لا يجب الوقوع في وهْم إسقاط "حماس"
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • سأستعمل العلوم الاجتماعية لكي أساهم في مناقشة هدف السياسة الإسرائيلية في غزة. ولأن الهدف المُعلن هو "تفكيك وتدمير حماس"، بحسب بيان رئيس الحكومة، فإنه يجب تسمية العملية الإسرائيلية باسمها الواضح- تغيير النظام في غزة.
  • قطاع غزة هو دولة بكل معنى الكلمة، حتى لو لم يتم الاعتراف بها، واستقلالها محدود. هذه الدولة تسيطر عليها حركة "حماس" منذ 15 عاماً، وتستند إلى بنية سياسية متطورة. لدى "حماس" ذراع عسكرية، ومن ضمنها القوات التي نفّذت "جرائم" ضد المواطنين الإسرائيليين، ولكن أيضاً لديها ذراع سياسية تعمل بصفتها قيادة الدولة بكل معنى الكلمة.
  • أن تتم تسمية "حماس" بـ "داعش"، فهذا إسقاط خاطئ للواقع السياسي والحكم القيَمي. ومساهمة إسرائيل في مأسسة دولة غزة وتقليل تطرُّفها سنتركها لتحليل آخر. الآن، تريد إسرائيل إسقاط سلطة "حماس" عبر عملية عسكرية، من المؤكد أنها ستضطر إلى احتلال جزء من القطاع.
  • من الصعب فهم هذه الخطوة، فجميع المحاولات في العالم خلال العشرين عاماً الماضية، والهادفة إلى تغيير النظام من الخارج، كما حدث في العراق وأفغانستان وليبيا، فشلت فشلاً ذريعاً، حتى أنها ساهمت في حروب أهلية. ويبدو واضحاً من تحليل عشرات الحالات، إن التفاؤل بنجاح هذه المحاولة تأثر من النجاح في ألمانيا واليابان، بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه يتجاهل كلياً الظروف المختلفة.
  • صحيح أن إسرائيل، وبعكس الحالات السابقة، لا تنوي بناء ديمقراطية في غزة، إنما فقط إيجاد نظام بديل يمتنع من مهاجمة إسرائيل، إلّا إن هذا لا يزال يُعتبر تغييراً للنظام، وسيفشل بغياب مركز قوة بديل. فحركة "فتح" هُزمت سياسياً في القطاع قبل 15 عاماً، ومحاولاتها ترميم مكانتها، عبر خطوات مصالحة مع "حماس"، أفشلتها إسرائيل.
  • سيفشل تغيير النظام، بصورة خاصة بسبب الانقسام الداخلي في غزة، الذي يمكن أن يتصاعد ويؤدي إلى تفكُّك الكيان الغزّي، وإلى حرب أهلية، لكن لن يتم إيجاد أيّ جهة لها مصلحة، أو قدرة على منع تفعيل القوة ضد إسرائيل. وهذا كله في ظل أزمة اقتصادية حادة تُضعف القدرة على بناء مؤسسات دولة قوية.
  • التفكير في أن السلطة الفلسطينية تستطيع قبول تحمُّل مسؤولية قطاع غزة، لا يستند إلى أساس صلب، فإسرائيل أضعفت السلطة كثيراً. وسلطة "فتح" يمكن أن تنهار في الضفة أيضاً كما انهارت في غزة، بعد انسحاب إسرائيل في سنة 2005، ولا يمكن الاعتماد عليها.
  • نتيجة أُخرى ممكنة لاحتلال غزة يمكن أن تتمثل في زيادة التدهور في الأوضاع الأمنية في إسرائيل، وإذا لم ينجح الجيش في سد الفجوة بين "الميليشيات" الفلسطينية والمواطنين الإسرائيليين، فسيظل ينزف لسنوات. لا يجب الذهاب بعيداً بالمقارنة مع القوى الغربية العظمى كي نقلق من وهم تغيير النظام. إسرائيل فشلت في كل مرة أرادت فيها هندسة أنظمة عربية، ودائماً ما جعلت ظروفها أصعب - بدءاً من "الصفقة الفضيحة" [قضية لافون] في مصر في خمسينيات القرن الماضي، وصولاً إلى محاولة صوغ السلطة الفلسطينية كذراع أمنية طويلة لإسرائيل بعد فترة "أوسلو".
  • لذلك، فإن العبرة ليست فقط في التفكير في اليوم التالي، بل في وضع أهداف أكثر تواضعاً للعملية البرية منذ اليوم، والتي من المفضل الامتناع من القيام بها أصلاً.