من قبر يوسف حتى ديزنغوف: الصلاة كسلاح
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • خط مباشر واحد يربط ما بين الأحداث الأخيرة في "قبر يوسف" وميدان ديزنغوف، والمسجد الأقصى. عضو الكنيست موشيه غافني قال هذا الأسبوع إننا نعيش في حرب دينية. وكان يقصد الاحتجاجات التي أحبطت الصلاة في تل أبيب (ومدن علمانية أُخرى) خلال "يوم الغفران"، وذلك بسبب خرق شروط الترخيص التي منحتهم إياها بلدية تل أبيب، وبحسب قوله، ممنوع الفصل بين الرجال والنساء. غافني على صواب وخطأ في الوقت نفسه. فهو على صواب عندما يقول إننا في خضم حرب دينية. ومخطئ حين يدّعي أن المحتجين ضد الانقلاب القضائي هم الذين أعلنوا هذه الحرب.
  • اليمين الاستيطاني المسياني أعلن الحرب الدينية منذ عشرات الأعوام. وباسم هذه الحرب، أقيم مشروع المستوطنات وترسخ على حساب الخدمات الأُخرى الضرورية لمواطني دولة إسرائيل. ومن أجل تأجيج هذه الحرب، يطالب المستوطنون الجيش بالتضحية بالموارد والقوى البشرية. فمثلاً، لتأمين الصلاة في "قبر يوسف"، تتم عرقلة حياة المجتمع الفلسطيني في المنطقة. ومن أجل انتشارها في الشرق الأوسط برمته، يقوم شركاء وزير الأمن القومي بالصلاة - علناً، وباستفزاز - في ساحات المسجد الأقصى، أو يخرجون للدفاع عن حق اليهود في البصق على المسيحيين.
  • حتى أنه يجب قراءة المواجهة في ميدان ديزنغوف في إطار هذه الحرب الدينية. وفي الوقت نفسه، ليس صحيحاً أن حركة الاحتجاجات هي التي أعلنت هذه الحرب على الدين أو المتدينين، كما يدّعي داعمو الانقلاب الدستوري. وبغض النظر عمّا إذا كنا نوافق أم لا، يجب التعامل مع الاحتجاجات على أنها عملية دفاع عن النفس قام بها المحتجون كردٍّ على الحرب التي أعلنتها هذه المؤسسات المسيانية التي نظّمت الصلاة، على نمط الحياة العلمانية.
  • الانقلاب الدستوري غير معزول، طبعاً، عن هذه الحرب الدينية. فهو يشكل استمراريتها الطبيعية، والهدف منها مأسسة الخطوات السابقة بشكل لا يمكن العودة عنه. الهدف من وراء الانقلاب، وخاصة بالنسبة إلى الأحزاب التي تشكل إهانة للصهيونية الدينية، هو تشريع السيطرة اليهودية والتفوق اليهودي المطلق على كافة الأراضي غربي نهر الأردن، وإن كان ممكناً إقامة دولة شريعة توراتية أصولية، تتضمن بناء الهيكل الثالث.
  • وماذا بشأن الفلسطينيين؟ افحصوا "خطة الحسم" الخاصة ببتسلئيل سموتريتش، وبحسبها، أمامهم ثلاثة خيارات: الاستسلام وقبول نظام الأبارتهايد، أو الهروب، أو المعارضة، وعلى الجيش التعامل معهم. حتى أن غافني وزملاءه انضموا إلى هذه الحرب الدينية، ولو كانت دوافعهم مختلفة. دعمهم للحرب الدينية التي يخوضها اليمين الاستيطاني والانقلاب الدستوري، يهدف إلى تأبيد وضع الحريديم، والاستمرار في منعهم من الوصول إلى التعليم العالي ومصادر المعيشة وضمان تبعيتهم المطلقة للقيادات الدينية.
  • ومن غير المفاجئ، أن تكون الصلاة في هذه الحرب هي السلاح. وهذا صحيح بالنسبة إلى "قبر يوسف"، وأيضاً ميدان ديزنغوف والمسجد الأقصى. منذ عشرات الأعوام، تُستخدم الصلاة كأداة لمأسسة سيطرة المستوطنين في الضفة الغربية. أول أمس، في الحرم الإبراهيمي، وأمس، في "قبر يوسف"، وغداً، في "مذبح يهوشوع".
  • في هذه الحالة، فإن وظيفة الصلاة ليست في التعبير عن توجُّه الإنسان إلى الرب، إنما هي أداة تواصُل بين البشر توضح - للجيش والعلمانيين والفلسطينيين- مَن هو صاحب المنزل هنا. وسلاح، ككل سلاح، يتم تشغيله بطرق مختلفة لتحقيق أهداف الحرب: الصلاة تُستخدَم في يد رجال الدين في الحرب الدينية كأداة لفرض الحصار، وقيود على الحركة، وإزعاج مستمر يشوش نمط الحياة والسياحة والتجارة.
  • من حق كل إنسان أن يصلي، ومثل حقوق أُخرى مهمة، على الدولة أن تضمنها، إلّا إن وجود هذه الحقوق لا يمنح الصلاحية لاستخدامها بهدف إلحاق الضرر بالآخر. حق الإنسان في الحركة لا يمنحه الحق في اختراق منازل الآخرين والسكن فيها. حق المرأة في التعبير عن نفسها لا يمنحها الحق في نشر الإشاعات، أو التحريض على العنصرية.
  • وكذلك الأمر بالنسبة إلى حق الإنسان في الصلاة، لكن هذا لا يمنحه الحق في استخدامها لأهداف أُخرى، كحصار الآخرين. الصلاة التي تُستخدَم كسلاح هي صلاة غير محمية بهذا الحق. مَن لا يريد إقحام نفسه في حرب دينية، من الأفضل له عدم استخدام الصلاة كسلاح.