صورة مقلقة: يتم إرسال كبار مسؤولي "المستوى المهني" إلى عمليات غسيل دماغ
المصدر
مكور ريشون

صحيفة إسرائيلية يومية بدأت بالظهور في سنة 2007. تميل نحو مواقف اليمين وتؤيد نشاطات المستوطنين في الضفة الغربية، كما تعكس وجهة نظر المتدينين في إسرائيل.

المؤلف
  • عُقدت يوم الإثنين جلسة في لجنة الخارجية والأمن، وناقشت بالأساس موضوع رفض الامتثال للخدمة العسكرية، وأيضاً الوضع المتوتر في الشمال في مواجهة حزب الله. وزير الدفاع يوآف غالانت ادّعى أن "اتفاق الغاز" الفاضح الذي وقّعته حكومة لبيد القصيرة-الذي منح لبنان، من دون مقابل، مساحات بحرية "سيادية" واستراتيجية تابعة لإسرائيل-هو أحد أسباب زعزعة الوضع.
  • طبعاً، المعارضة عارضت هذا الادعاء، ولا جديد هنا؛ اليسار الإسرائيلي الجديد يؤمن بشكل منهجي بأن الضعف والانسحاب والتنازلات، هي أمور لا تعزز ثقة العدو، أو تشجعه على العدوانية، إنما هي سياسات بناء ثقة وتقارُب ومصالحة. هذا معروف، ولكن يجب الانتباه إلى أن غانتس ولبيد شريكان بشكل كامل بهذه القناعات الكاذبة، وبدلاً من التكفير عن الأخطاء الاستراتيجية، فهما يستمران في الدفاع عن قرارهما المخجل بالانصياع لإدارة بايدن والأوروبيين وتعظيم قدرات حزب الله على حساب إسرائيل.
  • لكن جرى خلال الجلسة شيء مثير للاهتمام أكثر. النائبة ميراف ميخائيلي ردت على غالانت، قائلةً إن "الجهات العسكرية" دعمت منح المناطق البحرية. وفعلاً، تجنّد رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات الجنرال عميت ساعر للدفاع عن المعارضة وقال، بحسب ما اقتُبس في الإعلام، إن "تحليلنا مختلف. المسار الذي عزز ثقة حزب الله بنفسه بدأ قبل ذلك."
  • هذا الادعاء مثير جداً للاهتمام، ويدل على الكثير. سنقارن هذه الأقوال بما قاله الجنرال ساعر نفسه في أواخر نيسان/أبريل 2022، في "يسرائيل هَيوم"، قبل بضعة أشهر من الاتفاق. حينها، بشّر شعب إسرائيل بأن "نصرالله لا يرغب في الاحتكاك بإسرائيل، أو في لسعنا. هو يستطيع أن يتعايش مع الضرر الذي نلحقه به في سورية، ما دمنا لا نهاجمه في لبنان... سياسته الرد المتناسب."
  • إذاً، نحن نتعامل مع حالة تناقُض عميق وغير منطقية، تعكس حالة من عدم الاستمرارية في استراتيجية المنظومة الأمنية. لقد قال ساعر للجمهور إن حزب الله في حالة "رد"، وأيضاً "رد متناسب"، وفي الوقت نفسه، كما يعترف الآن في الجلسة، فإن "ثقته بنفسه" تعززت. ماذا يعني هذا "التعزز"؟ سلسلة من الاستفزازات الأمنية من حزب الله، لم تكن "رداً"، ولا "متناسبة" بشكل دقيق.
  • حالة عدم الاستمرارية آخذة بالتعمق. لقد قالوا للجمهور إن كل شيء على ما يرام، وإن نصرالله عقلاني ومعتدل. إلا إن ما حدث في الغرف المغلقة وداخل المحكمة، خلال النقاش الأمني السري للاتفاق على ترسيم الحدود مع لبنان، كان أن المنظومة الأمنية دعمت الادعاءات الهستيرية التي يدّعيها المستوى السياسي الذي صرّح بأن الاتفاق دراماتيكي لأن حزب الله يهدد ويصعّد، ويجب علينا أن نسترضيه لمنع الصدام.
  • وادّعوا حينها أن الحاجة الاستراتيجية طارئة ومهمة جداً، لدرجة أنه يجب تشريع الاتفاق في حكومة عرجاء موقتة. القضاة في المحكمة العليا اقتنعوا بما قالته المنظومة الأمنية وصادقوا-إحراج قضائي آخر-على الاتفاق غير القانوني وغير الديمقراطي. هكذا سُمح لـ"حكومة التغيير" بإضعاف الدولة، ومنح نصرالله صورة نصر.
  • والآن، بعد أن بات واضحاً-كما كان واضحاً لكل عاقل حينها-أن الاتفاق فشل، والضعف كان محفزاً على العدائية، يحاول الجنرال ساعر وزملاؤه التقليل من حجم الحدث. بالأساس، تعززت قوة حزب الله قبل ذلك، وتستمر بعده. ما علاقة هذا بالاتفاق؟ في اللحظة التي يتخطى الواقع تقديرات "الخبراء"، يردّ "المستوى المهني" بإعادة كتابة التاريخ. بالأساس، هذا الاتفاق لم يكن دراماتيكياً، ولا ضرورياً.
  • في الخلاصة: خبراء الأمن يقدمون لنا حزب الله على أنه "في حالة رد" و"متناسب"، وفي الوقت نفسه، عدائي ولديه "ثقة بالنفس" تتعزز، والاتفاق استراتيجي ودراماتيكي، ويمنع التصعيد، لكن أيضاً لا أهمية له، ولا يغيّر شيئاً. المنظومة الأمنية تبثّ رسائل متغيرة ومحدّثة؛ الواقع والتاريخ بالنسبة إليها مثل معجون تشكّله كما تريد. كل شيء يتم تسخيره لحاجات ومصالح موضعية. هذا أعمق من مجرد ثقافة كذب، هذا ما بعد الحداثة، حيث لا قيمة للكلمات، ولا أحد يتحمل المسؤولية.
  • الجميع يخطئ، هذا شيء إنساني؛ الذكاء هو التعلم من الأخطاء. لو قال رئيس وحدة الأبحاث إن تقديراتهم تبيّن لاحقاً أنها خاطئة، وأن الحقيقة هي أننا ارتدعنا من تهديدات حزب الله، ومنحنا الغاز على أمل أن نسترضيه بالخنوع، ويمكن الآن أن نرى أن ذلك خطأ ونستخلص العبر-كان رئيس شعبة الأبحاث سيحصل على كامل الاحترام. إلا إن الثقافة التنظيمية الأمنية معكوسة كلياً. فبدلاً من التعلم من الأخطاء-يكتبون التاريخ من جديد. وبدلاً من الشفافية والوضوح والحقيقة-السرية والضبابية والروايات المتضاربة. في هذا الوضع، هناك منظومات سياسية مركزية تُدار من دون رسم بياني تعلم، ولذلك تستمر في الفشل، المرة تلو الأُخرى، وبدرجات مختلفة من الخطورة.

احتياط في قوة كابلان [كابلان هي ساحة الاحتجاج ضد التشريعات القضائية]

  • هذا ليس كل شيء. لأنه يوجد موقف آخر مثبت-تاريخياً، وعقلاني أكثر بكثير من الرؤية "الليبرالية" لدى الأشخاص في المنظومة الأمنية، وغائب عن النقاش و"الإجماع" الأمني. إنه الرؤية الواقعية الكلاسيكية التي طُرحت هنا: إذا كانت جرأة حزب الله تعززت قبل منح الغاز، كما اعترف ساعر هذا الأسبوع، فإذاً أهمية الامتناع من تنازُل استراتيجي من دون مقابل تزداد كثيراً. فكما حذّر كثيرون عندما تم الكشف عن الاتفاق، فإن حزب الله سيفهم ذلك على أنه خضوع لتهديداته، وهو ما سيحفّزه على تعزيز عدوانيته.
  • لفهم سبب غياب هذه الرؤى الواقعية، يجب الذهاب أبعد من المصالح؛ الحديث هنا عن موضوع يدور على مستوى الوعي. وهنا توجد نقطة مثيرة للاهتمام بشأن ساعر، تعكس الفشل العام أكثر. لدى فحص مستوى التعليم العالي لدى رئيس وحدة الأبحاث، نجد أنه حصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا، وحصل على لقب آخر " حل الصراعات الدولية" (يسمى اليوم حل الصراعات وتثبيت الاستقرار والتعايش) من جامعة بريندييس. الحديث هنا يدور عن جامعتين تقدميتين جداً حتى في محيطهما-وفي هذه الحقيبة توجد جميع الأضرار، تلك المتعلقة بالتنكر للواقعية السياسية والأمنية.
  • إذاً، المسؤولون الكبار في "المستوى المهني" الخاص بنا يرسلون إلى عمليات غسيل دماغ متطرفة، ويخضعون لعملية تلقين كاملة، ويعودون إلينا مع رؤى الفكر الزائف الفاقدة لأي معنى أو صلاحية في الواقع. وساعر هو فقط مثال على ذلك. هذه الرؤى والتناقضات وإعادة كتابة التاريخ يمكن ملاحظتها تقريباً لدى جميع رؤساء المنظومة، وهي تعكس حالة عدم مسؤولية جماعية والتزام بالحقيقة.
  • هذه القضايا تنطبق على لبنان، لكنها تنطبق أيضاً على حالة رفض الالتزام بالخدمة العسكرية السياسية الحالية، إذ يتعاون رؤساء المنظومة مع حالة الإهمال؛ يبدو أنهم سيخلعون بعد لحظة الملابس العسكرية، وينتقلون إلى الاحتياطين في "قوة كابلان". وهنا أيضاً، المنظومة الأمنية تعمل بالطريقة نفسها: تلاعُب بعقل الجمهور، إخفاء معلومات، إهمال كبير، قيم غريبة، ولاء طبقي، عدم مسؤولية، والأهم من هذا كله عدم فهم للواقع وحجم الأزمة التي يصنعونها.