بشأن "قانون التجنيد" الجديد المتعلق بالشبان الحريديم وإسقاطاته السياسية والأمنية والاقتصادية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • بعد إقرار تعديل "قانون أساس: القضاء" لتقليص حجة المعقولية؛ قدم أعضاء كنيست من حزب يهدوت هتوراه [اليهود الأشكيناز الحريديم المتشددون دينياً] "مشروع قانون أساس: التعليم التوراتي". وبحسب شرح مشروع القانون، سيتم اعتبار التعليم التوراتي قيمة أساسية في إرث الشعب اليهودي، لذلك، فإن حقوق الذين يتعلمون التوراة، ستكون مأساوية لمن خدم دولة إسرائيل والشعب اليهودي خدمةً جدية. وإلى جانب القيمة الإعلانية للقانون، فإن الهدف المركزي الذي يقف خلفه هو السماح بتعديل قانون الخدمة الأمنية بشكل يُمأسس، قانونياً، الإعفاء الجارف من الخدمة العسكرية الذي يحصل عليه أبناء المدارس الدينية. وبحسب مشروع القانون - "قانون التجنيد" - فإن جيل الإعفاء من الخدمة العسكرية سيغدو أقل (كما يبدو 22 عاماً)، وعدد المجندين في أوساط طلاب المدارس الدينية ستحدده الحكومة، وليس الكنيست. ولن يتضمن القانون أي عقوبات أو أهداف؛ وعملياً، سيتحول تجنيد الحريديم إلى تطوُّع، من دون إلزام بالخدمة العسكرية، أو القومية.
  • في هذه المقالة، سيتم عرض مشاريع القوانين الموجودة اليوم على طاولة الكنيست في سياق التجنيد، وفحص إسقاطاتها العملية، وأيضاً المخاطر الكامنة فيها، وضمنها التأثير السلبي في كفاءة الجيش وقدراته العملياتية، هذا بالإضافة إلى مكانة "جيش الشعب" ورواية الخدمة العسكرية.
  • المشاريع الموجودة على الطاولة: تم دمج 4 مبادرات تشريعية في مشروع قانون: تعليم التوراة: تعديل قانون الخدمة الأمنية (قانون التجنيد)؛ مشروع قانون أساس: تعليم التوراة؛ قانون قيمة الخدمة؛ خطة التجنيد التفضيلية التي أصدرها الجيش.
  • إن القصة السياسية بشأن تجنيد الشبان الحريديم للجيش مستمرة منذ أكثر من 20 عاماً. وثمة حكومات تفككت بسبب الترتيب القانوني لإعفاء طلاب التعليم التوراتي من الخدمة العسكرية، وبات الاعتقاد المسيطر هو أن الحل الأخلاقي غير قابل للتطبيق سياسياً، لأن قيادات الأحزاب الحريدية لن تقبل أبداً قانوناً يفرض الخدمة الإلزامية على الشباب الحريدي، بالصورة نفسها التي تفرضها الخدمة الإلزامية على كل شاب وفتاة في إسرائيل. كما أن الواقع السياسي - الاجتماعي لا يسمح بحلّ لائق من ناحية قيمية.
  • إلى جانب سؤال العدالة عن إعفاء طلاب المدارس الدينية، فإن البعد القضائي مركزي جداً - صلاحية المحكمة العليا في التدخل في التشريعات. في سنة 1988 (بعد أن تم رفض 4 استئنافات مسبقاً)، حكمت المحكمة العليا في "قضية رسلر" ضد وزير الدفاع، وبأنه يمكن البت في قضية تجنيد الحريديم قانونياً. بعد ذلك بعشرة أعوام، لا تزال القضية مفتوحة، ولم يتم حلها، ولا يزال السؤال المطروح هو هل يمكن حلّ إشكالية تجنيد أبناء المدارس الدينية عبر قانون أساس؟ مع الإشارة إلى أن قوة الكنيست أيضاً لا تزال محدودة في هذا السياق. ومنذ ذلك الوقت، هناك نقاشات جماهيرية وأكاديمية حادة في سؤال: هل من اللائق بالمحكمة إلغاء تفاهمات تم ترتيبها، تشريعياً، في الكنيست بهذا الشأن؟ وفي جميع الأحوال، نقطة الانطلاق اليوم هي أن تعديل القانون سيمرّ من المحكمة العليا التي ستبحث في الاستئنافات التي ستُقدم حتماً. ولذلك، طالبت الأحزاب الحريدية بالدفع قدماً بـ"فقرة التغلب" التي من شأنها التأكيد أن المحكمة لن تستطيع إلغاء القانون.
  • محاولة أُخرى للدفاع عن القانون جرت خلال الحوارات في بيت رئيس الدولة - محاولة التوصل إلى تفاهمات بشأن بنود "الإصلاحات القضائية" - إذ تم البحث في فقرة تمنح التفاهمات المتعلقة بخدمة الحريديم العسكرية حصانة من التدخل القضائي. وبعد اتخاذ القرار بعدم الدفع بـ"فقرة التغلب"، وأيضاً بسبب الفشل في الحوارات التي كانت تهدف إلى التشريع بالتوافق، بات قانون أساس: "التعليم التوراتي"، هو الرد الأساسي المعقول الموجود لدى الأحزاب الحريدية.
  • يجب التذكير بأنه على الرغم من أن كثيرين من أعضاء الحكومة أعلنوا تحفُّظهم عن قانون أساس "التعليم التوراتي"، فإن القانون موجود في الاتفاقيات الائتلافية التي وقّعها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حرفياً: البند 90: "بسبب الأهمية التي يوليها الشعب اليهودي للتعاليم التوراتية على مدار الأجيال، سيتم استكمال قوننة قانون أساس: ’التعاليم التوراتية’ الذي يقرّ بأن التعليم التوراتي هو قيمة أساسية في إرث الشعب اليهودي، وذلك حتى تمرير الميزانية لسنة 2023. وتم الاتفاق على أنه سيتم الاستمرار في هذا الإرث في دولة إسرائيل." وفي الوقت نفسه، إلى حين تمرير الميزانية لسنة 2023، سيتم استكمال تعديل قانون "الخدمة الأمنية"، بهدف ترتيب مكانة طلاب المدارس الدينية بالاتفاق بين جميع مركّبات الائتلاف. وجاء أيضاً أنه في قسم "الدين والدولة" من الاتفاقيات، سيتم ترتيب الموضوع كشرط قبل تأليف الحكومة، ولكن جرى الاتفاق على تأجيله، بشرط استكمال التشريع حتى موعد تمرير الميزانية. وعلى الرغم من التوضيحات التي تشير إلى أن الموضوع جوهري بالنسبة إلى الأحزاب الدينية، فإن من الواضح أن وظيفة القانون هي منح غطاء قانوني لـ"قانون التجنيد" وضمان أنه سيحصل على مصادقة المحكمة العليا مع وصوله إليها.

قانون التجنيد: الهدف من المساواة والهدف من التشغيل

  • بصورة عامة، النقاش بشأن قانون التجنيد يتركز على هدفين مركزيين: المساواة والتشغيل. الهدف من الأول تقليص عدم المساواة بين مَن يخدم ومَن لا يخدم؛ أما الهدف الثاني فهو الدفع بدمج طلاب المدارس الدينية في سوق العمل، وبذلك تزداد مساهمتهم في السوق. عندما ألغت المحكمة العليا القانون سابقاً، استندت إلى الادعاء القائل أنه لا يتماشى مع المطالب بالمساواة، ومن خلاله، تجري عملية تمييز قرار التجنيد الإلزامي. فبمَ تختلف صيغة القانون الحالية عن الصيغ السابقة؟
  • على الرغم من أن الصيغ السابقة للقانون، التي تم الدفع بها من طرف حكومات سابقة، لم تعطِ إجابة وافية عن هدف المساواة في الخدمة، فإن القانون المقترَح يختلف عن الصيغ السابقة على عدة صُعد مهمة.
  • لا توجد أهداف محددة - على عكس الصيغ السابقة، التي كانت في مركزها نية دمج الجمهور الحريدي في الجيش، عبر وضع أهداف للوصول إليها من حيث أعداد المجندين، الصيغة الحالية لا تعرّف أي أهداف للتجنيد، ولا تحاول رفع أعداد طلاب المدارس الدينية، بالتدريج،  في الجيش وفي أي خدمة أُخرى.
  • عدم وجود عقوبات - لا يوجد أي تفصيل لعقوبات سيتم تفعيلها في حال لم يتم التوصل إلى الأهداف في مجال التجنيد. عملياً، يترك القانون سؤال التجنيد لخيار طلاب المدارس الدينية الشخصي.
  • الحكومة ستحدد الأعداد - على عكس الصيغ السابقة من القانون، والتي كانت فيها مسؤولية تحديد الأهداف التي يجب الوصول إليها بشأن أعداد المجندين بيد الكنيست، في الصيغة الحالية، الحكومة هي التي ستقرر. لذلك، من المتوقع أن تكون الأعداد المحددة أقل من تلك الموجودة اليوم، وبصورة خاصة بسبب عدم وجود أهداف مسبقة محددة ونقاط انطلاق تطمح إلى زيادة تدريجية.
  • فيما يتعلق بزيادة المنح المالية لطلاب المدارس الدينية ودعم المؤسسات التعليمية التي لا تدرّس العلوم - إلى جانب الدفع بقانون التجنيد وقانون أساس "التعليم التوراتي"، التزمت الحكومة، بحسب الاتفاقيات الائتلافية، بزيادة جدية (مضاعفة تقريباً) للمنح المالية للطلاب المعتكفين من طرف الدولة، هذا إلى جانب زيادة جدية على ميزانيات التعليم الحريدية الخاصة، والخاصة جزئياً (بتكلفة 2 مليار شيكل تقريباً).
  • وماذا عن قانون قيمة الخدمة؟ الهدف من قانون قيمة الخدمة هو منح مقابل مادي خاص لمن يخدم في الجيش. وبحسب مصادر إعلامية، فإن القانون سيمنح امتيازات لجميع من يخدم، بالأساس للمقاتلين، وأيضاً لمن يخدم في جيش الاحتياط. الذين يدفعون بالقانون مصممون على الدفع بجميع هذه الترتيبات، وبذلك يجعلون الصورة تبدو أقل ضرراً بمجال المساواة، وفي مقابل عدم المساواة، يتم التعويض بقانون قيمة الخدمة الذي سيمنح مَن يخدم امتيازات، وخصوصاً المقاتلين. وإلى جانب أهمية القانون الواضحة، يجب الحذر من تبنّي هذه الرواية التي تريدها الحكومة: المعادلة التي تربط ما بين سلب الحرية المنوطة بالخدمة العسكرية، وخصوصاً أنها تتضمن خطراً على الحياة، في مقابل قيمة مالية، فيها إشكاليات قيمية بنيوية. إنها تُلحق ضرراً كبيراً برواية الخدمة العسكرية وتضر بمبدأ المساواة كثيراً.
  • وماذا عن مخطط التجنيد؟ بحسب مخطط التجنيد الجديد، إن نموذج التجنيد سيفاضل. فالجنود الذين يخدمون في مراكز ضرورية أقل، سيخدمون 24 شهراً، في الوقت الذي سيمضي الجنود الذين يخدمون في مراكز تحتاج إلى تجهيز خاص مدة 32 شهراً، ويحصلون على إضافة مالية، بدءاً من الشهر الـ25 من خدمتهم. بما معناه: مبدأ المخطط هو تقليل الخدمة المبدئية للجميع، وبعد ذلك، تبدأ عملية تفاوضية على صعيد الخدمة، وأيضاً المقابل المادي. الحديث يدور عن مخطط طرحه الجيش ويدعمه أيضاً.

إسقاطات

  • نموذج جيش الشعب - قانون التجنيد المقترح، وفي حال تم طرحه مع قانون أساس "التعليم التوراتي"، أو تم تحصينه بطريقة أو بأُخرى من النقض القانوني، سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش نموذج "جيش الشعب". المبادرة القانونية لا تشرّع التمييز الموجود اليوم فقط، بل تعلن الدولة، من خلال التشريع، أنها لم تعد ترى في الخدمة العسكرية قيمة عليا. مساواة حقوق طلاب المدارس الدينية بمن يخدمون "خدمة جدية" في الجيش هي بمثابة التخلي عمّن يخدمون، وأيضاً تجاهُل مستفز لمركز الخطورة على الحياة المنوطة بالخدمة العسكرية. بذلك، يتم إغلاق الباب أمام إمكانية الحفاظ على الرواية التي تفرض الخدمة العسكرية الإلزامية. المزيج ما بين القانونين- عدم المساواة المعلن، إلى جانب تقليل قيمة الخدمة العسكرية، يشجع على احتجاج الجمهور الذي يخدم. يمكن رؤية إشارات إلى ذلك اليوم، حركة الاحتجاجات "أمهات في الجبهة"، وتقديم استئناف بشأن الموضوع، وطرح مطلب المساواة بالخدمة في مركز الاحتجاجات الجماهيرية ضد "الإصلاحات القضائية". في هذه الحال، إن الخطر على استمرار الخدمة الإلزامية حقيقي. حتى لو كان الحديث يدور حول تراجُع تدريجي ومتراكم، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى ضرر لا يمكن العودة عنه، وسيكون مدعاة لبكاء أجيال مقبلة.
  • المساواة في الخدمة - حتى لو لم يكن لدى أي من الأطراف اليوم رؤية للمساواة في الخدمة، وبات الاعتقاد المسيطر هو أنه لا توجد طريقة لتجنيد الحريديم، والمعادلة المسيطرة هي أن الصحيح قيمياً ليس بالضرورة قابلاً للتطبيق سياسياً، فإن قانون التجنيد الجديد يغيّر نقطة الانطلاق بشأن الخدمة العسكرية. وبغياب الأهداف والعقوبات، وعندما تكون الحكومة هي التي تحدد الأعداد، فإن المعنى هو التنازل كلياً، وبشكل تام، عن مشاركة الجمهور الحريدي في تحمُّل أعباء الخدمة العسكرية وقوننة التمييز رسمياً.
  • الهدف التشغيلي - المساواة ما بين حقوق طلاب التوراة، إلى جانب مضاعفة الميزانيات لدعم المعتكفين والمؤسسات التعليمية التي لا تدرّس العلوم، يتعارض مع الافتراض التاريخي القائل إن تقليل جيل الإعفاء من الخدمة العسكرية سيساعد على دمج الجمهور الحريدي في سوق العمل. في هذه الحال، لن يكون لدى طلاب المدارس الدينية أي دافع للتنازل عن سلة الامتيازات الممنوحة لهم، ولن يذهبوا للحصول على مقومات أساسية مطلوبة للاندماج في سوق العمل، وسيبقى هذا الهدف بمثابة كلام موجّه إلى الخارج ليس إلا.
  • في الخلاصة، الرؤية الموجهة إلى مجموعة مشاريع القوانين المرتبطة بقانون أساس: التعليم التوراتي، هي أنه في مقابل انعدام المساواة الواضح في قانون التجنيد، ستعبّر الدولة عن تقديرها لمن يخدم عسكرياً، وبالأساس للمقاتلين، وتمنحهم امتيازات. يمكن الافتراض أنه بذلك تنوي الحكومة تقليل الانتقادات وتمرير المبادرات جميعها. إن الإشكاليات القيمية البنيوية بدفع مردود مالي في مقابل إلحاق الضرر بمبدأ المساواة وسلب الحريات المنوطة بالخدمة العسكرية، وخاصة الخطر على الحياة، تجعلني أشك كثيراً في قبول الجمهور هذه المعادلة.