4 أسباب دفعت يتسحاق رابين إلى توقيع اتفاق كان يتحفّظ عنه
تاريخ المقال
المصدر
- في يوم الثلاثاء، جرى الكشف عن جزء من الصراع الذي كان يدور في قلب يتسحاق رابين، مع نشر محاضر جلسات الحكومة التي عُقدت قبل الموافقة على اتفاق أوسلو الأول، اتفاق إعلان المبادىء. لقد كان رئيس الحكومة الراحل يعمل حتى الأشهر القليلة السابقة على الدفع باتفاق آخر، وحاول حتى اللحظة الأخيرة الامتناع من المشاركة في قناة المحادثات التي شُكّلت في أوسلو. وقال بصراحة تامة: "هذا الاتفاق غير بسيط. هناك القضية الفلسطينية، ومن الواضح أن المقصود اتفاق موقت، وأن المفاوضات ليست مع الوفد الذي لم يكن سوى واجهة - واجهة للفاكسات والمكالمات الهاتفية مع تونس. ولم يملك هذا الوفد أي سلطة مستقلة."
- الوفد الذي تحدث عنه رابين هو الذي وصل إلى واشنطن في تلك الفترة والتقى المسؤولين هناك. وبهذه الطريقة، نشأت قناتان للمفاوضات في آن معاً: رئيس الحكومة أدار المفاوضات في واشنطن، ووزير الخارجية شمعون بيرس قاد المفاوضات في أوسلو. في الجانب الفلسطيني، كان هناك قائد واحد، ياسر عرفات، الذي نجح في معرفة أي قناة سياسية ستقدم له عائداً أكبر، وسارع إلى وضع العقبات في وجه المحادثات في واشنطن. أدرك رابين أن عرفات هو المفتاح في الاتفاق السياسي، وبحسب المحاضر التي جرى الكشف عنها، قال عنه: "قدرته على الفيتو جرى إثباتها بما لا يرقى إليه الشك، أما قدرته على التسليم –DELIVERY- فالمستقبل فقط سيثبتها."
- فإذا كان هذا هو الوضع، ما الذي دفع حكومة رابين إلى الموافقة على اتفاق كان رابين يتحفظ عنه، ومع شريك لا يمكن الاعتماد عليه؟ مثل كل زعيم، كانت تحرّك رابين دوافع وطنية وشخصية. أولاً، في انتخابات 1992، تعهد التوصل إلى اتفاق سياسي خلال 9 أشهر. ووجّه كل اهتمامه نحو اتفاق مع سورية (لم ينضج)، ونحو قناة واشنطن للتفاوض مع الفلسطينيين (التي فشلت)، وبقي احتمال واحد فقط (أوسلو).
- ثانياً، عقيدة رابين الأمنية التي رافقته منذ أيام البلماح، وخلال حرب الأيام الستة، وحتى مرحلة شغله منصب وزير الدفاع في الثمانينيات والتسعينيات، شهدت انقلاباً في حرب الخليج. الصواريخ البعيدة المدى أثبتت مدى ارتباط إسرائيل بالولايات المتحدة للتزود بإنذار ضد الصواريخ. ورأى رابين أنه من الأفضل المحافظة على التأييد الأميركي أيضاً في المواجهة مع إيران التي كانت تشكل تهديداً استراتيجياً مركزياً، وبالتالي يجب تقديم تنازلات في الموضوع الفلسطيني.
- بالإضافة إلى ذلك، الهروب الكبير من تل أبيب في أعقاب إطلاق الصواريخ خلال حرب الخليج أقنعه بأن الجمهور الإسرائيلي لم يعد يتمتع بالمناعة النفسية للوقوف في مواجهة مستمرة مع الفلسطينيين. وقد روى يوسي ساريد أن رابين قال له: "الأمة التي تجهد عضلاتها خلال 50 عاماً، في النهاية، هذه العضلات تتعب."
- الحافز الثالث هو حافز افتراضي تماماً، ويعود إلى أن رابين لم يقدّر قط أهمية غزة. فقد اعتبر القطاع مكاناً من الأفضل التخلص منه، وفي أقرب وقت. ونظراً إلى أن المرحلة الأولى من إعلان المبادىء تتعلق بغزة بالأساس، فهي كانت تتلاءم مع مواقفه بصورة عامة.
- رابعاً، اعتبر رابين الاتفاق اختباراً يمكن العودة عنه ـ وسأل في المحاضر التي كُشف عنها: "هل يمكننا استخدام الاتفاق كاختبار (TEST) في غزة، ووضع لا نتخلى فيه عن السيطرة الكاملة على الضفة الغربية. إنني اقترح الفصل بين ما جاء في الورقة وبين كيفية تحقيقه." يومها، كتب الصحافي أمنون أبراموفيتس: "رابين راشد بما فيه الكفاية، وسياسي بما فيه الكفاية، كي يدرك أنه لا يمكن العودة عن الاتفاق."
- والوضع أصبح أكثر توتراً عندما اتضح أن حزب شاس يمكن أن يستقيل من الحكومة، بعد تقديم كتاب اتهام ضد آرييه درعي. ومن دون إنجاز سياسي ملموس، كان من الممكن سقوط حكومة رابين في تشرين الثاني/نوفمبر 1993. أيضاً الوضع وسط الفلسطينيين لم يكن مشجعاً: فقد نشأ شعور بأن الوقت بدأ ينفد، قبل أن يفقد عرفات ومنظمة التحرير قوتهما وتزداد قوة "حماس".
- بمرور السنين، كان هناك مَن قدّر أنه لو لم يتم اغتيال رابين، لكان أوقف أوسلو بنفسه. ليس هناك ما يدعم هذا الافتراض. وتثبت المحاضر المختلفة التي نُشرت، وخصوصاً خطواته العلنية، أن رابين استمر في تطبيق الاتفاقات، على الرغم من الانهيار الكامل للنظرية التي كانت في أساسها - تسليم عرفات وأجهزة السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية لمحاربة "حماس"، من دون "المحكمة العليا وبتسيلم" [المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في المناطق المحتلة]. لقد تعبت عضلات بطل إسرائيل الذي حارب من أجل إقامة الدولة وتحرير القدس. الضغط السياسي وعدم الثقة بمناعة الشعب دفعاه إلى التوجه نحو قناة أوسلو، على الرغم من المخاطر التي كانت واضحة للعيان منذ بداية الطريق.