رعبٌ في سديروت ورعبٌ في حيّ الرمال
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في غزة، يعيش بشر. حالياً، من الصعب الحديث عن هذه الحقيقة. عندما يصل حديث "الحيوانات" إلى وزير دفاع مخضرم وصاحب تجربة، ويكون هو السائد في الشارع، وفي استديوهات التلفزيون، من الصعب الحديث عن أهل غزة كبشر... ومع ذلك، يعيش في غزة أكثر من مليونيْ إنسان، نصفهم من أحفاد اللاجئين الذين أوجدتهم إسرائيل، وهذه الحقيقة يجب أن تظهر إلى العلن، الآن تحديداً، على الرغم من صعوبتها.
- ليس كلّ سكان غزة من "حماس". وقبل أن تذبحوا وتدمروا وتقتلوا وتقتلعوا، يجب أن تأخذوا هذا في الحسبان. يجب تصفية الحساب مع "حماس"، وليس مع سكان غزة. قلوبنا مع أهل غزة، بغض النظر عن التضامن العميق مع ضحايا إسرائيل. يجب أن يكون مسموحاً الوقوف إلى جانب سكان الجنوب، ولكن أيضاً يجب أن نتذكر أن في مواجهتهم يعيش بشر مثلهم. يجب الحرص على مصير سكان غزة، وأن نعرف كيف نفرّق بينهم وبين الزعامة الحماسية. كما يجب، ومن الضروري، حتى في الأجواء الحالية، الحديث عن غزة بمفاهيم إنسانية.
- لقد قمت هذا الأسبوع بزيارة إلى الجنوب، من سديروت، وصولاً إلى راعيم، وصُدمت. التقيت أشخاصاً عاشوا كابوساً لن ينسوه في حياتهم، وقلبي معهم. لكنني لم أكن قادراً على عدم التفكير في أنه على بُعد كيلومترات قليلة عنهم، تحلّ كارثة أكبر بكثير بحق سكان غزة. الصور من غزة صادمة. لكن الأهم من ذلك، عجز السكان وعدم وجود مكان يهربون إليه، وكيف يحمون أولادهم، وأين يختبئون. في غزة، لا يوجد ملجأ، ولا مجال للخروج.
- هذا الأسبوع، ركضنا إلى الملاجىء كلّ بضع دقائق، وفي تل أبيب، تنطلق صافرات الإنذار. في غزة، لا يوجد إنذار، ولا صافرات، ولا ملاجىء. "حماس" هي المسؤولة عن ذلك، لكن السكان متروكون لمواجهة مصيرهم- أطفال، مسنون، نساء، عراة في مواجهة قصف الطائرات. تخيلوا قصفاً لا يتوقف من دون أي إنذار، قصفاً عشوائياً، وبحسب الناطق بلسان الجيش الذي قال يجب "التشديد على الأذى وليس على الدقة."
- من الصعب تصوير الرعب في سديروت. ومن الصعب أيضاً تصوير الرعب في حيّ الرمال. إنها ليست مسابقة بين مَن يعاني أكثر، كي نفهم أن المعاناة في غزة مخيفة. خلال سنوات كثيرة، زرت منازل في غزة، والتقيت أشخاصاً ودودين وصادقين وشجعاناً. لديهم تصميم، ويتمتعون بروح فكاهة خاص. لقد وثّقت معاناة لا يوجد لها مثيل في أماكن كثيرة من العالم، وعلى الرغم من ذلك، فإن معنويات الناس هناك لم تنهَر يوماً.
- 17 عاماً من الحصار، أُغلقت غزة أمامي. وأعتقد أنها تغيرت خلال هذا الوقت: وُلد جيل جديد، واليأس أصبح أكبر. لكن هل من الممكن أن نبقى لامبالين، وأن نفرح بالصور من غزة؟ كيف يمكن أن ننسى أن المقصود بشرٌ طُرد آباؤهم من أرضهم، وأُرسِلوا إلى مخيمات لاجئين، وحُكم عليهم بالبقاء هناك؟
- هؤلاء بشر نهبت إسرائيل أرضهم وطردتهم، ثم احتلتهم مجدداً في وطنهم، وبعد ذلك، جعلتهم يعيشون في قفص. هم اختبروا القصف العشوائي سابقاً، لكنه الآن الأسوأ من جميع الجهات. لقد أعلنت إسرائيل أنها لن تقيّد نفسها بأيّ قيود كانت تلتزم بها في هجماتها السابقة. المئات من عناصرها ارتكبوا جرائم مريعة، حصيلة 17 عاماً من الحصار، و75 عاماً من المعاناة، مع ماضٍ دموي، ومن دون حاضر، ولا مستقبل. لكن ليست كل غزة مذنبة.
- عندما أجلس في ملجأ جاري في تل أبيب، لا أستطيع إلاّ أن أفكر في صديقي منير في بيت لاهيا، الذي لا يوجد مكان يهرب إليه، كما أنه لا يمكنه الهرب بعد السكتة الدماغية التي أصيب بها. أفكر في سكان غزة الذين لا أحد في العالم يهتم بمصيرهم.