حتى المجزرة الفظيعة التي ارتكبتها "حماس" لا تبرّر كل شيء، هذا يكفي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • يجب وقف حمام الدم هذا على الفور، فلن ينجم عنه أيّ خير. صحيح أنه يمكن الرد على المجزرة بمجزرة، لكن من الصعب أن تمثل أيّ مجزرة، حتى لو كانت بفظاعةِ تلك التي نفّذتها "حماس" في جنوب البلد، سبباً يبرر القيام بكل شيء بعدها، من دون قيود. لعل المجزرة يمكن أن تبرر مجزرة أُخرى، شريطة أن يكون هناك هدف يقف وراء الرد، بخلاف العقاب والانتقام، وإذا ما كان الهدف شرعياً وقابلاً للتحقيق.
  • ليست هذه هي الحال في الحرب الدائرة في غزة، وهي حرب لا هدف واضحاً وواقعياً لها، وهي بكل تأكيد، لا تملك أيّ إجابات عن السؤال المتعلق بما يجب فعله بعد المجزرة. ولكن، حتى لو كان هناك هدف واضح للحرب، عندئذ، يجب أن توجد حدود للدمار. أمّا حمام الدم الذي نشهده الآن في غزة، والذي لا يزال في بدايته، فيشهد أن لا حدود للدم. لا يمكن تبريره بالمطلق.
  • في مواجهة الصور المرعبة الآتية من المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، صور مئات الجثث المكوّمة، والعديد منها لأطفال مشوهين وممزقين، من المستحيل أن يقف المرء ساكناً، تماماً كما لم يكن من الممكن الوقوف ساكنين لدى مشاهدة صور الموت والدمار لدينا. لقد قُتل مئات اللاجئين اليائسين يوم أمس الأول، بعد أن حاولوا العثور على ملجأ لأنفسهم تحت قبة السماء، قريباً من المستشفى، معتقدين، خطأً، أن تلك المنطقة ستكون آمنة، في ظل هذه الحرب الملعونة.
  • لا يزال من غير الممكن تحديد الجهة المسؤولة عن الكارثة، لكن هذا لن يغيّر شيئاً بالنسبة إلى الضحايا. إن هوية المذنبين أيضاً لا يجب أن تغيّر طريقة استمرار المعركة: يجب أن تتوقف المعركة فوراً. يجب أن تتحول كارثة المستشفى إلى نقطة تحوّل في الحرب، كما كانت الكارثة التي حدثت في قرية قانا، في حملة "عناقيد الغضب" في لبنان، نقطة التحول التي أدت إلى إنهاء الحملة.
  • إسرائيل تتحرك الآن، مدفوعةً بعاصفة مشاعرها المبررة والمفهومة، وبتشجيع من روح التأييد لها التي تجتاح العالم. لكن هذه الريح سرعان ما ستتغير، وتتحول إلى مطلب بوقف إطلاق النار، في ضوء كوارث الحرب. إن مأساة المستشفى قد غيّرت، منذ الآن، المزاج في أوساط جوقة التشجيع الكبرى لإسرائيل.
  • وحتى قبل الكارثة، كانت التقارير الواردة من غزة، والتي لا يتم عرض معظمها على الإسرائيليين، تهدد بهزّ العالم، ودفعه إلى الوقوف ضد استمرار الحرب. نحو ألف طفل قتيل، وهذا الرقم لا يشمل الأطفال الذين قُتلوا في المستشفى، هذا معطى لا يمكن تجاهُله، ولا يمكن تبريره. إن الحصار المطبق على مليونيْ إنسان، وطرد مليون شخص من منازلهم خلال يوم واحد، هو أيضاً واقع لا يمكن تقبُّله تحت أيّ ظرف.
  • هذا الأسبوع، قمت بزيارة كيبوتس باري المدمر، وتوقفت الكلمات في حلقي؛ مشاهد صعبة لم أرَ مثلها في حياتي. مشاهد لا يمكن رؤيتها والعودة إلى روتين الحياة اليومية، من دون محاسبة جميع المتورطين. لا توجد دولة واحدة تقبل المرور على هذا مرور الكرام. لكن هنالك شوطاً واسعاً بين السكوت، وبين سفك الدم الجماعي، سفك دم بلا معنى، وبلا هدف. هناك فرق كبير.
  • إن الصور القادمة من غزة تمزق نياط القلب، ويجب أن تمزق نياط أيّ قلب: قوافل لا نهاية لها من سيارات الإسعاف التي تُطلق صافراتها، وآباء وأمهات مذعورون، يحملون أطفالهم الجرحى؛ آباء يبكون على جثامين أطفالهم الملقاة على أرضيات المشافي، في ظل نقص الأسرّة، لقد رأيت خمسة أطفال جرحى على سرير واحد، وجرحى يئنّون من دون أن يتلقوا علاجاً.
  • إن قتل آلاف البشر، وتحويل الآلاف غيرهم إلى مشلولين وعاجزين، لن يقدم أيّ خدمة للمصالح الإسرائيلية، حتى لو قمنا بتنحية مسائل الأخلاق والقانون جانباً. هنا ستنبت كراهية ورغبة في الانتقام، حتى الشيطان يأنف منها، سواء بوجود "حماس"، أو عدمه.
  • في الوقت الذي يتعرض أطفال غزة للقتل، يشتكي الإسرائيليون من مماطلة حكومتهم [في مسألة الاجتياح البري]. فالمشاعر الإسرائيلية تطالب باجتياح بري وإنهاء وجود "حماس". هذا مطلب مبرَّر، ولكن، من المشكوك فيه أن يكون واقعياً. وفي أيّ حال، لا يمكن تحقيق هذا المطلب بأيّ ثمن، حتى بثمن خراب غزة.
  • ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، هزّ إسرائيل بصورة غير مسبوقة، وخصوصاً تيارات الوسط واليسار فيها. ولا ينبغي لليسار والوسط، في عزّ حمأة الغضب والإحباط، أن يفقدا ما تبقى من ضمائرهم. ممنوع أن تصبح إسرائيل، بأسرها، مثل "حماس".
 

المزيد ضمن العدد