من هم في تيار الوسط صاروا مكارثيين أيضاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • لم يكن جوزيف مكارثي، في البداية، يعرف أنه سيصبح مكارثياً. لقد كان يعتبر نفسه وطنياً، واستمر على هذا النحو إلى أن صار اسمه، لاحقاً، رمزاً للملاحقات السياسية لمن يخرج عن المعتقدات السائدة. خلال الأسبوع الماضي، برز في إسرائيل الكثيرون ممن يسيرون على درب مكارثي، وحتى هؤلاء، لا يعرفون حتى الآن أنهم مكارثيون، لأن حملة التشهير التي يقومون بها لا تزال من دون زعيم، ومن دون اسم رسمي (أقترح عليهم أن يطلقوا على أنفسهم اسم "أبناء الظل")
  • بدلاً من القيام بعمل مفيد في هذه الأيام الرهيبة، ينشغل المكارثيون الجدد بالتحريض الجامح ضد كل مَن يجرؤ على طرح مسألة معاناة الأبرياء في غزة، وضد كل مَن يجرؤ على أن يكون مجرد يساري، أو مجرد عربي عادي، والأمثلة على الأرض أكثر بكثير من أن نحصيها. لقد تعرّضت ياعيل أيالون، وهي مديرة مدرسة ثانوية، لحملة هجوم علنية، لأنها كتبت على حسابها في فايسبوك: "هنالك نساء، وأطفال، ومسنون في غزة." أما الصحافي يسرائيل بري، فهو مختبئ، بعد أن تمت ملاحقته بعنف، لأنه أقام صلاةً لذكرى الضحايا من الطرفين. وتم اعتبار إيال شني عدواً، لأنه دعا إلى حماية الأطفال الرضّع في مستشفيات غزة. تم اعتقال العشرات من المواطنين العرب، اعتُقل بعضهم لأنه كتب، أو قال أموراً قانونية تماماً. وحين حاول محاضرون في حيفا الدفاع عن طلاب عرب تم فصلهم من الجامعة، تحول هؤلاء المحاضرون أنفسهم إلى مستهدفين. إن قطيع الذئاب لم يتوانَ، حتى عن محاولة كتم صرخات الفرح لدى سماعه عن خطف فيفيان سيلفر، البالغة من العمر 74 عاماً، إلى غزة، لأنها كانت في الماضي عضواً في إدارة منظمة "بتسيلم" [الحقوقية الإسرائيلية].
  • هذه المرة، تأتي الهجمات على نطاق غير مسبوق أيضاً ممن ينتسبون إلى تياريْ الوسط واليسار، والذين يقومون بإلصاق تهمة "الخيانة" بشركائهم في المعسكر، وبذلك، هم يشجعون أعمال العنف تجاههم من زعران اليمين المتطرف. هؤلاء هم الأشخاص أنفسهم الذين كانوا قبل وقت ليس بالبعيد يوجهون الانتقادات إلى بنيامين نتنياهو لقيامه بالتحريض ضد المواطنين، ولانشغاله بأمور تافهة، بدلاً من تركيز جهوده على المخاطر الحقيقية، وها هم الآن يقلدون نتنياهو. إنهم يتناسون أن نشاطات نزع الشرعية، الشعبوية، تستهدف أولاً وقبل كل شيء، الفئات الأكثر هشاشةً، ثم تواصل الانتشار إلى فئات أُخرى بالتدريج. لقد وردت في قائمة " عار إسرائيل" التي نشرتها منظمة "إم ترتسو" اليمينية، قائمة بأسماء ناشطي "بتسيلم"، إلى جانب المحامي ميخائيل سفراد، وهو آخر الذين تمكن بنيامين نتنياهو من تشويه سمعته قبل وقوع كارثة 7/10، إلى جانب يائير غولان، الذي تعرّض للهجوم بلا رحمة، والآن، يوصف بأنه بطل. تهدف حملات الملاحقة السياسية إلى دفع خط الإجماع إلى اليمين أكثر فأكثر، ومَن يتعاون مع الذين يحاولون ذلك، مصيره في نهاية المطاف أن يجد نفسه على الطرف الآخر من الخط، ويصبح ضحية هؤلاء.
  • في كتاب "ديكتاتورية تحت حماية القانون"، الذي أدى خلال العام الماضي دور إشارة تحذير من نيات الحكومة، توضح الباحثة كيم لين شفلي أن واحداً من الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الأنظمة القمعية، يتمثل في نزع الشرعية عن منظمات المجتمع المدني، وإسكات الجدل العام. وها نحن نرى الآن، بعض الناشطين الذين كافحوا على مدار أشهر ضد نزعات حكومة نتنياهو الاستبدادية، يقومون الآن بترويج مشروعها الخبيث، ويعرّضون روح الديمقراطية للخطر- تلك الروح التي يتمثل جزء كبير منها في حرية التعبير، حتى عن الآراء المثيرة للغضب (مهما تكن السخافة كامنة في اعتبار التعبير عن التعاطف مع الأطفال والمدنيين الأبرياء "رأياً مثيراً للغضب")
  • إياكم أن تصبحوا من الأغبياء الذين تستخدمهم حكومة الخراب التي يقودها نتنياهو. لا تسمحوا لهم بتفريق معارضيهم وضربهم ببعضهم البعض، لا تسمحوا لهم باستخدام الصدمة الكارثية، لكي يخلقوا مجتمعاً يمينياً وقومجياً، يستند إلى إسكات آراء الأقلية، والبحث عمّن يمكن إلصاق تهمة خائن به. إن خصومكم ليسوا هم مَن يشاركونكم في النضال ضد هذه الحكومة الكارثية، بل مَن يريدون لها الاستمرار في الحكم إلى الأبد، ومَن هم مستعدون لتخريب ما بقي من إسرائيل، لكي يتمكنوا من تحقيق مرادهم. ستنتهي الحرب، وسيُسعدهم إدراج أسمائكم، حين يحين الوقت، في قوائمهم السوداء. إن كلاً من شلومو كرعي، وإيتمار بن غفير، وياريف ليفين، يعملون منذ الآن على تحقيق ذلك، بكل ما لديهم من قوة.