انهيار أوسلو بدأ خلال جلسة الحكومة للمصادقة عليه
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إن قراءة بروتوكول الجلسة التي صادقت خلالها حكومة يتسحاق رابين على مبادئ اتفاق أوسلو تترك شعوراً مختلطاً؛ هناك مَن يرى فيها شهادة على عمى الحكومة وتجاهُلها تحذيرات قائد هيئة الأركان العامة، حينها، الجنرال إيهود باراك، بشأن صعوبات التطبيق؛ وهناك مَن يقدّر أنها تنمّ عن شجاعة الحكومة في المضيّ قدماً في خطوة سياسية صحيحة، تم إفشالها بسبب التعاون بين المتطرفين من الجانبين، كما تقول المحللة السياسية كارولينا لندسمان. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن اقتراح قراءة مختلفة، وبحسبها، فإن العد العكسي لانهيار اتفاقيات أوسلو بدأ في تلك الجلسة ذاتها.
  • كان اتفاق أوسلو بمثابة اتفاق تنازُل تاريخي بين إسرائيليين وفلسطينيين، ولكن النقاش لم يعكس ذلك. فيتسحاق رابين يبدو (وبحق) كمن فُرض عليه الوصول إلى هذا الاتفاق تقريباً، أما شمعون بيرس فيتفاخر بالإبقاء على مصنع المستوطنات كما هو، في حين قلّل وزراء ميرتس من قيمة الحدث، والتزم مصمم الاتفاق يوسي بيلين الصمت. فقط الوزيران موشيه شاحل وحاييم رامون انزاحا عن هذا النمط من الحديث. صحيح أن رابين شرح أنه لم يُشرك الجيش في المفاوضات، وأن الحديث يدور حول موضوع سياسي، لكن في الحقيقة، كان النقاش عسكرياً بشأن الدفاع عن المستوطنات.
  • إن مَن أطلق هذا المستوى من الحديث كان رئيس هيئة الأركان العامة باراك الذي حذّر من "مشاكل كبيرة جداً في تطبيق المركّبات الأمنية"، وفي مركزها الدفاع عن حرية حركة المستوطنين والقدرة على اعتقال منفّذي العمليات. وأشار باراك إلى أن طريقة العمل الحالية في الضفة لا يمكن أن تستمر، لكنه لم يطرح أي بديل. لم يفهم أن الحديث يدور حول واقع جديد، بل سخر من التعاون مع الفلسطينيين، وغاص في نقاش تكتيكي "كيف يمكن التنسيق مع الشرطة الفلسطينية بشأن دخول جنود غفعاتي؟" وبكلمات أُخرى، حاول هو وآخرون التعامل مع سؤال: كيف يمكن تجاهُل التغيير؟ وبحسب كلام الوزير شاحل، فإن "رؤية أجهزة الأمن كانت: أن ما كان هو ما سيبقى."
  • وامتنعت الحكومة من نقاش الرؤية السياسية الواسعة والمصطلحات السياسية، مثل "سيادة فلسطينية" و"دولة فلسطينية"، وتقريباً تم إخفاء هذه الأصوات. الوزيرة شولاميت ألوني كانت الوحيدة بين الوزراء التي تحدثت في السياسة. وسألت: "من دون القيام بهذا الاتفاق، هل هناك بديل يضمن حالة أمنية أفضل، بعد أن يفقد الشعب الذي يعيش تحت سيطرتنا كل أمله، وتسيطر ’حماس’ مرة أُخرى، ونستمر في فرض الحصار، ونستمر مع عدم وجود الأمل هناك؟" هي وحدها رأت القيمة الأمنية في إضعاف العداء الفلسطيني، وليس بالسيطرة العسكرية.
  • هكذا تم الحكم على الاتفاق مستقبلاً. إذا كان الاتفاق عسكرياً، فالمطلوب وضعه في يد الجيش لصوغه، بعد توقيع المبادئ، وليس وزارة الخارجية، وخصوصاً أن تدخُّل الجيش ساهم في زيادة شرعية الاتفاق الجماهيرية. الجيش صاغ اتفاقيات أوسلو كاتفاقيات عسكرية تضمن استمرار السيطرة الإسرائيلية الذكية في الضفة وغزة، ولا تجهز السلطة للتصرف كدولة، هذا في الوقت الذي يستمر مصنع المستوطنات بالازدهار، وتظل حرية حركة الفلسطينيين محدودة.
  • إن النتيجة، بحسب التحليل الحاد لرئيس جهاز الأمن العام ["الشاباك"]، خلال تلك الفترة، عامي أيالون، هي إيجاد تيار كامل من محبَطي أوسلو، وهو مَن دفع بالانتفاضة الثانية، وأدى إلى انهيار الاتفاقيات. إن الحكومة لم تتجاهل تحذيرات قائد هيئة الأركان العامة، إنما وضعت الاتفاقيات بين يديه. والمتطرفون ليسوا المسؤولين عن انهيار الاتفاقيات، بل معسكر الوسط - يسار الذي صاغها. وهذه عبرة مهمة للمستقبل، عندما تعود إسرائيل إلى مسار المفاوضات مع الفلسطينيين.