الأزمة الداخلية تُهدّد قوة إسرائيل الاستراتيجية
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف
  • تتراكم مؤخراً في إسرائيل مؤشرات سلبية، يُمكن أن تؤثر سلباً في الميزان الاستراتيجي لها. السبب المركزي وراء ذلك هو أن إسرائيل موجودة اليوم في مفترق طرق، فيه ستتخذ قرارات مصيرية تؤثر في مستقبل الدولة وهويتها. عملياً، يمكن أن تجد إسرائيل نفسها في مواجهة مباشرة بين السلطة القضائية والكنيست والحكومة بشأن الطابع الديمقراطي للدولة. إن تحقّق هذا السيناريو، فيمكن أن يؤدي إلى ضرر في القوة الاستراتيجية في ضوء الضعف الذي سيلحق بجميع المجالات، ويؤثّر سلباً في الاتفاق الذي يتم العمل عليه مع السعودية والولايات المتحدة.

مؤشرات على ضعف القوة الاستراتيجية

  • تشكل إيران التهديد المركزي لإسرائيل، وتتواجد اليوم في مسارات تعاظم قوة متعددة الأبعاد. أولاً وقبل كل شيء، الحديث يدور حول تفاهمات شفوية مع الولايات المتحدة في صُلبها وضع قيود على البرنامج النووي العسكري الإيراني، وذلك عبر التزام إيراني بعدم تخصيب اليورانيوم أكثر من مستوى 60%. تم التوصّل إلى هذه التفاهمات على عكس السياسة المُعلنة لإسرائيل، وهو ما يعكس التأثير المحدود لدى حكومة إسرائيل اليوم في الإدارة الأميركية.
  • الإسقاط المركزي لذلك هو أن تنجح إيران في المحافظة على قدراتها العامة في المجال النووي وتمركز نفسها في مكانة دولة على عتبة النووي، بصورة يمكن أن تسمح لها بالاندفاع إلى الأمام والتخصيب إلى مستوى 90% خلال أسبوعين، وبقرار من المرشد الأعلى. هذا بالإضافة إلى أن التفاهمات تترك لإيران هامش عمل يتيح لها الاستمرار في مسارات التعاظم العسكرية، وخصوصاً مجال الصواريخ الباليستية والطائرات المسلحة من دون طيّار، كما وتعميق التعاون مع الجهات المتعددة في محور المقاومة في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله و"حماس" والجهاد الإسلامي. إيران أيضاً تستفيد من تحسّن مكانتها في الساحة الدولية والإقليمية، كنتيجة للمحور الذي تم بناؤه مع روسيا والصين، ومسارات التصالح مع السعودية أيضاً.
  • التصعيد الأمني في الضفة الغربية يتعاظم، وهو ما تم التعبير عنه بقتل 3 مواطنين إسرائيليين خلال الأيام الأخيرة (35 منذ بداية العام في مقابل 31 خلال سنة 2022 كلها)، بالإضافة إلى تصاعد دراماتيكي في محاولات تنفيذ العمليات (منذ بداية العام تم إحباط أكثر من 400 عملية). وهذا إلى جانب الاتجاه العام بتراجع السلطة الفلسطينية والضرر الذي لحق بسيادتها في مناطق من الضفة. هذه الاتجاهات تدفع الجيش إلى التدخّل بصورة أكثر ميدانية، وهو ما يعزّز الاحتكاك بالمجتمع المحلي، ويدفع إلى انتقادات دولية وإقليمية. وهذا الأمر يمكن أن تكون له إسقاطات على المسارات ضد إسرائيل في المحاكم الدولية في لاهاي، وخصوصاً إن تم إضعاف المحكمة العليا، وفقدت من قيمتها الدولية. إيران تقوم أيضاً بالمساهمة في تعزيز التصعيد في الضفة، حتى إنها تمرّر مساعدات إلى البنى "الإرهابية" في المنطقة، وهذا في الوقت الذي تتعامل فيه مع مناطق السلطة الفلسطينية وقطاع غزة كساحات عمل مريحة في المعركة الواسعة ضد إسرائيل.
  • الأزمة الداخلية العميقة التي تعيشها إسرائيل بدأت تنعكس في الواقع، وهو ما يتم التعبير عنه بزعزعة التماسك الاجتماعي الداخلي، وبالتراجع الممكن في الوقت القريب لكفاءة الجيش عموماً، وبالأضرار الاقتصادية والتصدعات في العلاقات مع الإدارة الأميركية. وأكثر من ذلك، فإن الهجوم الأرعن من جانب الوزراء وأعضاء كنيست على قيادات الجيش وأجهزة الأمن، من دون إدانة فورية وحادة من طرف رئيس الحكومة، تُلحق الضرر بقيمة هذه الأجهزة وقدرتها على العمل في إجماع واسع ومكانة قياداتها في المجتمع. لهذه التطورات إسقاطات مباشرة على تراجع صورة إسرائيل وقوّتها في عيون أعدائها.

العوائق أمام اتفاق التطبيع

  • يبدو أن هناك إمكانات عالية للوصول إلى اتفاق سلام مع السعودية بسبب التقاء مصالح غير مسبوق بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية. وعلى الرغم من ذلك، فهناك عدّة عوائق داخلية وإقليمية يمكنها أن تحبط هذه الإمكانات.
  • بحسب الواقع الآخذ في التطور في الساحة الفلسطينية، يمكن تشخيص عدّة مؤشرات على أن القضية الفلسطينية ستكون مركزية أكثر مما تبيّن في التحضير للاتفاق الثلاثي، وأن المطالب المتوقّعة من إسرائيل يمكن أن تشكّل عائقاً جدياً في الطريق إلى اتفاق تاريخي. وهذا، في الأساس، بسبب ما له علاقة بنشوء أفق سياسي ووضع مبادئ واضحة لاتفاق مستقبلي، وعلى رأسها قبول مبدأ حل الدولتين ووقف سياسة توسيع المستوطنات، وهو ما جرى التعبير عنه في تعيين السفير السعودي في الأردن كسفير غير مقيم في السلطة الفلسطينية وقنصل في شرق القدس، الأمر الذي يعبّر عن التزام العالم العربي دعمَ الطموح الفلسطيني، وهو ما انعكس في اللقاء الثلاثي في مصر بمشاركة الرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني وأبو مازن.
  • وأكثر من ذلك، يمكن الافتراض أن إيران وأذرعها في المنطقة سيعملون على تشكيل جبهة موحّدة من أجل تأجيل توقيع الاتفاق، وذلك بسبب إسقاطاته على وضعهم الاستراتيجي (لعبة حصيلتها صفر في مقابل إسرائيل)، وهذا عبر الدفع بعمليّات صعبة أساساً في الضفة، بهدف الوصول إلى تصعيد يشوّش مسار التطبيع.
  • يتضمن المطلب السعودي تطوير برنامج نووي مدني كامل، وفي مركزه تخصيب يورانيوم في الأراضي السعودية، إمكانَ الاندفاع وكسر الحواجز والدفع إلى سباق تسلُّح نووي إقليمي (مصر وتركيا ودول أُخرى). وهذا إلى جانب التخوّف من الضرر الذي سيلحق بالتفوّق النوعي الإسرائيلي كنتيجة للمطلب السعودي بالحصول على منظومات أسلحة متطورة (طائرات F35 على سبيل المثال).
  • وفي نهاية المطاف، يبدو أن الوقت محدود للوصول إلى الاتفاق، وكما يبدو حتّى منتصف العام المقبل في أبعد تقدير، وذلك بسبب دخول المنظومة السياسية الأميركية فترةَ الانتخابات للرئاسة والكونغرس.

إسقاطات وتوصيات

  • في الآونة الأخيرة، تتعاظم المسارات التي تؤثر في القوة الشاملة لدولة إسرائيل. عملياً، تبدو أكثر فأكثر العلاقة بين قوّة إسرائيل المبنية على هويتها "الديمقراطية" وبين تقويض الأساس الديمقراطي كعامل مركزي في تراجع القوّة الاستراتيجية. يمكن أن يكون لذلك تأثير سلبي في إمكانات الدفع باتفاق سلام مع السعودية، وتراجع الميزان الاستراتيجي الإسرائيلي، كما وتعميق الضرر على حرّية العمل الإسرائيلي في المنطقة عموماً، وبصورة خاصة، في مقابل إيران.
  • لذلك، يجب على حكومة إسرائيل أولاً أن تعمل على إغلاق الانقسامات داخل الشعب وترميم الردع، من أجل تقوية الاقتصاد وإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة إلى مسارها الصحيح. هذه كلها شروط ضرورية للمحافظة على قوة إسرائيل الاستراتيجية وتجهيزاتها لمواجهة متعدّدة الجبهات مع اللاعبين في المحور المتطرّف.
  • وللقيام بذلك، يتوجب على الحكومة أن توقف فوراً الاستمرار في الانقلاب الدستوري، وضِمْنَه قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية بصيغته الحالية. وفي المقابل، يجب عليها أن تعلن بصورة واضحة وقاطعة أنها ستقبل بكل حكم من المحكمة العليا، وأنها لن تقوم بتغييرات تشريعية من دون موافقة واسعة، وهذا إلى جانب الوقف التام لجميع الانتقادات العلنية لقيادات الجيش وأجهزة الأمن، وإعلان الثقة الكاملة بعملها.
  • وفي مقابل الساحة الفلسطينية، يجب على الحكومة أن تغير من سياساتها وما تقوم به، وتعمل، أولاً وقبل كل شيء، على دفع السلطة الفلسطينية إلى الاستقرار، مع الاستمرار في عمليات اغتيال الجهات "الإرهابية" واستخدام أيدٍ من حديد ضد الإجرام القومي. وهذا عبر وقف مسارات ضم مناطق وتوسيع المستوطنات، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات اقتصادية وتعميق التعاون مع أجهزة الأمن الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، وخصوصاً مع فترة الأعياد، يتوجب على الحكومة أن تكون حسّاسة للمسيرات الاستفزازية في الأماكن المقدسة في القدس، التي يمكن أن يتم التعامل معها على أنها تغيير في الوضع القائم، وأن تستعملها "التنظيمات الإرهابية" من أجل الدفع إلى العنف والحرب الدينية. وفي هذا السياق، يجب أن تولي الحكومة أهمية كبيرة للمحافظة على منظومة العلاقات الاستراتيجية مع الأردن، الضرورية لتأمين الحدود الشرقية والصراع ضد الجهات "الإرهابية" والمحور الراديكالي.
  • أمّا بخصوص الصفقة مع السعودية، فإنه يتوجّب على الحكومة أن تبحث بصورة شاملة مع الجهات المعنية الإسقاطات على الأمن القومي النابعة من مطالب ولي العهد السعودي، وخصوصاً في كُل ما يخص تطوير دائرة وقود نووي كاملة، وضِمْنَها تخصيب يورانيوم على الأراضي السعودية.