إسرائيل والولايات المتحدة تخرجان للمرة الأولى إلى الحرب سوياً، ولذا، فإن الجيش الإسرائيلي مطالَب بالانتظار
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- منذ يوم السبت، بدأت تظهر علائم تحسُّن تطرأ على وضع الأعمال القتالية الدائرة على جميع الجبهات. ففي الجنوب، صارت فرق القتال البري، من وحدات المدرعات والمشاة والهندسة والمدفعية، جاهزة للدخول البري إلى القطاع، بعد استكمال التدريبات والتمارين النموذجية، وإقرار الخطة العملياتية، بصورة أو بأُخرى. من جهة أُخرى، يواصل سلاح الجو القضاء على كبار "إرهابيي" "حماس" والجهاد الإسلامي. وينصبّ التركيز هنا على هجمات هائلة، من المفترض أن تسهّل المناورة البرية، وتقلص حجم الخسائر. أمّا جهاز الشاباك وشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، فيقومان بجمع المعلومات الاستخباراتية، إن كان بشأن المخطوفين، أو بشأن مجال المعلومات العسكرية، لتزويد القوات العسكرية الإسرائيلية بالمستجدات قبل الدخول. والهدف هو إتاحة المجال أمام إبادة قيادات التنظيمات، والبنى التحتية الحكومية، في أقل فترة زمنية ممكنة، وضمن نطاق الحد الأدنى من الخسائر في الصفوف الإسرائيلية.
- أمّا على الجبهة الشمالية، في إطار قتال عناصر حزب الله و "المخربين" الفلسطينيين على الحدود اللبنانية، فقد انخفض عدد المتضررين من المدنيين والعسكريين الإسرائيليين، وارتفع بصورة ملحوظة عدد الإصابات لدى الطرف الآخر. إن سلاح الجو، مع جهات أُخرى، ينجحون في إغلاق دائرة الرد بسرعة، وضرب خلايا الصواريخ المضادة للدروع، والخلايا التي تخترق الحدود. أمّا المقاتلون الإسرائيليون في الاحتياط العسكري، الذين يضطلعون بمهمة الحماية على الحدود، فقد تبنّوا سلوكاً عملياتياً يهدف إلى تقليص انكشافهم على نقاط مراقبة الطرف الآخر.
- استكمل سلاح الجو المخططات العملياتية واللوجستية التي سينفّذها في حال قيام حزب الله بتصعيد نشاطاته. وتشير التقديرات إلى أن كلاً من إيران وحزب الله، لا يملك في هذه المرحلة أيّ مصلحة في المخاطرة بتدمير لبنان، بما يشمل أجزاء من بيروت ومدينة بعلبك الشيعية ومحيطها، لا لشيء، إلّا لتخفيف الضغط عن حركة "حماس" في القطاع. لكن، على الرغم من هذا، فإنه من الواضح أن حزب الله سيصعّد نشاطاته، ويقوم الجيش الإسرائيلي بالتحضير لمثل هذا التصعيد، حتى لو ظلت العمليات العسكرية تحت الخط الأحمر الداعي إلى نشوب حرب شاملة.
إسرائيل، والعالم، وقضية المخطوفين
- المسألة الأميركية هنا في غاية الأهمية. وكما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الإدارة الأميركية تطلب من إسرائيل التريث في الدخول إلى غزة، إلى أن تنتهي استعدادات قواتها في الإقليم، وإلى أن يتضح ما إذا كان في وسع الوسطاء القطريين المساعدة في إطلاق سراح رهائن. لقد أوضحت إدارة بايدن لإسرائيل أن قضية المخطوفين ليست قضية إسرائيلية فحسب، وأن إسرائيل ليست هي التي تقرر وتعمل، بناءً على اعتباراتها وحدها. وبناءً على ما نُشر في نيويورك تايمز، وبسبب كون عدد من المخطوفين يحملون جنسيات أجنبية، سواء أكانت أميركية، أو غيرها، فإنه يجب على إسرائيل ومنظومتها الأمنية وضع الموقف الأميركي في اعتباراتهما حين تخططان للعمل، سواء أكان الأمر مرتبطاً بالخطوات المتخذة لتحرير المخطوفين، أو بشأن الخطوات الأُخرى التي من شأنها التأثير في مصائرهم.
- رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يعترف بصوابية هذه الصيغة، على الرغم من أنها تتعارض مع رأي بعض وزرائه. ولذا، حين يطلب الأميركيون منه (بحسب نيويورك تايمز) انتظار ما إذا كانت الوساطة القطرية ستنجح، بمساعدة مصرية، في إطلاق سراح نحو 50 رهينة من حمَلة الجنسيات المزدوجة، أو الأجنبية وحدها، فلا بد من أن إسرائيل ستضطر إلى الموافقة على ذلك.
- في الوقت الراهن، يبدو أن إسرائيل تسمح للأميركيين والقطريين باستنفاد خياراتهم وجهودهم، بل إنها مستعدة لتقديم المساعدة، من خلال موافقتها على إدخال مساعدات وأغذية وأدوية ومياه للمدنيين الموجودين جنوبي خط وادي غزة [الخط الفاصل بين شمالي وجنوبي غزة].
- ترفض إسرائيل، على الورق، التمييز بين مخطوفين لديهم جنسيات أجنبية وبين الإسرائيليين، بمن فيهم الأطفال والنساء والمسنين. ويدّعي مصدر إسرائيلي أن لا فرق بين هؤلاء، لكن عملياً، وكما أسلفنا، من المحتمل أن تسمح الحكومة الإسرائيلية للقطريين بالعمل، ولهذا السبب، هي تؤجل دخولها إلى القطاع.
آماد المعركة تتسع
- هناك سبب آخر يوضع في الاعتبار، في سياق تأجيل الدخول البري، وهو طلب الأميركيين إفساح المجال لقواتهم من أجل استكمال الاستعدادات لحرب إقليمية، والتي بوشر العمل بها خلال الأسبوع الماضي. على هذا النحو، تُعتبر حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر مختلفة عن كل ما سبقها من حروب، إذ إنها تشارك وتنسّق مع إسرائيل في هذه الحرب.
- تقاسُم العمل هنا بسيط: تواجه إسرائيل الأعداء والتهديدات في المجال المباشر القريب من حدودها، أي في الجنوب، وفي الشمال، والشمال الشرقي (سورية)، وفي الشرق (الضفة الغربية). أمّا الولايات المتحدة، فتخوض الحرب الإقليمية في مواجهة التنظيمات الدائرة في فلك إيران، وإذا ما قررت طهران التدخل بنفسها، فستقوم الولايات المتحدة بخوض حرب ضدها أيضاً. لهذا، قام الأميركيون بإرسال قوتين حربيتين على متن حاملتَي الطائرات اللتين ستعملان في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج "الفارسي".
- أدركوا في طهران، فعلاً، خلال أسبوع وأكثر، أن هذا هو تقاسُم العمل القائم، ولذا، شغّلوا خلال الأسبوع الماضي تنظيمات تدور في فلكهم، الحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، والميليشيات الشيعية في سورية، بهدف مهاجمة السفن والجنود الأميركيين في جميع أرجاء الشرق الأوسط.
- هناك نحو 2500 جندي أميركي يتمركزون في العراق، في 3 قواعد على الأقل. كما يوجد بضع مئات من القوات الأميركية العاملة في سورية على الأراضي الأردنية. لقد قامت التنظيمات الدائرة في فلك إيران بقصف 3 قواعد أميركية في العراق، وقاعدة التنف في سورية، وحاولت هذه التنظيمات إطلاق صواريخ كروز وطائرات مسيّرة. إلا إن مدمرة أميركية اعترضت الصواريخ والطائرات المسيّرة التي كانت تهدف إلى ضرب إسرائيل، كما تمكنت المدمرة من اعتراض بعض الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أُطلقت في اتجاهها من العراق وسورية بنجاح.
- بناءً عليه، فقد كان توقُّع الأميركيين صحيحاً: إنهم في خضم معركة إقليمية، يحمون في إطارها، كلاً من قواتهم وإسرائيل من هجمات التنظيمات الدائرة في فلك إيران في الحلقة الثالثة. ومن الواضح أنهم يتوقعون أن هذه المعركة، التي تُخاض، حتى الآن، من دون سقوط ضحايا من طرفهم، باستثناء بعض المصابين بجروح طفيفة، ستتسع حين تُدخل إسرائيل قواتها إلى قطاع غزة. وبناءً عليه، وبحسب التقارير، فإنهم يطلبون من إسرائيل التريث إلى أن يقوموا بنشر بطاريات اعتراض للصواريخ البالستية من طراز "ثاد" في دول الخليج، ونشر قوات العمليات الخاصة في حاملة الطائرات أيزنهاور، التي من المتوقع أن تصل إلى المنطقة خلال بضعة أيام. تشمل القوة المشار إليها نحو 2000 جندي من قوات المارينز على متن سفن الإنزال المصممة للسماح للأميركيين بالعمل البري، وخصوصاً في مجال الدفاع عن المرافق الأميركية، وتشمل هذه القوات بطاريات اعتراض الصواريخ التي تم نصبها، وسيتم نصبها في منطقة "الخليج الفارسي"، وربما أيضاً في الأردن وشمال غرب العراق.
- إن حاجة الأميركيين إلى الانخراط إلى هذا الحد في حرب السابع من تشرين، مردُّه إلى التآكل الخطِر في قدرة الردع الإسرائيلية إزاء دول الإقليم، في أعقاب الأزمة السياسية الداخلية المتواصلة، وفي أعقاب نجاح الهجوم الذي نفّذته "حماس" في بلدات "غلاف غزة". هذه الشراكة التي تجري بصورة كبيرة، بناءً على الطلب الإسرائيلي، تُلزم الحكومة والمنظومة الأمنية الإسرائيليتين الإصغاء إلى الطلبات والنصائح الأميركية. إن القيادة العسكرية عموماً، والسياسية خصوصاً، مضطرة إلى الاستجابة لمطالب واشنطن، وهي تصرّ على أسنانها، وهي تعلم، بوضوح، أنها من دون هذه الشراكة العملياتية والمساعدة اللوجستية، ستلاقي مصاعب في الصمود في حرب متعددة الجبهات، وخصوصاً إذا ما قررت إيران وحزب الله تصعيد الأمور إلى حد تصل فيه إلى حرب شاملة.