نصر الله كان حذِراً، لكن علينا الحذر من الإفراط في التفاؤل
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • لم يكن خطاب حسن نصر الله، الذي ألقاه بعد ظهيرة الجمعة، خطاباً يلقيه الرجل بصفته أميناً عاماً لحزب الله فقط، بل كان صادراً عن ممثل معسكر المقاومة الشرق الأوسطي الذي تقوده إيران. لقد برز في خطاب نصر الله إشادته بنجاحات هذا المعسكر في ترسيخ مكانته، بحيث أصبح هو مَن يفرض جدول الأعمال اليوم في الشرق الأوسط. في نهاية المطاف، علينا أن نتذكر أن الخطاب الإقليمي، حتى شهر مضى، كان يتمحور حول مسألة تعزيز العلاقات التطبيعية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لكن هذا العنوان تبدّد تقريباً، تاركاً مكانه للمواجهة التاريخية الدائرة في قطاع غزة.
  • وبعيداً عن ابتهاج نصر الله بحقيقة أن عيون العالم كانت شاخصة إلى ما سيقوله في خطابه الموعود، فقد حرص على تقديم نفسه بصفته مَن يقف في الجانب الصحيح من التاريخ. إن حركة "حماس"، حليفته في المعسكر،  تمكنت من توجيه إحدى أكبر وأجرأ الضربات التي تلقّتها إسرائيل طوال أعوام، منذ قيامها، وبحسب تصريحات نصر الله، فإن حزب الله نفسه "قدّم مساهمة" خلال الحرب، تتمثل في المناوشات المتواصلة التي تعطل عديد قوات كثيرة من الجيش الإسرائيلي، وتتركها عالقة على الجبهة الشمالية. لقد عبّر نصر الله عن ثقته بنفسه من خلال الثناء المفتقر إلى الحذر، الذي كاله للميليشيات الشيعية في كلٍّ من العراق وسورية، بعد قيامها بمهاجمة قواعد أميركية.
  • ومهما يكن من أمر، فإلى جانب ازدراء الرجل لإسرائيل في خطابه، وإلى جانب لغته الخطابية الحماسية، بما في ذلك استمتاعه بتكرار مقولة "أوهن من بيت العنكبوت"، فقد برز في الخطاب حذره إزاء كل ما يتعلق بإطلاقه الالتزامات بشأن التصعيد ضد إسرائيل. صحيح أن نصر الله أوضح أن مشاركة حزب الله في المواجهة لا تتوقف عند الحد الراهن، لكنه أكد، في الوقت نفسه، أن الحزب تكبّد خسائر فادحة (57 قتيلاً)، وأن ما يقوم به منذ الشهر الماضي، يمكن اعتباره "إسهاماً كبيراً" في المعركة. وقد تبدى نهجه الحذِر بالذات في ازدرائه الظاهري، الذي كرره مراراً وتكراراً، تجاه وجود حاملتَي الطائرات الأميركيتين في الإقليم. لكن مجرد تكرار الحديث عن الموضوع أثبت أن إيران ونصر الله يتعاملان مع الحضور العسكري الأميركي بجدية، على عكس ما يدّعي في خطاباته.
  • سيتم تلقُّف خطاب نصر الله في أرجاء الشرق الأوسط بطرق مختلفة، كلٌّ بحسب آماله وهواجسه. فلبنان قد يتنفس الصعداء إلى حد معين، وهو "المرعوب" من دفعه إلى حرب مدمرة، في ظل وضعه الحالي المختل، بسبب التلميحات الواردة في خطاب نصر الله، وهي تلميحات تفيد بأنه غير مستعد، بأي ثمن، أن يكون السبب بتلقّي بيروت ضربة هائلة تجعل مصيرها  مثل مصير قطاع غزة المدمر. بالنسبة إلى الأنظمة العربية، لقد فاقم الخطاب القلق العميق الذي تراكم لديها طوال الشهر الماضي، وهو يتلخص في التوسع الجغرافي للحملة، والذي قد يؤدي إلى تقويض مكانة هذه الأنظمة، وتعزيز الحضور الإيراني في الإقليم.
  • أما في أوساط الفلسطينيين عموماً، وحركة "حماس" خصوصاً، فسيتم تلقُّف الخطاب بقليل من الحماسة، هذا إذا رغبنا في التواضع بتوصيف الحال. لقد توقّع الفلسطينيون أن يطلق الرجل وعوداً حاسمة، وأن يُصدر أوامره بإطلاق العنان لإجراءات دراماتيكية، تخفف الضغط المتصاعد على قطاع غزة، وتفرض قيوداً على التحرك الإسرائيلي الهادف إلى القضاء على سلطة "حماس" في القطاع. في مقابلة أُجريت قبل أسبوع، أبدى موسى أبو مرزوق، وهو أحد قادة حركة "حماس"، ارتباكاً واضحاً عندما أوضح، بحذر، أن حزب الله يستطيع القيام بأكثر مما يقوم به. فإذا واصل كلٌّ من حزب الله وإيران التمسك بمستوى النشاط الراهن ضد إسرائيل، حتى بعد تصاعُد الحرب في قطاع غزة، فمن المتوقع أن تتفاقم الارتباكات، وأن تترافق مع تعبير علني عن الخذلان من نصر الله.
  • لكن، من ناحية إسرائيل، يُحظر أن يتسبب المضمون الحذِر لخطاب نصر الله ببث أي مشاعر متفائلة. فعلى عكس المستمعين العاديين، بات من اللائق بجميع صنّاع القرار والمسؤولين الأمنيين الامتناع من فهم خطاب نصر الله، بصفته خطاباً ليناً، بالنظر إلى المخاوف التي تراود نصر الله الآن مما سيحدث في المستقبل. لقد تعلمت إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كما نعرف جميعاً، درساً مؤلماً في التواضع، حين يتعلق الأمر بتقدير نيات العدو.
  • إلى جانب الشك الأساسي والمنطقي، ومفاده أن الخطاب يمثل خديعة استراتيجية، فمن الضروري التركيز على أن تصريح نصر الله المتمثل في أن ردات فعله ستكون مستمدة من طبيعة سير المعركة في قطاع غزة. فإذا أسفر سير المعارك عن أضرار جسيمة بحركة "حماس"، وعلى رأس هذه الأضرار: القضاء على زعماء الحركة، فسيكون من المحتمل أن يشعر حزب الله بضرورة تصعيد إجراءاته، وهو ما قد يتحول بسرعة إلى تصعيد واسع النطاق على الجبهة الشمالية، وارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبه نصر الله في سنة 2006، ولا توجد أي ضمانات تمنع حدوث دينامية تدفعه إلى  تكرار الخطأ مجدداً.