سنشتاق إلى حرب يوم الغفران
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تهب على منطقتنا من جديد رياح حرب يوم الغفران، التي نحيي بعد شهر ذكرى مرور 50 عاماً على نشوبها. في الأيام الأخيرة، استهلت النشرات الإخبارية نشراتها بصورة لزعماء 1973، يقف أمامهم زعماء 2023، وفي تقدير ياسمين ليفي (في مقال نشرته في "هآرتس" في 13/8) أن بنيامين نتنياهو يجرنا نحو تقصير يوم الغفران 2، كما ظهرت حجج مماثلة في وسائل إعلامية أُخرى. ولدى معاينة هذا كله، لا يمكن عدم المقارنة بين ما حدث حينها وبين ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب. التآكل في قوة الجيش الإسرائيلي، والتراجع في قوة الردع الإسرائيلية، والتصريحات الاستفزازية للسياسيين في الائتلاف، وقبل كل شيء، استمرار عدم مسؤولية رئيس الحكومة، كلها أمور تدفع بنا نحو حرب متعددة الجبهات.
- إذا نشبت هذه الحرب، فستكون حرباً أكبر بكثير من حرب 1973، وأقسى منها بكثير لعدة أسباب أساسية. السبب الأول، نوع التهديد وقوته. دارت حرب يوم الغفران على جبهتين: هضبة الجولان وقناة السويس، وليس في الجبهة الداخلية. في بداية الحرب، وقعت هجمات معدودة في شمال البلد والضرر الناتج منها كان محدوداً جداً. وطوال الحرب، استمرت الحياة العادية في الجبهة الداخلية، بقدر الممكن، وكان الخوف الحقيقي على المقاتلين في الجبهة.
- في الحرب المقبلة، ستكون الأضرار التي ستلحق بالجبهة الداخلية قاسية. والسيناريوهات التي تتحدث عن آلاف الصواريخ التي ستُطلق على إسرائيل خلال الأيام الأولى للحرب هي سيناريوهات واقعية. وهذه الصواريخ لن تصيب فقط بلدات غلاف غزة، أو الجليل، بل أيضاً ستصيب بصورة أساسية منطقة "غديرا - الخضيرة"، وخصوصاً تل أبيب. الدمار الذي سيلحق بالمدن سيكون هائلاً، والخسائر البشرية ستصل إلى الآلاف. كما ستتضرر البنى التحتية للكهرباء والمياه والاتصالات والغاز. ويمكن أن نتعلم مما يجري في المدن الأوكرانية بشأن ما ينتظر إسرائيل. الخسائر لدينا ستكون أكبر بكثير.
- ثانياً، جهوزية الجبهة الداخلية والحصانة الوطنية. في سنة 1973، كان الجمهور الإسرائيلي قد خبِر حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] وحرب الاستنزاف، وعمليات عسكرية كبيرة، وعمليات "إرهاب" و"تخريب". كل هذا زاد في مناعتنا في مواجهة الحرب المقبلة. لذلك، على الرغم من المفاجأة والثمن الباهظ الذي دفعته الدولة، فإنه لم تظهر في الجبهة الداخلية ردات فعل هستيرية، وتفرّغ الجيش وصنّاع القرار لإدارة القتال على الجبهات.
- اليوم، الجبهة الداخلية ليست جاهزة للحرب، لا على الصعيد العملي، ولا على الصعيد الذهني، ويمكننا أن ندرك ذلك من خلال المقارنة بين الحصانة الوطنية، حينذاك، وما هي عليه اليوم، وفي كل المقاييس. ولأن الحرب المقبلة ستكون حرباً تستهدف الجبهة الداخلية، ولأن هذه الجبهة غير مستعدة لذلك، فمن المتوقع حدوث أزمة ثقة وهستيريا عامة بأحجام كبيرة. وبالإضافة إلى الصدمة، فإن ذلك سيجعل من الصعب على الجيش، وعلى قيادة الجبهة الداخلية، وعلى صنّاع القرار، إدارة القتال.
- ثالثاً، كان الجيش الإسرائيلي في سنة 1973 أفضل جيش خاضت إسرائيل من خلاله ساحة القتال. فقد كان مدرباً ومسلحاً بصورة جيدة، ولديه طاقم قيادي خبير في خوض حروب القلة ضد الكثرة. والدليل على ذلك القدرة الهائلة على التعافي من الهزائم التي نزلت بالجيش الإسرائيلي في أول يومين من الحرب.
- اليوم، الجيش الإسرائيلي غير قادر على الدفاع عن الجبهة الداخلية بنجاعة كافية. والمشكلة هي أنه على الرغم من كل الاستثمارات، فإن المنظومة الدفاعية ضد الصواريخ لا تقدم رداً جيداً كافياً. وهذا يعود إلى أن إنتاج الصواريخ أسهل بكثير من منظومات الدفاع ضدها. علاوةً على ذلك، الجيش (النظامي والاحتياطي) لا يتدرب بما فيه الكفاية. في معظم الأحيان، الوحدات على اختلاف أنواعها مشغولة بمهمات الشرطة في المناطق، وليس لدى القادة من مختلف الرتب خبرة حروب حقيقية.
- نأمل بأن يكون أداء القوات المدرعة تحسّن عما كان عليه في سنة 2006، لكن حتى في أفضل السيناريوهات، ستكون هذه القوات بحاجة إلى عدة أيام لاحتلال لبنان، أو المناطق التي تُطلق منها الصواريخ. وإلى أن ينتهي الجيش من هذه المهمات، سيكون حجم الدمار الذي لحِق بالجبهة الداخلية كبيراً جداً. سلاح الجو الذي يُذكر دائماً بصفته المنقذ الكبير، لا يمكنه أن يعيد لبنان إلى العصر الحجري، وهو لا يمكنه أن يمنع ضربات تعيد إسرائيل عدة سنوات إلى الوراء. ومشكلة كفاءة الجيش التي كانت قائمة قبل البدء بالانقلاب القضائي، ازدادت حدةً، وبصورة كبيرة.
- رابعاً، نوعية القيادة. في الذاكرة الجماعية لحرب يوم الغفران، حُفر اسم غولدا مائير واسم موشيه دايان كوصمة عار أبدية. في الواقع، لا شك في أن المستوى المدني الذي أدار الحرب - غولدا ودايان ويغآل آلون ويسرائيل غليلي- تصرّف بصورة جيدة، إذا أخذنا في الحسبان الأزمة في بداية الحرب. علاوةً على ذلك، طوال أيام القتال، لم تظهر لدى الجمهور مؤشرات تدل على عدم الثقة بالقيادة وقدرتها على قيادة الدولة في الأيام الصعبة. الانتقادات وعدم الثقة جرى التعبير عنهما بعد انتهاء المعارك.
- إذا نشبت حرب وكانت الحكومة الحالية لا تزال في السلطة، من الصعب أن تنجح إسرائيل في القيام بعملها. منذ الآن، تعاني الحكومة جرّاء أزمة ثقة لم نشهد لها مثيلاً من قبل. أغلبية الجمهور لا تصدق أي كلمة تخرج من فم رئيس الحكومة، وهو يعتقد أن كل سياسته (حتى في الحرب) تهدف إلى إنقاذه من المحاكمة. ولا جدوى من الحديث كثيراً عن ثقة الجمهور برصانة أعضاء المجلس الوزاري المصغر، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وياريف ليفين وميري ريغيف. وستبدأ الكارثة مع سقوط أول صاروخ في وسط تل أبيب.
- تزداد معقولية نشوب حرب كل يوم لا تزال فيه هذه الحكومة تسيطر على مقاليد الحكم. مع ذلك، لا شيء يؤكد نشوب حرب. هناك أسباب كثيرة لدى إيران وحلفائها للتخوف منها. لكن افتقار حكومة نتنياهو إلى القدرة على الحكم يخلق مساحة رمادية تزداد اتساعاً، وقواعد اللعبة تتغير. وهذا المسار يزيد في احتمالات نشوب حرب عن طريق الخطأ، كما جرى في سنة 2006. ومثل هذه الحرب، من شانها تغيير مصير الدولة بلمح البصر، وأكثر بكثير من التغيير في المنظومة القضائية، ومن أزمة اقتصادية واجتماعية، وأزمة في الهاي - تك، ومن هجرة الأطباء. وهذا يجب أن يكون الشاغل الأكبر لنا.