ماذا تفضّل يا سيدي الرئيس: الضم أم التطبيع؟
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- على الرغم من محاولة طمس الحقائق، فإن اتفاق التطبيع مع السعودية مشروط بتقديم مقابل ملموس إلى الفلسطينيين، وحمْل إسرائيل على التخلي عن الرؤيا المسيانية، وبدلاً منها، الدفع قدماً بحل الدولة الفلسطينية. سيضطر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى الاختيار بين فرصة تعزيز الأمن القومي والاقتصاد، وبين الضم واستكمال الانقلاب على النظام، وتضييع فرصة تحقيق سلام تاريخي وتقويض الاستقرار الإقليمي، وإلحاق الضرر بمصالح حيوية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
- بالاستناد إلى ما يُنشر، فإن الاتفاق الثلاثي، السعودي – الإسرائيلي - الأميركي، يحمل في طياته اهتماماً بقضايا مهمة، بينها إبعاد الرياض عن الصين، وتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، والمسّ بالتفوق النوعي العسكري الإسرائيلي، وغيرها من المسائل. كل هذا مهم، لكن لدينا نزعة متعمدة للتقليل من أهمية موضوع ما سيحصل عليه الفلسطينيون. مؤخراً، ادّعى نتنياهو في مقابلاته مع شبكات إعلامية أجنبية أن السعوديين لا يطالبون بحلول "مهمة" في الموضوع.
- لكن هذه الوقائع لا تستند إلى ما يدور، بل تدل على العكس تماماً، إذ يدّعي مشرّعون ديمقراطيون بارزون أن مجلس الشيوخ الأميركي سيعرقل أي اتفاق لا يتضمن تقديمات إلى الفلسطينيين، بينها تجميد الاستيطان ونقل جزء من المنطقة ج إلى السلطة الفلسطينية. و"خصوصاً في ظل الطابع المتطرف للحكومة." ونشرت صحيفة "الوول ستريت جورنال" أن السعوديين طالبوا أيضاً خلال المحادثات على خطوط الإطار مع الولايات المتحدة "بتنازلات ملموسة من إسرائيل، تساعد في الدفع قدماً بقيام دولة فلسطينية."
- في 12 آب/أغسطس، عيّنت السعودية سفيراً لها لدى السلطة الفلسطينية للمرة الأولى، وهذه الخطوة مهمة على طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية. قبلها، أوضح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو ليس من المؤيدين المتحمسين للفلسطينيين، أنه لن "يسارع" إلى الدفع قدماً باتفاق مع "ائتلاف يميني متطرف" في إسرائيل، وتعهّد أن السعودية ستصر على قيام دولة فلسطينية مستقلة.
- والحال هذه، يبدو نتنياهو منقطعاً عن الواقع القائل إن وضع إسرائيل لا يزال كما كان عليه في اتفاقات أبراهام. لكن بخلاف سنة 2020، لدى الإدارة الأميركية والقيادة السعودية تخوف حقيقي من الضم وتسارُع البناء في المستوطنات، وازدياد الاستفزازات في حرم المسجد الأقصى وأعمال الإرهاب والعنف من طرف اليهود، التي تحظى بالدعم من أعضاء الحكومة (يجب التذكير بأن حكومة نتنياهو تُلحق الضرر باتفاقات أبراهام، فقد تم إلغاء منتدى النقب الذي كان من المقرر عقده في المغرب، وجرى تأجيل زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى البحرين، والتعاون مع الإمارات تباطأ). والتخوف من أن خطوات الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تؤدي فقط إلى إزالة حل الدولتين عن الطاولة، بل تؤدي أيضاً إلى عدم استقرار مستمر في المنطقة، وفي حالة السعودية، عدم استقرار داخلي في المملكة.
- السعودية وإدارة بايدن، اللتان تشعران بالقلق من الانقلاب الدستوري الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية، غير مستعدّتين لتقديم هدية مجانية إلى حكومة اليمين بالكامل. وهما ترفضان العمل وفق صيغة نتنياهو، الدفع قدماً بالتطبيع من خلال الالتفاف على الفلسطينيين؛ ليس تعاطفاً مع أبو مازن، لكن انطلاقاً من الإدراك أن الإضعاف المستمر لمكانة إسرائيل يزود الإدارة الأميركية بورقة يمكن أن يكون لها تأثير في سلوك الحكومة.
- لذلك، فإن إغراء اتفاق التطبيع يمكن أن يتحول بسرعة إلى سوط. ويمكن أن تتهم الإدارة الأميركية نتنياهو، عن حق، بتضييع الفرصة للدفع قدماً باتفاق تاريخي مع السعودية بثمن أقل بكثير من الثمن الذي كان مطلوباً من إسرائيل في المبادرة السعودية العربية العائدة إلى سنة 2002.
- اتفاق تطبيع مع السعودية مرفق بحلف دفاعي إقليمي مع الولايات المتحدة وتهيئة الظروف لتسوية دائمة مع الفلسطينيين، يمكن أن يشكل إنجازاً هائلاً للأمن القومي والاقتصاد في إسرائيل. لكن من أجل هذا الغرض، يتعين على نتنياهو أن يقوم بتغيير جذري في أولوياته وأولويات ائتلافة المسياني الذي أنشأه بنفسه، والذي جعل إسرائيل أسيرة له، ويُضعف مكانتها، ويضرّ بالردع، ويمنع المرونة السياسية المطلوبة من أجل الدفع قدماً بأهداف خارجية وأمنية حيوية جداً.