من الصعب هضم الأمر لكن السلطة الفلسطينية هي أهون الشرور
تاريخ المقال
المصدر
- بعد انتخابه رئيساً للحكومة في سنة 1996، أوضح بنيامين نتنياهو أنه قبِل اتفاق أوسلو بصفته إرثاً غير مرغوب فيه، لكن القواعد الديمقراطية تفرض عليه الالتزام بالخطوات السياسية التي وقّعتها إسرائيل، واستمر في الالتزام بالاتفاق من خلال الانسحابات الإقليمية، بما فيها الانسحاب من الخليل، لكنه ادّعى أنه بلوره بطريقة مختلفة. لقد كان ذلك اعترافاً بأن الواقع الناشئ في سنة 1993 تجذّر، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً إذا قررت إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
- وجهة النظر هذه تنعكس في سلوك نتنياهو اليوم أيضاً، على الرغم من أن التعبير عنها أكثر تردداً وغموضاً. يتجسد هذا في الخطوات الرامية إلى تعزيز السلطة الفلسطينية، والتي قررتها الحكومة مؤخراً، وأيضاً في قرارات لجنة الخارجية والأمن قبل شهر، ومفادها أن من مصلحة إسرائيل بقاء السلطة الفلسطينية وتعزيزها اقتصادياً، لكن في الوقت عينه، منع قيام دولة فلسطينية. وهكذا حوّل نتنياهو "السلام الاقتصادي" إلى استراتيجيا غير رسمية لإسرائيل في الموضوع الفلسطيني، من خلال سعيه اليائس للإمساك بالحبل من طرفيه: من جهة الانفصال عن الفلسطينيين بصورة نهائية، ومن جهة أُخرى، السيطرة عليهم مباشرة.
- هذا النهج الغامض والمعقد يتناقض مع أجندة ثانية أكثر وضوحاً للحكومة، يطبّقها الوزير بتسلئيل سموتريتش، والتي تعتمد على عدة أسس: اعتبار السلطة الفلسطينية عدواً، واتخاذ خطوات هدفها الفعلي إضعافها والتسبب بانهيارها (وخصوصاً معاقبتها اقتصادياً)؛ استمرار طمس الخط الأخضر والسعي لجعل وضع المستوطنات مشابهاً لوضع البلدات في داخل الخط الأخضر، ومن خلال الرغبة في الدفع قدماً بفرض السيادة التدريجية؛ وتكثيف المستوطنات في الضفة الغربية إلى أن تلتحم المنطقة بإسرائيل.
- لقد تحولت السلطة الفلسطينية إلى مشكلة مركزية بين أعضاء الحكومة، وهي تكشف عن الفجوات في وجهات النظر، وفي تحديد الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل. من جهة، هناك وجهة نظر السياسة الواقعية التي تستند إلى دعم تسوية سياسية في مستقبل غير محدد، وإيلاء مواقف المجتمع الدولي أهمية. ومن جهة أُخرى، هناك وجهة النظر التي تستند إلى أسس مسيانية – وإلى تعاليم الهالاخاه [الشريعة التوراتية]، والتي ترفض بشكل قاطع أي تسوية مع الفلسطينيين (وحتى الاعتراف بهم كأمة)، وتزدري مواقف الغرب والعالم العربي، وتقوض رؤيا الدولتين، وتُلحق ضرراً بالفلسطينيين.
- يجب الاعتراف بأن السلطة ليست شريكاً سهلاً، وبالتأكيد ليست حليفاً. فهي تقاوم سياسياً وتساعد عائلات "المخربين" مالياً، وتعلّم في الكتب التعليمية تجاهُل وجود إسرائيل، وتنشر التحريض في وسائل إعلامها، لكنها لا تزال أهون الشرور، وإذا اختفت، فسينشأ 3 بدائل أسوأ بكثير: فوضى كاملة؛ "حماس" ستملأ الفراغ الناشئ، أو تعود إسرائيل إلى دورها كمسؤولة عن كل الفلسطينيين.
- وعلى الرغم من منظومة العلاقات الصعبة مع السلطة، فإنه يتعين على إسرائيل العمل على استقرارها-مصطلح أدق من تقويتها-لأن ضعفها ليس ناجماً فقط عن عدم وجود أفق سياسي، بل هو ناجم عن صورتها السلبية في نظر الجمهور الفلسطيني، بسبب الفساد وانعدام الديمقراطية (لم تجرِ انتخابات في السلطة منذ سنة 2006، ولا يوجد تمثيل لجيل الشباب في قيادتها).
- البادرات الاقتصادية التي تُدرس اليوم، بالأساس في كل ما له علاقة بزيادة تراخيص البناء وفرص العمل والتنقل، هي بمثابة "علاج" موقت فقط. ومن الضروري أن تترافق مع خطوات ملموسة أكثر، مثل تعليق العقوبة الاقتصادية المفروضة على السلطة غير القادرة على دفع الرواتب لموظفيها وتأمين الخدمات لمواطنيها، وربما أيضاً إعادة فحص التخطيط لتوسيع البناء في الضفة الغربية (بحجم غير مسبوق في العقود الأخيرة) الذي يثير توتراً كبيراً مع المجتمع الدولي والعالم العربي.
- في الشهر المقبل، تحل الذكرى السنوية الـ30 لاتفاق أوسلو. هذه فرصة جيدة من أجل إلقاء نظرة فاحصة على مستقبل العلاقة بين المجتمعين ومحاولة صوغ استراتيجيا. وهي فرصة أيضاً لتجديد عالم الصور والمصطلحات في الحديث السياسي الإسرائيلي: التطلع إلى سلام حقيقي والإيمان بقوة الاقتصاد من أجل تبديد عداوة تاريخية وتغيير الوعي، هي أوهام تبددت في العقود الأخيرة، ويجب استبدالها بتطلُّع جدي، مثل الانفصال مادياً بواسطة اتفاق، أو بصورة أحادية الجانب.
- هذا يشكل هدفاً جدياً، ويعكس إدراكاً بأن العداء لإسرائيل لن يختفي، وكذلك التهديدات الأمنية، ولا يمكن إحياء رؤيا الدولتين بعصا سحرية، لكن يمكن على الأقل كبح الانزلاق نحو أخطر تهديد للرؤيا الصهيونية، الالتحام التدريجي بين الضفة الغربية وبين إسرائيل، ونهايته دولة واحدة.