سحقُ غزة، والسيطرة على الحدود، و"اقتصاد تسلُّح" حذِر - صورة الوضع
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- مع بداية اليوم الرابع للحرب، يبدو أن الجيش استعاد زمام المبادرة، ويعمل بحسب خطة منظمة وأولويات، في مركزها الجبهة الجنوبية. في الشمال، حتى اللحظة، لا توجد إشارات إلى أن حزب الله والفصائل الفلسطينية يخططون للقيام بعمل كبير أبعد من الاستفزازات الحدودية، وأحياناً، محاولات الاختراق، لكن هذا لا يعني أن الوضع سيستمر على ما هو عليه. الجيش جمع قوات كبيرة جداً، بحجم عدة ألوية، وسلاح الجو يقوم بإجراء تحضيرات لإمكانية اندلاع حرب أيضاً في هذه الجبهة، لكن حتى الآن، لا توجد إشارات. يرتكز أساس عمليات الجيش في الجبهة الجنوبية - على صعيديْ الهجوم والدفاع، وأيضاً التعامل مع الجبهة الداخلية، وضمنها جهود متنوعة لإعادة المخطوفين والمفقودين.
- جبهة فعالة إضافية تغلي على نار هادئة، هي الضفة، هناك محاولات يومية لتنفيذ هجمات و"إخلال بالنظام" على مستوى واسع. وبحسب مصادر إعلامية فلسطينية، فإن قوات الجيش قتلت 17 شخصاً، وأصابت العشرات. الحديث يدور حول قتال فعال، لكنه في هذه اللحظة، ليس بالحجم الذي يصل إلى احتجاجات شعبية واسعة.
- على الصعيد الاستراتيجي، نلاحظ انضمام الولايات المتحدة الحربي على صعيدين: الأول، هو التزويد السريع بالسلاح والقطع للدفاع الجوي وسلاح الجو، بالأساس، لكي تكون إسرائيل جاهزة لحرب متعددة الجبهات، بما معناه في مواجهة حزب الله وإيران وأذرعها الأُخرى. وأيضاً، التنسيق على مستوى وزير الدفاع وقائد هيئة الأركان، وأيضاً على مستويات أقل، كالتنسيق بين شعبة العمليات وبين قيادة المنطقة الوسطى الأميركية، ومع الإدارة في واشنطن. والهدف منه ضمان ألّا تتفاجأ إسرائيل استراتيجياً.
- حالياً، تم تقسيم العمل بين إسرائيل والأميركيين خلال محادثات بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والرئيس جو بايدن، ومحادثات بين وزير الدفاع يوآف غالانت ووزير الدفاع الأميركي أوستن. معنى تقسيم العمل هذا هو أن إسرائيل والجيش سيتعاملان بقواتهما في مواجهة غزة، وأيضاً مقابل الجبهات الأُخرى - إذا فُتحت - من لبنان وسورية. الأميركيون يمنحون غطاءً استراتيجياً، الهدف منه منع دخول إيران وأذرع أُخرى إلى القتال.
- حاملة الطائرات جيرالد فورد والمدمرة هايجس تقتربان من إسرائيل، والهدف التوضيح لإيران أنه في حال أطلقت صواريخ أو مسيّرات، فإن الولايات المتحدة ستشارك في جهود الاعتراض، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي، وضمنها "حيتس 3" الموجودة لدى الجيش. الولايات المتحدة لن تشارك في القتال، إذا لم تتحرك إيران مباشرة. الوجود الأميركي في منطقة البحر المتوسط والخليج الفارسي يهدف إلى منح إسرائيل شبكة أمان وغطاءً استراتيجياً.
- هذه القضية مهمة للتوضيح: لا توجد أيّ معلومات عن نية إيران الدخول في القتال، لكن الإسرائيليين لا يريدون المخاطرة، والأميركيون ينضمون إلى الجهود لردعها، في حال كان لدى إحدى قياداتها نيات كهذه.
- في هذا السياق، يجب تحجيم بيانات الجبهة الداخلية بشأن تجميع الطعام المعلب والمياه لمدة 72 ساعة. الحديث يدور حول عودة إلى التوصيات السابقة لكل مَن لا يريد المخاطرة في حالات قصوى في الجبهة الداخلية - حتى لو لم يكن هناك توقعات الآن لحالات مشابهة. لا داعي للهلع في الحوانيت الآن، ولا علاقة لهذه التعليمات بالواقع الأمني، وهي نتاج تسرُّع أحدهم في قيادة الجبهة الداخلية.
5 جهود في الوقت نفسه
- يعمل الجيش في الجبهة الجنوبية على عدة صُعد، المركزي بينها هو الهجوم الذي يقوم به سلاح الجو. عملياً، يتم تطبيق عقيدتين تم صوغهما منذ وقت، وإقرارهما: الأولى - "عقيدة الضاحية" التي صيغت خلال فترة ولاية قائد هيئة الأركان غادي أيزنكوت، وتنصّ على أن الجيش سيردّ بشكل كبير وغير متوازن على خرق "السيادة" الإسرائيلية، بهدف ردع مَن قام بذلك. وبكلمات أُخرى، الجيش سيتخلى عن القيود التي فرضها على نفسه وهو ما يبدو واضحاً في مئات الأطنان التي يتم إسقاطها في كافة مناطق قطاع غزة، وضمنها المناطق المدنية.
- هذا تطبيق كامل لـ"عقيدة الضاحية" التي صيغت بحسب نموذج قصف حيّ في بيروت خلال حرب لبنان الثانية، وتم هدمه كلياً. حتى أول أمس (الإثنين)، عمل الجيش ضمن هذا النموذج فقط داخل بلدة غزة، حيث قصف حيّ الرمال الراقي، حيث تتواجد قيادات "حماس". وفي ساعات الليل، وسّع سلاح الجو أعماله، وقصف أيضاً عدة مناطق، من جنوبي غزة حتى خانيونس، وسيكون هناك المزيد.
- العقيدة الثانية التي يعمل الجيش برمته بموجبها، هي عقيدة "كثافة النيران"، وكما يبدو، الهدف منها إلحاق الضرر بقدرات "حماس" على مقاومة القوات - في حال أرادوا الدخول براً إلى القطاع. كما يبدو، إنها مرحلة تجهيز الهدف، لكن عملياً، هناك هدف لكثافة النيران هذه أكبر من ذلك بكثير، وهو التشويش على قتال "حماس"، وعلى محاولات اختراق المناطق "الإسرائيلية"، من أجل القيام بمناورة برية.
- تفعيل "عقيدة الضاحية" على الجبهة الداخلية في غزة و"عقيدة كثافة النيران" على البنى العسكرية، يجري بحجم واسع وواضح من خلال كمية الدمار. ويتم استعمال الكثير من القنابل العادية، بدلاً من الأسلحة الدقيقة و"الذكية" التي تكلّف الكثير، وسيكون هناك حاجة إليها مستقبلاً، وخصوصاً إذا انضم حزب الله إلى المعركة.
- الآن، الجيش يقوم بما يسمى "اقتصاد السلاح" بدقة. وبصورة عامة، إن دولة إسرائيل، وضمنها الجبهة الداخلية، تتحضر طوال الوقت لإمكانية دخول حزب الله في القتال، ولذلك، يتم توزيع العمل في المستشفيات أيضاً، بافتراض أنه إذا فُتحت جبهة الشمال - فسيكون هناك حاجة إلى تفعيل جميع المستشفيات في المركز والشمال إلى أقصى حد ممكن.
- إلى جانب هجوم الجيش في قطاع غزة، هو يبذل أيضاً جهوداً دفاعية لترميم البنى الاستخباراتية والعملياتية في "غلاف غزة". وفي هذا الإطار، يقوم بإغلاق الفتحات في الجدار، ويراقب مناطق لا يمكن السيطرة عليها بشكل فوري وتام، ويضع الدبابات وسلاح الجو، وضمنه الطائرات والمسيّرات، لمراقبة الحدود وضمان عدم دخول أيّ شخص إلى المناطق الإسرائيلية. وفي المقابل، بدأت حملة واسعة لتحسين بنى جميع الاستخبارات والردع التي خربتها "حماس" بنجاح خلال الهجمة الأولى.
- لا يزال هناك إمكانية لوجود مقاتلين من "حماس" في الأنفاق القريبة من الجدار، لكن لا يتجاوزه إلى داخل المناطق الإسرائيلية (كما يبدو، لا يوجد أنفاق تخترق الجدار، وصولاً إلى الغلاف). الجيش يحاول هدم هذه الأنفاق من الجو، وضمان ألّا تستخدمها "حماس".
- أما الصعيد الثالث الذي يعمل عليه الجيش، فإنه استُكمل كما يبدو، وهو "تطهير" الميدان من "المخربين" والفلسطينيين الذين دخلوا إلى الغلاف منذ يوم السبت. من الممكن أن يظهر هنا وهناك بعض "المخربين"، لذلك، يواصل عدد من المقاتلين تمشيط منطقة "الغلاف".
- الصعيد الرابع له أهمية كبيرة في سلّم الأولويات، ويتعلق بموضوع المخطوفين والمفقودين. الجيش ودولة إسرائيل وزّعا معالجة الموضوع على مجالين: الأول، التعرف إلى المخطوفين والمفقودين وإعلام عائلاتهم، وهذا ما يقوم به الجيش؛ أما الثاني، فهو الاستخباراتي، ويرأسه الجنرال نيتسان ألون الذي خدم في "سييرت متكال" والوحدات الخاصة.
- أما الصعيد الخامس الذي يجري بوتيرة سريعة، فهو تجميع القوات البرية- 4 ألوية وأكثر من ذلك- تحضيراً لإمكانية إجراء مناورة برية في داخل القطاع، بهدف تفكيك حُكم "حماس" والبنى العسكرية التابعة لها. وكما هي الحال في فترة الانتظار قبل حرب "الأيام الستة"، يمكن الافتراض أن هذا سيتضمن تخطيطاً من جديد وإعادة إحياء خطط قديمة لحصار القطاع والتعامل مع مناطق المقاومة في الوقت نفسه. ومن غير الضروري إضافة تفاصيل أُخرى في هذا السياق.
لا يوجد نقص في اللوجستيات. هذا مجرد تفريغ للضغط
- التخطيط، وتدريب القوات، واستكمال تزويدها بالأدوات الناقصة، هي أمور ضرورية، ليس فقط من أجل تنفيذ المهمات داخل القطاع، بل أيضاً كي يستطيع الجيش القيام بذلك بأقل وقت، تكون فيه الجبهة الداخلية مكشوفة على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. كلما كانت عمليات التحضير أفضل، وضمنها التدرب على النماذج، سيكون تنفيذ المهمات في قطاع غزة أسهل.
- الجيش يدّعي أنه لا يوجد أيّ نقص في السترات الواقية والأسلحة، ولا في الغذاء. المشكلة اللوجستية التي يشكو منها كثيرون من جنود الاحتياط، تنبع بالأساس من أن الجيش جنّد خلال يوم واحد أكثر من 300 ألف شخص، بعضهم تم إرساله إلى مناطق التجميع، تحضيراً للمناورة البرية، وجزء كبير منهم أُرسِل إلى الشمال، وبعضهم إلى الضفة لتبديل الكتائب النظامية التي تم إرسالها إلى الجنوب.
- هذا ما يحدث عندما يتم تجنيد جنود احتياط بهذا الحجم. أنا أشهد على ذلك، كوني تجندت في الاحتياط في حرب "الأيام الستة" وحرب "يوم الغفران". في حالات كهذه، عندما تقترب نسبة المجندين من 200% من جيش الاحتياط، ستبرز المعاناة جرّاء نقص في الغذاء والسلاح والسترات، لكن هذا يتم ترتيبه خلال بضعة أيام، وحتى خلال ساعات.
- لا أستطيع أن أضبط نفسي عن اقتباس ما قاله لي أحد جنود الاحتياط الموجود في إحدى نقاط التجمع في الجنوب: قلت للجنود إنهم مدللون، وعليهم التوقف عن البكاء. كثيرون قالوا لي إن الأمور هكذا في جيلنا، لكن أنت على حق." وفعلاً، تم استكمال التزويد بالأدوات اللازمة للوحدة التي يخدمون فيها، وحصلوا على الغذاء. المفارقة هي أنني أستمع الآن إلى أصوات جنود الاحتياط الذين يقولون إن التجنيد الكبير للجبهة الداخلية يؤدي إلى استنفاد الأكل والحاجات المختلفة.
- النقص الوحيد الواضح في إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر هو في الإدارة اللائقة للمستوى السياسي الذي لم ينجح في تأليف حكومة طوارئ تليّن الانقسام الحاد في المجتمع، وتسمح بالأساس لجنود الاحتياط وعائلاتهم بأن يثقوا بالقيادة. [كُتب المقال قبل إعلان تأليف حكومة طوارىء]. هذه الثقة مهمة جداً، وهذا ما أثبتته غولدا مئير التي كانت تترأس الحكومة في "يوم الغفران" (1973). كان هناك نقاش كبير بشأن إدارتها قبل الحرب، لكن، وخلال المعارك، منح المجتمع والجنود القيادتين السياسية والعسكرية ثقة كاملة، وهذا مفقود اليوم.
- رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ادّعى أول أمس أنه تم التوصل إلى وحدة الشعب، لكن مَن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي، أو يقرأ ما يُكتب فيها، يعلم بأن هذه المقولة لا أساس لها. الانقسام موجود، والجرح نازف، وحتى يتم تأليف حكومة وحدة سياسية والتوصّل إلى ثقة الجمهور بالمستوى السياسي وقراراته التي يجب أن تصدر عن أشخاص متّزنين - لن يكون هناك ثقة بالقيادة، وهو مكوّن ضروري في ساعات الحرب.