الانقلاب الدستوري هنا، ويجري تحت غطاء الحرب

فصول من كتاب دليل اسرائيل

المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في ظل الصدمة والفجيعة الجماعية التي تسيطر على سكان البلد منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، اكتشفنا أن هناك مَن يستغل هذه الأيام كي ينفّذ خطته السياسية. هناك مَن يستمر بالدفع لسيطرة المستوطنين على مناطق (ج)، وإقصاء المواطنين العرب، وإبادة الحيّز "الديمقراطي"، والحرص فقط على مصلحته الشخصية، على حسابنا جميعاً.
  • منذ اليوم الأول للانقلاب الدستوري، نشب نقاش حاد في أوساط قيادة المواطنين العرب: هل علينا الانضمام إلى المواطنين اليهود في التظاهرات ضد الانقلاب، أم لا؟ رأيي كان واضحاً منذ اليوم الأول. طبعاً يجب، هذا ما اعتقدته. نحن أقلية، وهم الذين عليهم معارضة تقليص الحيّز الديمقراطي، والعمل على توسيعه. أحد الادعاءات ضد هذه المشاركة من زملائي العرب، كان بشأن عنصرية المحكمة العليا ضد المواطنين العرب. وكان ردّي أن هذا صحيح في كثير من الحالات، لكن على الرغم من ذلك، فإنه يتعين علينا الإجابة عن سؤال إضافي: لماذا تريد قيادات عنصرية، كبنيامين نتنياهو وياريف ليفين وبتسلئيل سموتريتش، إضعاف المحكمة إلى هذا الحد؟
  • المحكمة العليا أزعجت نتنياهو وزملاءه في قضيتين مركزيتين. أولاً، منذ 20 عاماً، تقوم لجنة الانتخابات المركزية، التي يسيطر عليها السياسيون، بمنع ترشّح القوائم التي تمثّل المجتمع العربي لانتخابات الكنيست، والمحكمة العليا تُبطل القرار وتصادق على ترشُّحهم؛ ثانياً، المحكمة العليا تشكل عاملاً مانعاً أمام تشريع البؤر الاستيطانية وسرقة الأراضي الخاصة بالفلسطينيين، وبذلك، هي تمنع، أو تؤجل على الأقل، سيطرة المستوطنين الكاملة على مناطق (ج) في الضفة الغربية.
  • ماذا أراد اليمين، ومن ضمنه نتنياهو وليفين و"الصهيونية الدينية"، من الانقلاب الدستوري؟ أرادوا تفكيك ما يسمّونه "الدولة العميقة"، ومن ضمنها المستويات المهنية، ونزع الشرعية عنها لتحقيق رؤيتهم القومية. هذه الرؤية تتضمن إلغاء القوة السياسية لـ20% من المواطنين في الدولة - المواطنون العرب الذين يعارضون، في أغلبيتهم العظمى، سياسة اليمين، والسيطرة الواسعة على مناطق (ج)، ومنع إقامة دولة فلسطينية. الآن، في ظل الحرب، وتحت غطاء قصف غزة، يتم تحقيق هذه الرؤية القومية الفاشية أمامنا، من دون تغيير قانون أساس واحد، ومن دون أي تعيين في لجنة اختيار القضاة.
  • المستوطنون استغلوا أيام الحرب للسيطرة الفعلية على مناطق (ج)، وذلك من خلال تهجير سكان القرى الفلسطينية، وجميعهم في مناطق استراتيجية، بهدف إحباط إقامة دولة فلسطينية. تابعوا ما يحدث في وادي السيق، وقرية عين الرشراش، وقرية فراسية، وقرية عين شبلي. عنف المستوطنين يتمدد ويصبح أكثر فتكاً من أي وقت سابق، والفلسطينيون الأبرياء يُقتلون ويهدَّدون، ولا يوجد مَن يعاقب. وفي المقابل، داخل إسرائيل، تقوم شرطة بن غفير بإسكات ومنع أي صوت يعبّر عن تضامُن مع ألم سكان غزة يأتي من المجتمع العربي واليهود، ومن ناشطي السلام. أمس، منعت الشرطة إقامة ندوة يهودية - عربية في حيفا. وتحت غطاء الحرب، تتحقق الأهداف الأساسية للانقلاب الدستوري، وأسابيع طويلة من الاحتجاجات الشجاعة ذهبت أدراج الرياح.
  • أحد النقاشات المركزية بشأن الانقلاب الدستوري، كان: هل المناداة بالديمقراطية تريد فقط إعادة العجلة إلى الوراء، إلى الوقت الذي جرى فيه تهميش جماعات كبيرة، وعلى رأسها المجتمع العربي؛ أم أن الهدف هو التقدم إلى الأمام نحو ديمقراطية حقيقية وكاملة، في أساسها السلام والمساواة والعدالة الاجتماعية ومنظومة قضائية قوية وديمقراطية؟
  • من أجل الرد على هذا السؤال، يجب الاطلاع على مقابلتين أجراهما الرئيس السابق للشاباك، نداف أرغمان، خلال العام الماضي. في آذار/مارس، أجرى أرغمان مقابلة مع برنامج "عوفدا" الذي تقدمه إيلانا ديان، وقال بحدة: "لا يجب تقزيم ذلك"، مضيفاً أن "هذا تغيير لنظام الحكم، انقلاب دستوري يحوّل إسرائيل إلى ديكتاتورية." وقبل أسبوع، أجريت مقابلة أُخرى مع أرغمان، فاقترح مقياساً لنجاح أي حدث قتالي، وهو "ألّا تكون الأم اليهودية هي التي تبكي."
  • "امتحان الأمومة" الخاص بأرغمان يتضمن الفجوة بين حركة الاحتجاجات والمواطنين العرب. الوسط - يسار يرفض الاعتراف بكارثة المواطنين العرب الذين أرادوا الانضمام إلى الاحتجاجات بشكل واسع. يستصعب احتواء وفهم إمكانية أننا ندين بشدة المذبحة بحق المواطنين الإسرائيليين في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأيضاً ندين قتل الفلسطينيين الأبرياء، ومن دون حماية، في غزة.
  • علينا أن نفهم أن سياسة نتنياهو، التي تقوم على تجاهُل القضية الفلسطينية، وإضعاف السلطة الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات، والتحريض ضد المواطنين العرب ومحاولة تفكيك قوتهم السياسية - هي لبّ الانقلاب الدستوري. هذه هي السياسة التي ستدفعنا إلى الخراب الفاشي. كل سياسة تتبنى انعدام وجود الأفق السياسي واستمرار الاحتلال، ستؤدي بنا إلى انتفاضة ثالثة، أو حرب، مع عشرات آلاف القتلى من الطرفين. نحن وصلنا إلى ذلك منذ الآن.
  • وحدها حركة مدنية تقدّس حياة الإنسان لأنه إنسان، يمكن أن تمنع هذا الانجرار إلى هاوية الفاشية، هاوية سيكون فيها على العرب واليهود أن يعيشوا ويموتوا على حد السيف في هذا البلد. الآن بصورة خاصة، هذه هي اللحظة الملائمة لإقامة حركة عربية - يهودية واسعة ضد الاحتلال، ومع السلام.
 

المزيد ضمن العدد