نهاية التخاذل في مواجهة كل من إيران وحزب الله
المصدر
Israel Defense

موقع إلكتروني متخصص بالمسائل العسكرية، يصدر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • لعلّ الاسم الحركي لعمليات الجيش الإسرائيلي على مدار الأسبوع، هو العدوانية. تحت وطأة الانطباع الرهيب الذي خلّفته صور مذابح عيد "سمحات توراة" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر في العالم الغربي، حصلت إسرائيل على حرية تصرُّف غير مسبوقة، تتيح لها المهاجمة والتدمير، ولو أسفر الأمر عن تكلفة لا يمكن تلافيها، والتسبب بالأذى لغير المتورطين في العملية.
  • إذا كان هناك شك في الحقيقة أعلاه، فما من شك في التالي (باستثناء حالات المؤسسات التربوية والصحية في قطاع غزة): يحاول الجيش الإسرائيلي تسوية أوسع منطقة ممكنة بالأرض، بصورة استباقية، سواء من الجو، أو من خلال القصف المدفعي. يتم السعي هنا لتسوية أكبر عدد من المباني بالأرض في المناطق التي تعمل قواتنا فيها، لكي يتمكنوا من السيطرة، من الأعلى، على التحركات والدبابات والعربات المؤللة، بيْد أن علينا أن نعرف أنه لا يمكن هدم أي مبنى أو نفق بصورة استباقية. وهذا هو السبب الكامن وراء المعارك الشرسة في قلب قطاع غزة، كما حدث في معركة جباليا يوم الثلاثاء المنصرم، وهو أيضاً السبب وراء الخسائر الفادحة التي تكبّدناها، والتي سنتكبّدها في المستقبل.
  • إلا إنه يوجد اسم حركي آخر لِما يحدث في قطاع غزة، هو الدقة والنشاط العسكري "الجراحي". هذا ما حدث في العملية التي سيأتي الوقت لكي نتحدث عنها (في هذه الأثناء، لا يمكننا أن نفصح عن المزيد بشأنها)، التي تم من خلالها إنقاذ المجندة أوري مجيديش.
  • في المقام الأول، يعود الفضل إلى جهاز الشاباك في هذه العملية. لقد أثبت هذا الجهاز مجدداً، كما أثبت في الماضي في عمليات اغتيال قادة حركة "حماس"، أنه على الرغم من إخفاقه الذريع في التحذير من عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لا يزال يملك معلومات استخباراتية فائقة الجودة، تستند على "يومينِت" ([بالعبرية: الشبكة اليومية]، والتي تعني في القاموس الاستخباراتي الإسرائيلي: تشغيل عملاء بشريين في مناطق العدو).

لنطّلع الآن على الصورة الأوسع:

  • هذا الوقت الذي يتابع فيه كل إسرائيلي، بقلق وأمل، أي تقرير يَرِد بشأن المناورة البرية في قطاع غزة، يُحتمل أن نجد أنفسنا خلال الأسابيع المقبلة، فعلاً، نخوض حرباً في مواجهة حزب الله في الشمال، لا بل حتى في مواجهة إيران.
  • لنبدأ بالجانب التكتيكي في الشمال: لقد قامت إسرائيل، فعلاً، بإخلاء عشرات البلدات، وبنشر قوات هائلة على امتداد الحدود. يخوض كلٌّ من حزب الله وإسرائيل "لعبة إشارات": فحزب الله يحاول إيلام الجيش الإسرائيلي، وبصورة أساسية من خلال إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات، كما أنه يطيل أمد إطلاق صواريخه في اتجاه البلدات الإسرائيلية.
  • في هذه الأثناء، لا تزال يد الجيش الإسرائيلي هي الراجحة في أغلبية الحالات: فطوال الأسبوعين الماضيَين، عمد الجيش الإسرائيلي إلى إتقان إغلاق الحلقات النارية بسرعة فائقة تذهل حزب الله الذي تكبّد حتى الآن عشرات القتلى.
  • يقوم الجيش الإسرائيلي باستغلال أي ردة فعل من أجل القضاء على مواقع حزب الله القريبة من الحدود مع إسرائيل. لقد تركّز العدد الأكبر من ضحايا الجيش الإسرائيلي في الشمال، حتى الآن، في الأيام الأولى بعد اندلاع الحرب في الجنوب. لقد وقعت إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع نتيجة انقلاب دبابة تقلّ جنود احتياط إسرائيليين.
  • للتصعيد المتدحرج آلياته الخاصة به، ويمكن لهذه الآليات أن تقودنا نحو الحرب طبعاً، لكن علينا أن نتساءل ما إذا كان الطرفان معنيَين بمواجهة شاملة، للمرة الأولى منذ حرب لبنان الثانية سنة 2006؟
  • تُكثر وسائل الإعلام من اقتباس التقديرات الاستخباراتية (وهي تقديرات صحيحة، في الأغلب، لكن علينا أن ندرك أن علينا التعامل الآن مع أي تقدير استخباراتي من دون أن نضع به ثقتنا الكاملة)، وتفيد هذه التقديرات أن حزب الله غير معنيّ بخوض الحرب، فهو يعمل "تحت خط الحرب"، كي لا يجر إسرائيل إلى شن حرب شاملة ضده.

أين تكمن مصلحتنا، ومصلحة حلفائنا من الدول الغربية؟

  • بصورة عامة، ليس لدى إسرائيل أي مصلحة في شن حرب شاملة على لبنان، وخصوصاً في الوقت الذي يدور القتال بكامل القوة في قطاع غزة، إذ إن الأثمان التي سنتكبّدها على مستوى الجبهة الداخلية، في هذه الحالة، ستكون مؤلمة جداً، لكن هذا التوازن الدقيق قد يتغير. كما أن اعتباراتنا ستتغير في اللحظة التي نستكمل الاستيلاء على الأراضي التي نخطط لاحتلالها في قطاع غزة، ويصير الوضع مستقراً، بشكل أو بآخر.

هل ستمثل هذه الحالة فرصة بالنسبة إلينا من أجل القيام بـ "علاج جذري" للمسألة اللبنانية؟

  • من ناحية، يُعتبر حزب الله عدواً أكثر خطورة وفتكاً من حركة "حماس"، فهو يملك ما لا يقل عن 150 ألف صاروخ، وكثير من هذه الصواريخ مزود بمنظومات توجيه، يمكنها توجيه الصاروخ بصورة دقيقة إلى أي نقطة في إسرائيل.
  • ومن ناحية أُخرى، علينا ألّا ننسى أن البلدات الواقعة على الحدود الشمالية تم إخلاؤها من سكانها على أي حال، ونحن في عزّ الحملة أصلاً، ومنظومة الاحتياط التابعة للجيش الإسرائيلي كلها مجنّدة بفعل الأمر العسكري الرقم 8 والجيش، في أغلبيته، منتشر ومتأهب للمعركة في الشمال، وفضلاً عن هذا كله: فإن الولايات المتحدة قامت بتجميع قوات في منطقتنا، لم نشهد مثيلاً لها منذ عشرات السنوات. كما أنه من المهم أيضاً أن نعترف بأن إسرائيل، بعد صدمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لن تتمكن من إعادة سكانها إلى البلدات القريبة من الحدود في الشمال، من دون إبعاد حزب الله خلف هذه الحدود إلى مسافة بعيدة، ويُفضّل إبعاده إلى ما وراء خط نهر الليطاني، كما اقترح هذا الأسبوع عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان. ومن دون تحقيق هذا، لن يكون في الإمكان، بكل بساطة، إعادة سكان البلدات إلى الشمال.

مواجهة عالمية بين المعسكرات

  • تُعتبر الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة "حماس" جزءاً من صراع عالمي بين المعسكرات، لم يشهد العالم مثيلاً له منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. على الجانب الجيد من الجبهة، أي الجانب الذي نقف نحن فيه، تقف إلى جانبنا الولايات المتحدة في القيادة، وجميع الدول الغربية، والدول العربية السّنية، ابتداء من السعودية، مروراً بالأردن، ووصولاً إلى مصر، وإلى جانب هؤلاء، تقف إسرائيل أيضاً. أما المحور المضاد، فيشمل كلاً من إيران، وحزب الله، وحركة "حماس"، وروسيا في القلب، مع دعمٍ ما من كلٍّ من الصين وكوريا الشمالية.
  • الآن، دعونا نترك الحقائق تتحدث عن نفسها: في الوقت الذي تمكنّا من التعرّف إلى موتانا الكثيرين، في عمليات تشخيص فظيعة، أطلقنا حملة واسعة النطاق ضد قطاع غزة، وفي الوقت نفسه، قمنا بإطلاق نشاط مكثف على الحدود الشمالية، وداخل الضفة الغربية، بالتزامن مع تمركُز القوات العسكرية بأحجام غير مسبوقة في تاريخ الشرق الأوسط.
  • إليكم فيما يلي، قائمة جزئية للغاية لتلخيص ما يحدث: لدينا أولاً، وقبل كل شيء، القوة الهجومية الأقوى في العالم، والمتمثلة في حاملة الطائرات المتطورة والضخمة، "فورد" (وللمقارنة، تزن هذه الحاملة ضعفَي وزن سفينة "التايتانيك"). وفي قلب حاملة الطائرات، يوجد مركز استخباراتي بحجم مركز استخباراتي تابع لدولة، كما تحمل السفينة منظومات هائلة لشن الحروب الإلكترونية.
  • يرافق "فورد" العديد من المدمرات وسفن الصواريخ التي تبدو صغيرة الحجم إلى جانبها، لكن حجم كل واحدة من هذه السفن يوازي نصف سلاح البحرية الإسرائيلي. وتحمل هذه السفن كميات هائلة من القنابل الذكية والصواريخ الدقيقة، على غرار توماهوك، إلى جانب مزيد من الطائرات.
  • ليس هذا فحسب، لقد وصلت أيضاً إلى المنطقة مجموعة السفن التابعة لحاملة الطائرات القديمة "روزفلت"، إلى جانب سفن استخباراتية تابعة للأسطول البريطاني، وسفن تحمل رجال سلاح البحرية التابع للولايات المتحدة، يمكنها أن ترسو على أي ساحل في المنطقة، تحت مظلة نارية هائلة.
  • لقد استكملت الولايات المتحدة وغيرها من الجيوش الصديقة الانتشار البري لأسراب الهجوم الجوي، وقوات الإنقاذ في العديد من الدول الأُخرى، وضمنها الأردن وقطر والبحرين وقبرص. الآن، دفعت الولايات المتحدة إلى الإقليم بمنظومات دفاعية مضادة لصواريخ "ثاد"، والرادار الهائل الذي يُطلق عليه اسم نظام إيجيس. هذا أوان التذكير بأن التنسيق الدفاعي والهجومي بين جيوش الولايات المتحدة، في عهد الرئيس بايدن، تعزز في حال نشوب حرب في مواجهة إيران.

إيران تهرول نحو القنبلة

  • إليكم هذا أيضاً: لقد حثّت الولايات المتحدة، فعلاً، آخر مواطنيها على مغادرة لبنان. أمّا ألمانيا، فقد استكملت تجهيزاتها لإجلاء مواطنيها باستخدام قواتها المتمركزة في قبرص. فهل نعتقد فعلاً أن الهدف من وراء هذه الاستعدادات الضخمة هو مجرد اشارات من أجل تخويف بيروت وطهران؟ أم أنه يتم الدفع بها إلى المنطقة، من أجل العمل الحقيقي؟
  • إليكم منظور تاريخي فعلي يمكننا أن نعثر على علاقة له بما يدور في الإقليم اليوم: في ثلاثينيات القرن الماضي، مارس رئيس الحكومة البريطانية تشيمبرلين، ومعه العالم الغربي بأسره، سياسة تتمثل في المهادنة الواضحة لألمانيا التي يقودها أدولف هتلر. وكلما قامت ألمانيا باحتلال مزيد من الأراضي وضاعفت تهديداتها، كلما تفاقمت المهادنة، إلى أن أتى تشرتشل.
  • في مواجهة إيران، التي تطلق تهديدات علنية بإبادة إسرائيل، فإن النهج المتخاذل الذي مورس طوال سنوات (يشمل ذلك الاتفاقية النووية التي وقّعتها مع القوى العظمى خلال العقد الماضي)، لم يجعل الدول الغربية تتوصل إلى "تفاهمات جديدة" مع إيران إلا مؤخراً.
  • بموازاة هذا، تسابق إيران الريح لإنتاج قنبلتها النووية الأولى، وصواريخها البعيدة المدى، في الوقت الذي تعقد تحالُفها مع روسيا، على خلفية الحرب التي تشنها الأخيرة في أوكرانيا، كما تقوم إيران أيضاً بإرسال المنظمات الدائرة في فلكها إلى حملات قتل، كما حدث في مجزرة السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
  • ربما لا تكون إيران معنية بخوض حرب في هذا الوقت، لأن حرباً كهذه قد تكبّدها أغلى ثمن ممكن، لكن هل الرئيس الأميركي الذي يبلغ من العمر 81 عاماً، جو بايدن، على وشك تغيير مسار التاريخ؟
 

المزيد ضمن العدد