيات للسياسة الإسرائيلية؟
- كقاعدة، إن أفضل طريقة للتعامل مع مشكلة موضعية (الآن، الخيمة والاستفزازات الموضعية) هي أن تكون من خلال استراتيجيا. ماذا نريد من لبنان؟ المصلحة الأمنية العليا: هدوء أمني (من دون إرهاب، ومن دون استفزازات). أهداف عليا أكثر: تفكيك سلاح حزب الله، أو على الأقل، وقف عملية مراكمة القوة لديه، والحفاظ على حرية الحركة لإسرائيل - بالتشديد على حرية الحركة الجوية. ولتحقيق هذه الأهداف، يجب صوغ استراتيجيا شاملة (دمج الولايات المتحدة وأوروبا كأدوات ضغط على لبنان، والدول العربية، ومن المؤكد ردّ عسكري كامل). هذه الاستراتيجيا موجودة "على الورق"، لكنها "نائمة"، وتتطلب تحديثاً في مقابل الواقع المتغير.
- وماذا بشأن الوضع الحالي؟
- لا يوجد لإسرائيل مصلحة في الحرب (دائماً هذا هو الوضع، لكن هذا يزداد أهمية، في ظل الوضع الحالي).
- على إسرائيل الفصل بين الاستفزازات وبين العمليات "الإرهابية" الواضحة.
- على إسرائيل استخدام المفاجأة - تكتيكياً، وأيضاً في مقابل الاستفزازات واستراتيجيا التنظيم. الحوارات بشأن "الضربة الاستباقية" يجب أن تبحث في العمق.
- "معركة لأيام" هي تمنيات، يجب الاستعداد للحرب.
- يجب الاستعداد لحرب متعددة الجبهات، وضمنها داخل إسرائيل، وفي الضفة.
- لذلك، إن حوارات رئيس الحكومة ليست الحوارات الصحيحة. المطلوب؟ سلسلة من الحوارات في "الكابينيت"، وتجهيز "الجهود الوطنية"، وضمنها السياسية، والاقتصادية، وأيضاً على صعيد الجبهة الداخلية، بالإضافة إلى الجهاز الدعائي، وتحديد الهدف الاستراتيجي وأهداف المعركة وغيرها. إن لم نقم بهذا، فمن المؤكد أننا سنحتاج إلى استخلاص العبر من لجنة "فينوغراد 2" [لجنة التحقيق الإسرائيلية في تقصيرات حرب تموز/يوليو 2006].