هندسة إقليمية وعالمية جديدة: هذا هو الهدف الأكبر الكامن وراء الحرب في غزة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • أحد أهداف الحرب التي قررتها الحكومة الإسرائيلية يتمثل في تدمير القدرات العسكرية والسلطوية لتنظيم "حماس" وسائر المنظمات "الإرهابية" في قطاع غزة. هذه هي المرحلة الأولى من الحرب، والجيش الإسرائيلي يعمل على تطبيق هذه التوجيهات السياسية. أمّا الشعب في إسرائيل وشعوب المنطقة والعالم، فينتظرون ما إذا كانت إسرائيل ستعمل بالصرامة المطلوبة. من الواضح أن نتائج الحرب في غزة ستؤثر في الإقليم، وهو ما سيؤثر، بدوره، في الساحة الدولية. إن ما نراه أمامنا الآن، هو فرصة تاريخية لإعادة صوغ الشرق الأوسط بصورة تحسّن المكانة الاستراتيجية لإسرائيل.
  • يبدو أنه لا يوجد أيّ جهات مسؤولة في إسرائيل مستعدة للعودة إلى الحالة التي كانت إسرائيل تعيشها، عشية الهجوم القاتل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. تواجه دولة إسرائيل تحدياً إقليمياً ودولياً، ذلك بأنها لا تخوض وحدها هذه الحرب. إن إسرائيل تخوض حرب العالم الحر ضد "الهمجية القاتلة". لقد تحولت إسرائيل إلى المعقل الأخير، والسدّ الأخير، في وجه اجتياح "البرابرة" قلب الحضارة الغربية، هكذا يجب أن ننظر إلى هذه الحرب، وهكذا يجب أن نقدمها.
  • في هذه الأيام، من الواجب على الجميع ترسيم خطوط فاصلة وواضحة، بين الظلمة القاتلة وبين الإنسانية، بين الخير والشر، وبين الصح والخطأ. "حماس" ليست سوى واحدة من مكونات المحور الراديكالي الذي تقوده إيران، والمدعوم من كلٍّ من روسيا والصين. ولذا، فإن نتائج هذه الحرب ستؤثر، بالضرورة، في منظومة القوى العالمية، وأي إنجاز يقلّ عن التدمير التام لها وتحويل غزة إلى أرض خراب أمام ناظرَي العالم، وإلى الأبد، سيمثل إنجازاً لمحور المقاومة، ويؤدي إلى تعزيزه واستمرار صراعه القاتل الهادف إلى تقويض النظامين الإقليمي والدولي.
  • لا ينبغي لدولة إسرائيل الاكتفاء فقط بتدمير "حماس"، بل عليها أن تتولى المسؤولية الأمنية التامة عن القطاع، للسنوات المقبلة. هكذا فقط، يمكن استعادة أمن المواطنين والجيش، وهكذا فقط، يمكن ضمان عودة ازدهار البلدات الكائنة في النقب الغربي. لكن هذا وحده لا يكفي.
  • ينبغي لحرب غزة أن تتحول إلى آلة هدم تحفر في أسس النظام القائم، وتقوّضه، وهو ما يؤدي إلى إقامة نظام إقليمي جديد. وسينعكس ذلك في هندسة إقليمية جديدة، تستند إلى عمليات التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. هذا المعسكر الإقليمي الجديد، المدعوم أميركياً، يجب أن يتحول إلى السور المكين والواقي في وجه انتشار محور المقاومة الإيراني، لا بل إضعافه.
  • يتطلب النظام الجديد التزام الصرامة ضد الدول التي تعارض النظام الجديد، وتخدع العالم الحر. أحد الأمثلة لتلك الدول قطر. وهي إمارة صغيرة تقوم بالمناورة، بفضل مخزون النفط والغاز الهائل لديها، وبواسطة تشغيل شبكة الجزيرة، كما لو كانت قوة إقليمية عظمى. إنها تقدم العون لـ"حماس"، لكنها تتمتع بصلتها بجميع الأطراف، وتموضع نفسها بصفتها لاعباً مهماً ومؤثراً في لعبة الأمم. يتعين علينا ألّا نسمح لقطر بمواصلة "المراوغة". كما ينبغي للولايات المتحدة أن تضع أمام قطر خيار الانفصال عن "حماس"، وطرد جميع ناشطي الحركة من أراضيها، واللجم التام لشبكة الجزيرة، وإلّا، فإن الولايات المتحدة سترفع حمايتها عن قطر. إن محاولات استخدام قطر كوسيط مقابل "حماس" وإيران، وأي موافقة على استمرار العمل في السياسات الراهنة، ستكون تشويشاً للنظام الجديد المفروض العمل به، كما ستكون رياحاً دافعة لأشرعة السفينة الإيرانية.
  • عملية إطلاق المخطوفتين الحاملتين الجنسية الأميركية تثير من جديد مشاهد الانتقائية في تاريخنا... لقد اتخذت "حماس" هذه الخطوة لكي تحظى بالشرعية لمواصلة دفع الدول الغربية، من أجل الضغط على إسرائيل لتأجيل الاجتياح البري للقطاع. وبدلاً من أن يتحول احتجازها المخطوفين إلى عبء عليها، تُظهر عملية التحرير هذه أن المخطوفين تحولوا إلى رصيد. وها هي قطر، مجدداً، تقطف ثمار المجد، وترسّخ مكانتها كوسيط مهم ولاعب إقليمي كبير، وشرعي.
  • ستتصاعد الأصوات التي ترتفع للمطالبة بتحرير المخطوفين، عبر استبدالهم بالسجناء الأمنيين. علينا أن نذكّر بأن مَن خطّط ونفّذ هذا الهجوم "الإرهابي" ليس سوى يحيى السنوار، الذي تم تحريره في إطار صفقة جلعاد شاليط، كما أن أسرى محرَّرين آخرين في هذه الصفقة قادوا الهجوم القاتل. وحتى موعد تنفيذ الهجوم القاتل الذي كبّد إسرائيل ثمناً باهظاً من الدم، قُتل نحو 90 إسرائيلياً على أيدي محرَّرين في تلك الصفقة. إن أي صفقة تحرير أسرى إضافية تعني إطلاق آلاف "القتَلة" الذين سيقتلون الإسرائيليين لاحقاً. وأي صفقة تبادُل أسرى، ستؤدي إلى رفع المعنويات في محور المقاومة.
  • إن الحرب حدث فظيع وقاسٍ، هدفه تحسين الحالة الأمنية لدولة إسرائيل على مدار سنوات طويلة. يجب علينا ألّا نخضع لهذا النوع من الضغط، بل أن نسعى لتحرير المخطوفين عن طريق الخداع والقوة، بموازاة الجهد العسكري المبذول، ومع استمرار ممارسة الضغط الإسرائيلي والدولي على كلٍّ من "حماس" وقطر، إلى أن تدركا أن استمرار احتجاز المخطوفين ليس سوى عبء، بدلاً من أن يكون رصيداً.
  • النظام الإقليمي الجديد، يستوجب الانفصال عن نماذج انتهى زمنها، كالحاجة إلى دعم السلطة الفلسطينية، من دون أن تخضع هذه السلطة لتغييرات في جوهرها. الحرب في غزة تُبرز، أكثر فأكثر، تراخي السلطة الفلسطينية، وعدم صلتها بالواقع. إن الحديث عن عودة السلطة الفلسطينية إلى الحكم في غزة، هو حديث منفصل عن الواقع. فهذه السلطة غير قادرة على التحكم في القطاع، بسبب "ضعفها، وفسادها، وافتقادها للشرعية".
  • إن السيطرة على قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، يتطلب تسوية تعيد تأهيل شروط عودة السلطة الفلسطينية، مستقبلاً، إلى القطاع، بعد أن تثبت قدرتها على الحوكمة في الضفة الغربية، والوقف التام للتحريض، وتمجيد "المخربين" و"النشاطات الإرهابية" و "الدعم المادي للإرهابيين وأبناء عائلاتهم". وفي أي حال، وتحت أي ظرف، على إسرائيل أن تحتفظ لنفسها بحُرية العمل الأمني التام في القطاع، على غرار حرية العمل في المتوفرة لها في مناطق الضفة الغربية. كما يجب على إسرائيل المحافظة على حرية تحرُّكها العملياتي. وهو ما يعني قدرة العمل العسكري من كل الأحجام، بهدف القضاء الفوري على أيّ محاولة نهوض لـ"حماس"، أو الجهاد الإسلامي.
  • تُعتبر حرب غزة أيضاً فرصة تاريخية لتفكيك الأونروا، وهي المنظمة التي تمثل شريكاً ناشطاً في تخليد الصراع، من خلال زرع روح المقاومة المسلحة، وأسطورة عودة اللاجئين، ولقيامها بدور فاعل في التحريض القاتل ضد إسرائيل. لقد عملت هذه المنظمة إلى جانب السلطة الفلسطينية، كجهة رائدة في تأهيل النفوس وبلورة وعي الصراع ضد إسرائيل لدى جيل الشباب، منذ بداية عملية أوسلو.
  • إن التقليل من أهمية مكافحة التحريض، وأهمية تغيير المناهج الدراسية الفلسطينية، ومسألة دفع الرواتب "للإرهابيين" وعائلاتهم [مرتبات الأسرى وعائلات الشهداء]، هو ما خلق هذه "الثمرة الفاسدة"، المتمثلة في السردية الفلسطينية الأوسع، وخصوصاً لدى جيل الشباب من الفلسطينيين، الذي أنبت هذا الدعم الشعبي الواسع لـ"حماس"، ولعملياتها "القاتلة والهمجية". يتعين علينا عدم السماح بعودة إحياء السلطة الفلسطينية، من دون أن تجري تغييراً أساسياً يطال كل ما يتعلق بالمضامين التي يتم تعليمها في الجهاز التربوي، وفي أجهزة الإعلام الفلسطينية.
  • يجب أن تنتهي حرب غزة بإنجاز جليّ وواضح، لا يؤدي إلى إضعاف المحور الإيراني وردعه فحسب، بل أيضاً يشكل مدخلاً إلى المرحلة المقبلة، المتمثلة في نزع سلاح حزب الله، بصفته الجبهة المتقدمة الأهم بالنسبة إلى إيران. لا يمكن لإسرائيل أن تتحمل طويلاً تهديدات حزب الله، التي تمثل خطرا متوهجاً من الحدود الشمالية، يطال أرجاء دولة إسرائيل. يجب أن يكون مصير حزب الله واحداً، لا ثاني له: تفكيك الحزب حتى الأساس. إن تفكيك "حماس" في قطاع غزة، من شأنه ترسيخ الاعتقاد، ليس في إسرائيل وحدها، بل في الولايات المتحدة والعالم الحر، بضرورة تقويض حزب الله، لاحقاً، في هذه المعركة.
  • لكن، حتى بعد حدوث ذلك، فإن الحرب الكبرى ضد محور الشر لن تنتهي. إن إسرائيل والعالم الحر مُطالَبان بمواصلة ملاحقة زعماء التنظيمات وناشطيها في جميع أرجاء العالم، بلا هوادة. لقد عرف العالم كيف يتوحد ضد داعش، وتعريف التنظيم بأنه تهديد عالمي، أمّا الهدف في هذه المرحلة، فيجب أن يكون في توحيد العالم الحرّ خلف شعار الحرب الهادفة إلى إنهاء كلٍّ من "حماس"، وحزب الله، وسائر التنظيمات الدائرة في فلك إيران، حتى القضاء عليها نهائياً، كما يجب تعريف جميع هذه التنظيمات بأنها تهديد عالمي. ويجب أيضاً، وبالموازاة، توحيد جميع الجهود بصورة جدية ضد إيران، مع التركيز على الخيار العسكري الواقعي ضدها.
  • الحرب في غزة تحيل إسرائيل، وخلفها دعم أميركي مهم، إلى رأس الحربة في الكفاح العالمي الواجب ضد محور المقاومة "القاتل". هذه الحرب ستكون طويلة ومؤلمة، لكن لا بديل منها. يجب أن تتمثل نهاية هذه الحرب في انتصار لا لبس فيه، يعمل أيضاً على ترسيخ المكانة الدولية والإقليمية للولايات المتحدة، باعتبارها تقود العالم الحر بعزم، وتمثل التهديد الأكبر ضد المعسكر الآخر. ووفقاً للعديد من المفاهيم، فإن إسرائيل تعيش الآن استكمالاً لحرب 1948، ولا حرب عادلة أكثر من هذه الحرب.