على الرغم من الكارثة، ومن العنف، هذا هو الوقت للتوصل إلى سلام مع الشعب الفلسطيني
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • على كل إنسان لديه شعور بالإنسانية ويفكر، أن يسأل نفسه الآن سؤالين: كيف وصلنا إلى هذه اللحظة؟ وكيف يمكن إنهاء دائرة العنف المستمرة منذ أعوام طويلة؟ وصلنا إلى هذه النقطة لأنه يوجد حركتان وطنيتان في البلد.
  • مع بدايات الحركة الصهيونية، سيطر الشعار القائل "أرض من دون شعب لشعب من دون أرض"، وتم تفسير هذا الشعار بأنه ادّعاء أن الأرض فارغة. لا يزال اليمين يكرر هذه المقولة حتى اليوم. لكن إذا عدنا إلى الخرائط منذ القرن التاسع عشر، وأيضاً إلى السجل السكاني العثماني في الفترة 1887- 1905، وأيضاً إلى السجل السكاني البريطاني منذ سنة 1922، فكلها تدل على وجود مئات البلدات العربية في القرن العشرين، التي عاش فيها نحو 700 ألف إنسان.
  • صحيح، كان هناك بعض المفكرين الصهيونيين الذين حذّروا في نهاية القرن التاسع عشر من إقامة مشروع الصهيونية في بلد آهِل، وبينهم أحاد هعام [كاتب يهودي روسي الأصل (1856-1927)]. وفي سنة 1923، عبّر زئيف جابوتنسكي عن ذلك في مقالته الشهيرة "الجدار الحديدي". وفي الوقت نفسه، إلى جانب الصهيونية، طوّر سكان البلد الفلسطينيون، في القرن العشرين، قومية خاصة بهم.
  • اللحظة المفصلية في العلاقات بين الحركتين الوطنيتين كانت النكبة في سنة 1948، والتي حوّلت 700 ألف فلسطيني إلى لاجئين، ودمرت نحو 400 بلدة فلسطينية. اللحظة الثانية المهمة كانت في صعود "الليكود" إلى الحكم في سنة 1977. لقد اتخذ "الليكود" قراراً تاريخياً حاسماً، مفاده أن الهدف الأعلى للصهيونية ليس السلام مع الفلسطينيين، بل استمرار السيطرة على الضفة ومأسسة مشروع المستوطنات. وبعد سنوات، بات الصراع بين الحركتين عنيفاً، أكثر فأكثر.
  • وصل الفلسطينيون إلى ذروة عنفهم يوم "فرحة التوراة" [يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر]. أمّا إسرائيل، فوصلت إلى ذروة عنفها، الآن، خلال الحملة على غزة.
  • لقد تم تبرير استمرار سيطرة إسرائيل على الضفة، بذرائع أمنية طبعاً. إلّا إن إقامة مئات المستوطنات في المناطق، تدل على أن إسرائيل لا تسيطر عليها لأسباب أمنية، بل بسبب الطريقة التي تحدد فيها أهدافها القومية. فضلاً عن ذلك، يدّعي عدد كبير من الخبراء الأمنيين - مثل إيهود باراك أن (الفرق بين اليمين واليسار - كالفرق بين مَن يتبنى نظرية التطور، ومَن ينكرها)، بينهم أعضاء في حركة "ضباط من أجل أمن إسرائيل"-  وأن أمن إسرائيل القومي لن يتضرر، في حال توصلت إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وأخلت أغلبية المناطق في الضفة. هناك أعداد كبيرة أيضاً تدّعي أن السيطرة على الضفة تضرّ بالوضع الأمني الإسرائيلي. هذا الادّعاء يُطرح كثيراً في الأيام الأخيرة، إذ يقال إن غياب الجنود عن "غلاف غزة"، سببه وجودهم للدفاع عن المستوطنين في الضفة.
  • السؤال الثاني، هو كيف يمكن وقف دائرة العنف؟ الإجابة تتعلق بكيفية تعريف إسرائيل لأهدافها القومية. إذا كان التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين هو الهدف القومي الأعلى، فلا يوجد ما يمنع التوصل إلى اتفاق، وأيضاً إلى تطبيع، وأيضاً إلى الحفاظ على الأمن.
  • من الواضح أن السلوك "القاتل" الذي ارتكبته "حماس" في "غلاف غزة" سيولّد ادّعاءات على نمط "هذه طبيعة العرب، ولا يمكن الاعتماد عليهم، أو التوصل معهم إلى أيّ اتفاق." لكن يجب التذكر أن إسرائيل توصلت إلى اتفاق سلام مع مصر، بعد أن أنزلت الأخيرة كارثة قومية صعبة بها، وهذا الاتفاق لا يزال سارياً كما هو عليه، منذ 44 عاماً؛ منذ أكثر من 20 عاماً، هناك تعاوُن أمني وطيد بين إسرائيل وبين السلطة الفلسطينية، في أعقاب اتفاقيات "أوسلو"، منذ سنة 1993؛ كما توصلت إسرائيل إلى السلام مع الأردن، ومع دول عربية أُخرى، في إطار "اتفاقيات أبراهام"؛ وأنه توجد علاقات سلام وتعاوُن بين المواطنين العرب واليهود في الدولة.
  • إنهاء دائرة الدم يتطلب اعترافاً بوجود القومية الفلسطينية وحقها في تقرير المصير.
  • وفعلاً، كما قيل، المرة تلو الأُخرى، في الأيام الماضية، ولأن إسرائيل أرادت الالتفاف على الاتفاق السياسي مع السلطة الفلسطينية، فإنها ساهمت، إلى حد كبير، في بناء "حماس" كقوة كبيرة تتحدى السلطة. أتمنى أن تخرج إسرائيل مما حدث في الأيام الأخيرة بخلاصة أنه يجب فتح حوارات مباشرة مع السلطة الفلسطينية، ولا يجب خلق منافسين لها (استراتيجيا قديمة لإسرائيل. على سبيل المثال، محاولة الالتفاف على منظمة التحرير بإقامة روابط القرى في سنة 1977).
  • على إسرائيل أيضاً أن تفهم أن استمرار الصراع الدامي هو التهديد الأساسي للديمقراطية الليبرالية لديها. إذا استمر الصراع، فسيؤدي إلى سيطرة جهات متطرفة جداً على الدولة. وبدورها، ستقوم بتفكيك النظام الديمقراطي- الليبرالي، وبعد ذلك، بخراب الدولة نفسها. هذا بالإضافة إلى أن الاحتلال هو التهديد الأول للنظام الليبرالي، لأن المنظمات التي تعارض الاحتلال، تعبّر عن معارضتها له، ويكون ردّ الدولة بمحاصرة الحقوق الليبرالية الخاصة بها، كحرية التنظيم وحرية التعبير. فضلاً عن أنه يوجد ادّعاء بأن جزءاً من الدافع الكامن وراء الانقلاب الدستوري هذا العام، ينبع من الرغبة في تحرير الاحتلال من الرقابة القضائية التي تقوم بها المحكمة العليا.
  • استمرار الصراع سيؤدي، عاجلاً أم آجلاً، إلى محاولة ترحيل "عرب إسرائيل". وفي اعتقادي، هذه المحاولة لن تنجح، لكنها ستحوّل إسرائيل إلى الدولة الأكثر إجراماً في العالم، وتدفع إلى موجة عنف واسعة وطويلة بين إسرائيل والعالم الإسلامي برمته. استمرار الصراع سيؤدي إلى انفجار موجات عنف بين العرب واليهود داخل إسرائيل.
  • وعموماً، علينا أن نسأل أنفسنا: في أيّ دولة نريد أن نعيش، بعد 20 أو 30 عاماً. في دولة لا تزال تستند إلى القوة العسكرية، أو دولة فيها تعايُش مع القومية الفلسطينية، وأيضاً لديها شبكة علاقات واسعة مع دول الشرق الأوسط. فعاجلاً أم آجلاً، سنتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين. وإن كان الأمر كذلك، فلِمَ لا نبدأ بالجهد منذ الآن؟

 

 

المزيد ضمن العدد